شهـادات عن ملحمـــــة '' مــــــرمــــورة'' البطــــــــولية لـ ''الشعب''

استشهاد أكثر من 45 مجاهد وخسائر في صفوف العدو

آمال مرابطي

عرفت معركة ''مرمورة'' التي وقعت بتاريخ الـ ٢٨ ماي ١٩٥٨ مواجهة بطولية على مدار يومين بين المجاهدين وآلاف الجنود الفرنسيين المزوّدين بالعتاد والطائرات الحربية، والتي استشهد فيها أكثر من ٤٥ مجاهد، وقدّرت خسائر العدو بأكثر من ٢٠٠ قتيل، منهم العقيد جان بيار الذي أسقطت طائرته وما تزال بقاياها بمكان المعركة إلى يومنا هذا، حسب شهادات بعض المجاهدين.

ويروي ''عمي بوشامة علي'' المدعو عمار ممّن عايش هذا الحدث التاريخي الذي خسر فيها الجيش الفرنسي أحد عمالقة ضباطه المشهور بانتصاراته في العديد من المعارك، لكنه سقط بجبل مرمورة التابع للقسم الثاني ''الطاية'' بالمنطقة الثالثة للناحية الثانية للشمال القسنطيني ''بوعربيد'' التي تبعد عن مقر بلدية قالمة حاليا بـ ٣٢ كلم، علما أنّ مكان المعركة يحيط بها جبال طاية، القرار شمالا، مرتفعات سرسارة والعاذر جنوبا وجبل دباغ.
وفي هذا الصدد، أكّد ''عمي بوشامة'' في حديث لـ ڤالشعبڤ بأنّ المعركة لم تكن مخصّصة بمنطقة ''مرمورة'' فقط، وإنما  كانت معارك عديدة بالمناطق المجاورة لها، حيث اكتشفت القوات العسكرية بأنّ المنطقة تتوفر على عدد كبير من المجاهدين، أين بدأت القوات العسكرية الفرنسية تخطّط  للقضاء عليهم.
وأوضح أنّه آنذاك كان اجتماع خاص حضرته كتيبة سلاوة التي أخطرتهم بوجود قوات الجيش الفرنسي بتلك المنطقة، ويضيف محدّثنا أنّ فرنسا خطّطت لهذه المعركة بعد ما جرت معارك أخرى بالسرسارة، وكان البطل  ''دحمون الطاهر'' وخليفة ختلة وسي محمود الحروشي، إلى جانب العديد من الشهداء الذين سقطوا في هذه المعركة، وذلك في مواجهة مع قوات العدو أين اشتد القتال بين الطرفين وبعد عملية التمشيط التي أشرف عليها العقيد الفرنسي جون بيار.
كما استمعنا للعديد من الشهادات، تمّ التأكيد فيها على أنّ  معركة مرمورة تدخل في نطاق العمليات الكبرى التي قامت بها قوات العدو للقضاء على الثورة في شرق البلاد  وفي قالمة خاصة، حيث خرجت جيوش العدو في عملية تمشيط هدفها مسح وتفتيش المنطقة للحد من نشاط وتحركات فصائل وكتائب جيش التحرير الوطني في  المنطقة التي كانت منطقة عبور قوافل لجلب السلاح.
وتؤكّد شهادات الذين عايشوا المعركة أنّ المجاهدين استطاعوا في تلك المنطقة أن يلحقوا خسائر فادحة في صفوف العدو، حيث بلغ عدد القتلى أكثر من ٥٠٠ منهم القائد العنيد جان بيار، كما شملت المعركة المناطق الأخرى  التي تحاذي جبل مرمورة.
أما من ناحية العتاد فقد تمّ إسقاط ٠٣ طائرات من نوع ''ت ٦'' وطائرة مروحية صغيرة من نوع ''ألوات'' التي كان فيها العقيد جان بيار، كما أسفرت هذه المعركة عن خسائر بصفوف المجاهدين، استشهد فيها أكثر من ٤٥ مجاهد من بينهم الطاهر دحمون، خليفة ختلة، مصطفى بولدرع، محمد الحروشي، أما عدد الأسرى فكان أربعة وخمسة  جرحى بما فيهم مويس الطاهر، قلال سليمان، خلاف إبراهيم الذين استشهدوا بعد المعركة  .
وبالموازاة مع ذلك، قالت مباركة مسيود زوجة مسيود الطاهر: ''كنّا لا نعلم بتحركات المجاهدين، فزوجي كانت  أعماله في السر، في ذلك الوقت كانت مهمتنا الأعمال المنزلية، تحضير الأكل، غسل الملابس ونقلها للمجاهدين في الجبال أو المتواجدين بالحقول''.
