مسـيرة نموذجيـة للتموقع ضمـن خارطــة الـدول الناشئـة

اقتصاد المعرفــة والاستثمـار فـي الإنسـان..الرهان الناجـح

خالد العيفة

في الذكرى الثالثة والستين لاسترجاع السيادة الوطنية، يتجدد الحديث حول حصيلة الدولة الجزائرية ومساراتها الكبرى، منذ الخامس من جويلية 1962. وبين ثقل الإرث الاستعماري وطموحات مشاريع البناء الوطني، تبرز الجزائر اليوم كدولة تواصل كفاحها من أجل ترسيخ مكانتها ضمن خارطة الدول الصاعدة، محققة تقدما ملحوظا في العديد من القطاعات الحيوية.

يؤكد البروفيسور شايب قدادرة، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة قالمة، أن قراءة المسار التنموي الجزائري تقتضي فهم عمق التركة الاستعمارية الثقيلة، حيث لم يكن مجرد خروج للمستعمر الفرنسي بعد 132 سنة من الاحتلال، بل تواصلت محاولات الهيمنة عبر ترك البلاد في وضع هش ومفخخ على جميع المستويات، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي، الديني والسياسي.
يشير البروفيسور إلى أن الجزائر واجهت، في مرحلة ما بعد الاستقلال، تحديات هيكلية كبرى فرضتها السياسات الاستعمارية التي سعت لتفريغ المجتمع من نخبته وموارده ومؤسساته، ومع ذلك، رفضت الدولة الفتية الاستسلام للأمر الواقع، واتخذت من النهج الاشتراكي إطار بناء الدولة الوطنية، متأثرة بالتيارات التحررية السائدة آنذاك، وشهدت البلاد خلال مرحلتي الرئيسين أحمد بن بلة وهواري بومدين، رحمة الله عليهما، انطلاقة تنموية وصفت بالجريئة رغم قلة التجربة ونقص الكفاءات.
ويبرز البروفيسور قدادرة أهمية الدور الذي لعبته الكفاءات العربية، من مصر وسوريا والعراق ولبنان وتونس وفلسطين، في دعم مشروع بناء الإنسان الجزائري، لا سيما في قطاع التعليم، حيث ساهم هؤلاء في تأطير الأجيال الأولى للاستقلال.
ثلاث ثورات ورؤية تنموية وطنية من أبرز المحطات التي يشير إليها البروفيسور، ما عرفه عهد الرئيس هواري بومدين من محاولات فعلية لإرساء أسس اقتصاد وطني مستقل، تمثلت في الثورة الزراعية، والثقافية، والصناعية، وهي ثلاثية تعكس فلسفة تنموية شاملة ومتكاملة، فـ«النفط الجزائري للجزائريين” لم يكن مجرد شعار، بل ترجم فعليا في تأميم المحروقات سنة 1971، الذي مثل نقلة سيادية واقتصادية كبرى.
ولم يكن ذلك فقط، بل ارتبطت تلك المرحلة أيضا بمشاريع كبرى مثل “القرى الاشتراكية”، وبناء مؤسسات صناعية استراتيجية، أعطت دفعة قوية للاقتصاد الوطني ورفعت من قيمة الدينار، مما عزز الشعور بالكرامة الوطنية.

بــين الجــذور والطموحـات

في السنوات الأخيرة، عادت الجزائر إلى واجهة الدول ذات الإمكانات الناشئة، بفضل سياسة تنويع الاقتصاد، والتركيز على تحقيق الأمن الغذائي، وهو ما يظهر من خلال الجهود الكبيرة المبذولة في قطاعي الفلاحة والصناعة الغذائية، فضلا عن عودة الدولة إلى لعب دور اقتصادي محوري، ولو ضمن سياق عالمي متغير ومعقد.
ومن وجهة نظر تحليلية، يمكن القول، يضيف البروفيسور، إن الاستقلال السياسي لا يترجم تلقائيا إلى استقلال اقتصادي أو تنمية بشرية حقيقية، بل هو بداية مسار طويل من البناء الذاتي، ورغم التحديات الكبرى التي واجهتها البلاد.
فالانتقال إلى اقتصاد المعرفة، والاستثمار في الإنسان، وبناء مؤسسات قوية ومواكِبة للتحولات العالمية، هو الرهان الحقيقي اليوم، بعد 63 سنة من الاستقلال، الجزائر مطالبة بالانتقال من الشرعية التاريخية إلى الشرعية التنموية، لترسيخ مكانتها كقوة إقليمية صاعدة، قادرة على تأمين مصالحها، وتحقيق تطلعات شعبها في العدالة، والكرامة، والتقدم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025