يعول الصحراويون على الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، لتحسيس الرأي العام الفرنسي بعدالة القضية الصحراوية، ودفع السلطات الفرنسية لتغيير موقفها إزاء آخر قضية تصفية استعمار في القارة الإفريقية، كونها تبقى من بين الدول التي ما زالت ترفض تطبيق الشرعية الدولية وتعرقل تطبيق الاستفتاء لتقرير المصير، من خلال مساندتها للطرف المحتل، خدمة لمصالحها الضيقة غير المشروعة.
وقام أزيد من ٨٠ شابا من أفراد الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، بزيارة لمخيمات اللاجئين الصحراويين، في إطار «قافلة الإستقلال»، دامت ثلاثة أيام وقفوا خلالها على أطوار القضية الصحراوية منذ الإستعمار الإسباني، وصولا إلى احتلال المغربي الظالم، كما تعرفوا على هياكل ومؤسسات الدولة الصحراوية الفتية في مخيمات اللجوء، وتجربتها الديمقراطية الفريدة من نوعها، ولمسوا معاناة شعب يستمر في النضال منذ أكثر من ٣٧ سنة.
بدأ الوفد زيارته من الجدار العازل الذي يقسم الصحراء الغربية أرضا وشعبا، أو جدار العار كما يصطلح على تسميته، فخلال ساعتين من السير في أرض جرداء قاحلة، باتجاه الأراضي المحررة انطلاقا من مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف راحت السيارات الرباعية الدفع، والشاحنات العملاقة التي كانت تقل أكثر من ٨٠ شابا جزائريا، أغلبهم من أفراد الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، تطوي الطريق الرملي المكسو بالحجارة الرمادية، وبعض أشجار الطلح طيا، مخلفة وراءها زوبعة من الغبار... الجو ربيعي لكن حرارة الاندفاع كانت تدفع شباب المهجر الذين لا تتجاوز أعمارهم ٢٥ سنة لاكتشاف طبيعة قاسية قد يخيل لمن يزورها لأول وهلة أنه في عالم غير عالمنا لصعوبة دروب صحاريها ومناخها الجاف وتضاريسها الوعرة لكنك وحالما تجد الصحراويين الخبيرين في ترويض الصحراء وربما أخذوا هذا الاسم منها وبطيبتهم وبساطتهم بقدرتهم على الصبر تدرك أن أسباب وجودهم بعيدا عن الوطن في اللجوء معلومة ومعروفة... وفي تلك المساحة الواسعة حيث يظهر الجنود المغاربة، من قوات المخزن فوق جدار العار، يتابعون من بعيد أي تحرك من الجانب الصحراوي أو ضيوفهم، راح الشباب الجزائريون المهاجرون يتلقون أولى الشروحات عن أسباب تواجد مثل هذا الجدار الذي قسم ليس بين العائلات الصحراوية المتواجدة في مخيمات اللجوء والأراضي المحتلة، وحتى بين الحيوان، والأمر من هذا أنه زرع بـ٥ ملايين لغم مضاد للأفراد، والآليات وعزز بالأسلاك الشائكة، وقواعد دعم رئيسية وأخرى ثانوية مدججة بـ١٣٠ جندي مغربي، كما زود «جدار العار» بأجهزة رادار كاشفة.
وبمتحف المقاومة الصحراوية، عرج الشباب الجزائريون المغتربون على مسار المقاومة الصحراوية منذ البدايات وأوجه الحياة، حيث يؤرخ المتحف للمسار التاريخي للمقاومة الصحراوية، ضد المحاولات الاستعمارية التوسعية التي شهدتها الصحراء الغربية منذ ثلاثينات القرن الماضي مثلما يخصص زوايا وأركان لانتصارات الجبهة عسكريا إبان حرب التحرير ضد المستعمر الإسباني والمغربي ودبلوماسيا عبر إفراد مساحات للبلدان التي تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية والمواقف المساندة للقضية الصحراوية لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير ولم يهمل المتحف الجوانب القانونية، بعرض الأوجه القانونية للنزاع في الصحراء الغربية على غرار الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي الدولية عام ١٩٧٥ الذي أثبت عدم وجود سلطة سيادة مغربية أو غيرها على الأراضي الصحراوية، فضلا عن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن في هذا الشأن.