وأضافت أنّ زوجها اعتقل لأول مرة من طرف الجيش الفرنسي عندما كان متواجدا بالحقول برفقة ابن عمه، حيث أمضى شهرا بالسجن ين تم تعذيبه، مشيرة إلى أنّه لم يضبط أي شيء بحوزته، وبعد إطلاق سراحه والإفراج عنه تمّ تسليمه ورقة بها مجموعة من أسماء المجاهدين ليساعد الجنود الفرنسيين على الإطاحة بالمجاهدين.
وواصلت حديثها قائلة أنّه كان من بين المطلوبين الطاهر دحمون، صالح بن رجم، أحمد الشريف لكن المجاهد مسيود الطاهر أبى الانضمام للمجاهدين بالجبال ومساعدة رفقائه، وكان آنذاك لم يتجاوز عمره ٢١ سنة.
وحدّثنا المجاهد بورصاص حسين عضو المجلس الوطني  وعضو مجلس الولائي للمجاهدين، عن استشهاد ٤٥ مجاهد في معركة مرمورة الشهيرة، وهي إحدى المعارك التي فتحت الطريق للاستقلال، على حد قوله. وبالرغم من خسارة ٤٥ مجاهد فإنّ نتائجها كانت كبيرة لإسقاط    بيجار، بعد قيام العقيد جون بيار بقصف مواقع الثوار بجبل مرمورة، إلاّ أنّه كان دليل قاطع على الرعب الذي أحدثه أبناء قالمة وجنودها الذين تحصّنوا بكهوف وأودية وأحراش جبل مرمورة.
وأضاف المجاهد بورصاص أنّ المقدّم جون بيار الذي نجا من عدة حروب منها الحرب العالمية الثانية والحرب الفرنسية الفيتنامية، ومشاركته في الغزو الثلاثي على مصر بقناة السويس في سنة ١٩٥٦، قد تعهّد أن يرجع السلم للمعمّرين خلال ستة أشهر، فشل أمام إصرار وشجاعة مجاهدي المنطقة وحبّهم للشهادة في سبيل اللّه من أجل الكرامة في كل من جبال مرمورة، بوعربيد، ماونة وهوارة، لقي المقدم جون بيار حتفه بجبل مرمورة.
من جهتها، وصفت المناضلة السياسية وابنة شهيد شرموخة حليمة معركة مرمرورة بالعالمية وليست وطنية فقط، فهذه المعركة ــ حسبها ــ اعترف بها العدو قبل الصديق أين لقي أكثر من ٢٠٠ جندي فرنسي حتفهم، مضيفة بأنّه حوالي ١٠٠ مجاهد استشهد بمنطقة مرمورة، والمناطق المجاورة لها كمعركة بوهمدان ومعركة الركنية.
وأكّدت في هذا السياق، أنّ قالمة معروفة بولاية ٨ ماي ٤٥ وبشهدائها آملة أن يستكمل الجيل الصاعد المسيرة النضالية عبر التنمية والحفاظ على الجزائر، فمعركتا بوهمدان والركنية منطقتين مشهورتين بالأبطال.
ولم تفوّت محدثتنا الفرصة للتنويه بتضحيات دحمون الطاهر الذي قدم الكثير والجميع يتذكّر خصاله، مشيرة إلى أن كل الشهداء طلبوا الشهادة للّه، كما أنّها لم تسمع عن شهيد طلب شيئا لنفسه.
وفي حديث مع عبد الحميد دحمان من عائلة الشهيد دحمان رحمون، أخبرنا عمّا سمعه عن عمه دحمان رحمون وعن عظمة المشهد والثورة والثوار، الذين سقو بدمائهم الزكية أرض الجزائر ومنحوها الكرامة والحرية، مفيدا: ''سمعت من المقرّبين عن هؤلاء الأبطال الذين صنعوا أحداث المعركة، فعمي دحمان رحمون استشهد مساء عند المغرب، الجميع يشهد بأنّه إنسان خارق للعادة، ويقال عنه مجاهد نشيط ومحب للحرية، ناقم على الاستعمار''.
وأكّد سعيد حمروش عضو المنطقة الثالثة للولاية الثانية التاريخية وعاش بمرمورة آنذاك، أنّ موت جون بيار الذي كان رمز  للقوات العسكرية الفرنسية حطّم شرف وقوة الجيش الفرنسي، مبرزا في هذا الصدد أنّ من ضرب  طائرة جون بيار وأسقطها، هم أبناء المنطقة من المجاهدين، ما عدا محمود الحروش ومجاهد من القل اللّذين كانا ضمن المجموعة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024