الصحراء مستقبل الجزائر

مشاريع كبرى بالجنوب تحقق التوازن الجهوي

حكيم بوغرارة

تنتظر الولايات الجنوبية في الجزائر مشاريع عملاقة مستقبلية من شأنها أن تحقق توازنا جهويا لخلق الثروة ومناصب العمل واستقطاب الاستثمارات الضخمة من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني وإيجاد البدائل للعديد من المشاكل التي تحول دون إقلاع الاقتصاد الوطني.

إن التنمية اليوم هي محور استقرار الدول وحتى كبرى الهيئات العالمية، بما فيها الأمم المتحدة، تبنّت استراتيجيات تنموية من أجل التقليل من الحروب والصراعات في العالم، وتمكين الشعوب من حياة كريمة بعيداً عن الأحقاد والضغائن والآفات.
والجزائر، التي تمتلك صحراء من كبرى الصحارى في العالم، بحاجة إلى مبادرات وأفكار تساعد على إيجاد الحلول المناسبة للتقليل من الضغط على المدن الشمالية التي تشكل 20 من المائة من المساحة الإجمالية وتضم 80 من المائة من مجموع السكان وهو ما يشكل اختلالا كبيرا في التوزيع الجغرافي للسكان، الذي نتج عنه عديد التبعات السلبية، أهمها الاكتظاظ والتلوث ومختلف الأمور التي تعكر السير الحسن للحياة العادية.
ويعرف نمو الفئات النشطة في الولايات الصحراوية بشكل كبير، مثلما أشارت إليه إحصائيات وزارة الداخلية والجماعات المحلية في الهيئة الناخبة الموزعة في 2014. ففي ولاية أدرار، تم إحصاء 220 ألف مواطن فوق سن 18، منهم 123 ألف رجل و96 ألف امرأة.
وبلغ عدد الفئات النشطة في ولاية الأغواط 245 ألف، منهم 138 ألف رجل و186 ألف امرأة.
وانتقل عدد المواطنين فوق 18 سنة في ولاية بسكرة إلى 448 ألف، منهم 204 ألف امرأة. أما ببشار فقد سجلت وزارة الداخلية 200 ألف فرد فوق 18 سنة، بينهم 83 ألف امرأة.
وبتمنراست فقد وصل عدد المواطنين من نفس الفئات سابقة الذكر 127 ألف.
وشهدت مدينة ورقلة ارتفاعا كبيرا في نسبة النمو السكاني، حيث وصلت إلى 291 ألف فرد مسجل فوق سن 18. أما ولاية البيض، فقد وصلت إلى 176 ألف مواطن وبإليزي 34 ألف في حين بلغ بالوادي عدد الأفراد الناشطين 315 ألف وبغرداية 209 ألف.

400 مليار دولار لتجسيد «ديزرتك»