غير أن المتجول في المتحف الوطني للمقاومة الصحراوية يأخذ عينة من الغنائم العسكرية التي غنمها مقاتلو الجبهة من الجيش المغربي كتلك الفرنسية، إسرائيلية وجنوب إفريقية الصنع، إضافة إلى التعرف على مختلف المراحل التاريخية وتطور التنظيم الصحراوي الإداري والسياسي.
بعض الوثائق المغربية المهمة، والنياشين، والتعليمات والأوامر الملكية تخص تسيير شؤون القتال وتكشف المؤامرات الفرنسية المغربية والبرتوكولات الملكية الحربية، فيما تخصص مساحة للأوسمة والنياشين للضباط المغاربة الذين وقعوا في الأسر، حيث أسرت قوات البوليزاريو أزيد من ١٠٠٠ أسير حرب مغربي، وأطلقت الجبهة سراحهم بعد وقف إطلاق النار في دفعات دعما للجهود الإنسانية، بحسب ما يؤكد دليل المتحف.
المهاجرون ورقة ضغط في وجه فرنسا
أجمع المسؤولون الصحراويون، وممثلو اتحاد شبيبة الساقية الحمراء ووادي الذهب، خلال لقائهم بالشباب الجزائريين المقيمين في فرنسا، على أن تواجدهم وسط العائلات الصحراوية وفي مخيمات اللاجئين يعكس مدى تضامن الشعب الجزائري حكومة وشعبا مع القضية الصحراوية، وأن مجيئهم يعد نوعا من التعبير عن الأخوة والصداقة التي يعترف بها المجتمع الصحراوي بكامله.
وحمل هؤلاء، الشباب المهاجرون أمانة نقل رسالتهم إلى المجتمع المدني الفرنسي، والسلطات الفرنسية لتقديم الدعم المادي والمعنوي للشعب الصحراوي وقضيته العادلة، وحثوهم على التعريف بالقضية الصحراوية في أوساط المجتمعات الأوربية، وأن يكونوا خير وسيط بينهم وبين سلطات بلدهم الثاني فرنسا، التي مازالت للأسف تساند الطرح المغربي، وتدعم اقتراحاته حتى وإن كانت تعارض الشرعية الدولية وتخالف قرارات المواثيق الدولية.
وقال وزير الشبيبة والرياضة محمد مولود فاضل، خلال استقباله للوفد، أن الشباب المهاجرين هم وسيط التواصل في العالم، وبإمكانهم أن يكونوا رجال إعلام من خلال مواقع التواصل الإجتماعي مما يسهل نقل رسالة الشعب الصحراوي، وإسماع صوته بكل اللغات.
أما الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية الصحراوية بشير راضي، فبعد أن ذكر الشعب الجزائري كان دائما موجودا مع القضية الصحراوية لأنها قضية عادلة وقضية تصفية استعمار، أوضح أن الصوت الصحراوي بدأ يصل إلى ليون ومارسيليا بفضل الجالية الجزائرية المقيمة هناك، وهذا يعكس مدى وقوف الجزائريين مع الصحراء الغربية وتقرير المصير.
واعترف ذات المسؤول، أن قضية تصفية الاستعمار أصبحت صعبة على الكبار، مضيفا أنه حان الوقت ليحمل جيل اليوم المشعل، ويساهم بدوره في نشر الوعي، خاصة وأنه لديه دور كبير في القضايا العالمية، بفضل شبكات التواصل الإجتماعي، وهو ما يمكنه من التأثير على الموقف الفرنسي المتذبذب، كما يمكن أن يؤثروا في الشوارع الفرنسية والسياسيين الفرنسيين.
بدورهم الشباب الصحراويون، المنضوون تحت لواء اتحاد شبيبة الساقية الحمراء ووادي الذهب، أكدوا أن دعم الجالية الجزائرية المتواجدة في فرنسا، مهم جدا، ويكفيهم أن ينضموا احتجاجا أمام قنصلية الرباط في باريس، أو يدعموا الشعب الصحراوي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فهم «ورقة سياسية وتضامنية يمكن استخدامها مع المحتل المغربي» لأن فرنسا التي تدعم المغرب بالألغام والأسلحة، والحاضنة للاحتلال المغربي يمكن مجابهتها بلغة الحرب والإعلام.