أصبح الاهتمام بالصحراء الجزائرية يزداد يوما بعد يوم، حيث اهتدت أوروبا إلى الاستثمار في الصحراء الجزائرية في مجال الطاقات البديلة - الطاقة الشمسية - لتأمين تزوّدها بالطاقة بعد 2030، خاصة في ظل بروز الكثير من المؤشرات التي توحي بزوال الثروة النفطية، وتزايد الطلب على الطاقة مستقبلا، في ظل النمو السكاني القياسي الذي تعرفه المعمورة.
وتوجد الجزائر في موقع قوة إذا عرفت كيف تستغل هذه الفرصة، من خلال مشروع «ديزرتك» الذي سيجعل من الجزائر أكبر دولة مصدرة للطاقة الكهربائية، ومنه تحقيق قيم مضافة للاقتصاد الوطني، سواء من خلال إستحداث مناصب عمل أو رفع العائدات من العملة الصعبة، بالإضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان تمويل مشاريع اجتماعية واقتصادية تعود بالفائدة على حياة الجزائريين.
وستكون الولايات الصحراوية المستفيد الأكبر من هذا المشروع الذي لايزال محط اهتمام الكثير من الدول، خاصة ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا ودول أخرى ترغب في التمويل لتستفيد هي كذلك.
بالموازاة مع ذلك، سيجعل هذا المشروع ولايات الجنوب الجزائري قبلة سياحية ومدنا للطاقات البديلة النظيفة، التي تعتبر أهم عوامل جذب للسكان والمشاريع الجديدة.
وقد أعربت الجزائر وألمانيا في 2010 عن رغبتهما في الدفع قدما لتنفيذ مشروع «ديزرتك» لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في صحارى شمال أفريقيا وتصديرها لأوروبا.
وأكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعد لقائها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في برلين، أن لبلادها اهتمام كبير في تحقيق برنامج ديزرتك لاستغلال الطاقة الشمسية في شمال أفريقيا.
من جانبه أكد بوتفليقة اهتمام الجزائر بتعزيز التعاون مع ألمانيا في مجال الطاقة، خاصة في مشروع ديزرتك. وفي الوقت نفسه، ذكر الرئيس الجزائري أنه ينتظر من ألمانيا أن تدعم تدريب الشباب الجزائري في إطار تعزيز التعاون بين البلدين.
جاء ذلك في ختام محادثات الجانبين في العاصمة الألمانية برلين، التي تناولت توسيع التعاون في مجالات التنقيب عن النفط والبنى التحتية ونقل التكنولوجيا الألمانية إلى الجزائر.
كما اتفق الطرفان على تعزيز التعاون في قطاعي النفط والغاز وإحياء اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين. 
وقد أعلنت الوكالة الفضائية الألمانية، عبر موقعها الإلكتروني، عقب دراسة حديثة أجريت من قبل خبراء الوكالة ونشرتها الصحافة الجزائرية في 2013، أن الصحراء الجزائرية هي أكبر خزان للطاقة الشمسية في العالم، حيث تدوم الإشعاعات الشمسية في الصحراء الجزائرية 3000 ساعة إشعاع في السنة وهو أعلى مستوى لإشراق الشمس على المستوى العالمي، بحسب الدراسة، وهو ما دفع الوكالة الفضائية إلى تقديم اقتراح للحكومة الألمانية حول إقامة مشاريع استثمار في الجنوب الجزائري لإنتاج كميات هائلة من الكهرباء في الصحراء الجزائرية ونقلها إلى ألمانيا وأوروبا عبر كابل تحت بحري عبر إسبانيا.

50 مليون دولار لتصنيع
أولى الخلايا الشمسية

خصصت السلطات الجزائرية 50 مليون دولار، لتصنيع أولى الخلايا الشمسية بنهاية العام القادم، وسيمكّن الإنجاز، حال تحقيقه، من إحلال واردات هذه المواد التي كانت تستوردها الجزائر من الخارج بأخرى مصنّعة داخل البلد، تمهيدا لتوسيع دائرة استخدام الطاقة الشمسية والإعداد لتصدير الطاقة الكهربائية إلى الضفة الشمالية للمتوسط خلال الثماني سنوات القادمة.
وسمحت هذه الشراكة التكنولوجية والصناعية، مع الشروع في تركيب الألواح الشمسية وتخفيض كلفة التصنيع، قبل الوصول إلى التصنيع الكامل للخلايا الشمسية، بما يتيح التعاطي مع المخزون الطاقوي الجزائري الضخم من الطاقة الشمسية والمائية (تزيد عن 44,169 ألف ميغاواط في السنة).
وفي إطار التوجهات الوطنية بخصوص استغلال الطاقات المتجددة، فقد أنجزت أول محطة هجينة لتوليد الكهرباء (غاز+ طاقة شمسية) بمنطقة حاسي الرمل الصناعية بولاية الأغواط، التي تعتبر واحدة من بين المشاريع الطاقوية الوطنية الضخمة والتي دخلت حيز الخدمة في جويلية 2011.
وتبلغ طاقة إنتاج هذه المحطة، التي تتربع على مساحة 64 هكتارا، 150 ميغاوات، منها 120 ميغاوات يتم إنتاجها بواسطة الغاز و30 ميغاوات عن طريق الطاقة الشمسية وهي متصلة بالشبكة الكهربائية الوطنية.
وأنجز هذا المشروع الطاقوي الضخم باستثمار قدره 350 مليون دولار، في إطار اتفاق شراكة بين الشركة الجزائرية للطاقة الجديدة (نيو إينرجي ألجيريا) والشركة الإسبانية (أبينار).
دائما في إطار استغلال الطاقات المتجددة، فإنه يرتقب إنجاز أول حظيرة للطاقة الهوائية في الجزائر بولاية أدرار، بطاقة 10 ميغاواط مؤقتا، والتي أسند تجسيدها إلى الشركة المختلطة الجزائرية - الفرنسية «سيجيليك» بمبلغ استثمار يقدر بـ3.5 مليار دج.
وباعتبار أن قطاع الطاقة والمناجم يعد عصب التنمية، فقد سجل هذا القطاع الحيوي نتائج جيدة من حيث تعميم التموين بطاقتي الكهرباء والغاز الطبيعي من خلال تجسيد برامج واسعة للربط بشبكات التموين لفائدة سكان الجنوب وهذا إلى جانب إنجاز العديد من محطات توليد الكهرباء.
وسيتم إنجاز حظيرة الطاقة الهوائية على مساحة 30 هكتارا بمنطقة «كابرتين»، على بعد 73 كلم شمال مدينة أدرار، عقب دراسة جغرافية حول المناطق الأكثر عرضة للرياح في الجزائر والتي تم تحديد من خلالها منطقتي تندوف وأدرار.

الغاز الصخري مستقبل المحروقات

وأبدت عديد الشركات النفطية العالمية، اهتماما كبيرا بإمكانية الاستكشاف واستغلال الغاز الصخري في الجزائر، في انتظار إطلاق المناقصة الدولية للاستكشاف، حيث تنتظر الشركات الدولية الحصول على معلومات ومعطيات كافية من الجانب الجزائري عن مصير تعديلات قانون المحروقات ونصوصه التطبيقية وإطلاق سلطة الضبط للمناقصة الجديدة التي ستشمل كتلاً تتضمن الغاز أو البترول الصخري، لاسيما وأن التقديرات الأولية تفيد بحيازة الجزائر احتياطيا معتبرا لم يتم تقديره بصورة دقيقة، وإن حاولت بعض الأطراف تضخيمه إلى حد الإشارة إلى أنه أهم من الاحتياطي الأمريكي، بعد أن صنّفت كثالث احتياطي عالمي بعد الأرجنتين والصين بـ18900 مليار متر مكعب، بحسب كتابة الدولة الأمريكية للطاقة.
ولقد أطلقت وكالة الطاقة الدولية تسمية «العصر الذهبي للغاز» على الفترة الحالية، التي جاءت معها دلائل على ارتفاع إنتاج الغاز غير التقليدي (الصخري) في الولايات المتحدة وتوقعات بمخزونات كبيرة منه في دول أخرى. ورغم أن الغاز الطبيعي يمثل أحد المحاور الرئيسة لصناعة الطاقة في العالم، ولكن في ظل استمرار ركود الاقتصاد العالمي صار البعض يتوقع تراجع نشاطه حتى يعود للنمو مجددا، وذلك يجعل الدول المنتجة للنفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط عرضة لتراجع الطلب وبالتالي تأثر إنتاجها ما يدفعها لإعادة النظر في برامجها وخططها الاقتصادية متوسطة وبعيدة المدى.
وكمثال على ذلك التأثير وإمكانية تفاديه، قررت الجزائر ـ بحسب مركز الدراسات للجزيرة نت ـ وهي رابع أكبر مصدر للغاز في العالم، تطوير مصادر الغاز الصخري فيها. وأكدت مصادر جزائرية، أن احتياطي الغاز الصخري تصل إلى ستمائة تريليون قدم مكعب (17 تريليون متر مكعب) أي نحو أربعة أضعاف احتياطياتها الحالية المعلنة من الغاز. وقد وقعت شركة النفط والغاز الجزائرية (سوناطراك) اتفاقيات مع شركات عالمية لتطوير مصادر الغاز الصخري.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024