انبثـق فجــر التّحرير فأشرقت شمــس الرّيـادة الصحية

العدالة الاجتماعية..أولوية الأولويات

مسعودة براهمية

 صحّة المواطن فوق كل اعتبار وكرامته مبتدأ ومنتهى 

تشييد دولة عصرية بمفاتيح المساواة بين كل السّكان والمناطق   

 منذ شرقت شمس الحرية على ربوع الجزائر، معلنة بزوغ فجر الاستقلال المجيد، شقّت الأمة طريقها بثباتٍ وإصرار نحو تشييد دولةٍ عصرية تتفيّأ ظلال العدالة، وتتوشّح بقيم الكرامة والمساواة، مستشرفة آفاق المستقبل بعزيمة لا تلين.

 وفي صميم هذا المسار النهضوي، تبوّأ القطاع الصحي مكانة ريادية، إذ عُدّ عنوانًا لصون كرامة المواطن، وتجسيدا صادقا لمبادئ الإنسانية السامية، ما جعله أحد أعمدة التحديث الوطني، ورهانا استراتيجيا لبناء منظومة صحية قوية، عادلة، وشاملة.
وها هي عروس الغرب، وهران، تشرق اليوم كرمز حيّ لحلم يتجسّد على أرض الواقع، وهي تمضي بخطى واثقة نحو ريادة صحية مرجعية، حاملة تطلّعات أمة بأسرها لتعزيز الأمن الصحي، وترسيخ السيادة الوطنية في هذا القطاع الحيوي، كما جاء على لسان مدير الصحة والسكان للولاية، حاج بطواف.
أفاد بطواف في تصريح لـ “الشعب”، بأن “ولاية وهران تمثل نموذجا رائدا في مسار النهوض بالمنظومة الصحية، بفضل ما شهدته من مشاريع توسعية طموحة ومنشآت حديثة، ما يعكس التزام الدولة بتوفير خدمات صحية عصرية، تضمن كرامة المواطن وتستجيب لتطلعاته”.
بنى تحتية متطوّرة وموارد بشرية نوعية
 وأوضح بطواف أن “الولاية تضم حاليا 28 مؤسسة صحية ناشطة، إلى جانب مديرية الصحة ومعهدين لتكوين أعوان شبه الطبي، في حين تتواصل الأشغال لإنجاز مستشفيين جديدين؛ الأول مخصص لأمراض الحساسية والجهاز التنفسي ببلدية بطيوة، والثاني لأمراض الرأس والعنق بحي رجنسي، ما سيرفع عدد المؤسسات الصحية إلى 33 عند الانتهاء من هذه المشاريع”.
وفقا لمدير الصحة، تعتمد هذه المنظومة الصحية على مستشفيين جامعيين أساسيين: “مؤسسة أول نوفمبر” في إيسطو، و«بن زرجب” في منطقة البلاطو، إضافة إلى 11 مؤسسة استشفائية متخصصة، تشمل خمسة مراكز تُعنى بصحة المرأة والولادة، ومستشفى خاص بطب الأطفال، وآخر للأمراض النفسية، إلى جانب مركز لطب العيون، ومرفق مخصص لحالات الطوارئ الطبية والجراحية.
كما يشمل القطاع العمومي بوهران خمس مؤسسات استشفائية عمومية، موزعة على بلديات كبرى: عين الترك، قديل، الكرمة، المحقن وحي النجمة لبلدية سيدي الشحمي، إلى جانب تسع مؤسسات للصحة الجوارية تُعنى بالجانب الوقائي.
وعلى صعيد التغطية الصحية القاعدية، تضم الولاية 49 عيادة متعددة الخدمات، يعمل منها 39 بنظام 24/24، بالإضافة إلى 81 قاعة علاج و45 مركزا صحيا موزعين عبر مختلف مناطق الولاية، مما يعزز فرص الوصول إلى الرعاية الصحية.
يشرف على هذا القطاع قرابة 23 ألف مستخدم من أطباء، ممرضين، أعوان شبه طبيين، إداريين وغيرهم، في مؤشر واضح على حجم الموارد البشرية المسخّرة.
مشاريع كبرى قيد الانطلاق
 بيّن بطواف أن “الرؤية التكاملية المعتمدة في التسيير، جعلت من الولاية قطبا استشفائيا متميزا، يخدم سكانها ويمتد أثره إلى المرضى من ولايات مجاورة، ما يترجم بوضوح التوجّه الوطني نحو ترسيخ العدالة الصحية وتحقيق تنمية صحية متوازنة”، ولفت إلى أن “أبرز التحديات التي واجهها منذ تعيينه في 9 أكتوبر 2022، تمثلت في تسريع استكمال المشاريع الصحية العالقة، التي يعود بعضها إلى سنة 2008”، معتبرا إياها “أولوية مركزية في إطار تنفيذ تعليمات وزارة الصحة، الرامية إلى تطوير البنية التحتية الصحية بما يتناسب مع مكانة وهران كقاطرة استشفائية في المنطقة الغربية”.
وصرّح المسؤول ذاته أنه “في ظرف أقل من ثلاث سنوات، تم استلام خمس مؤسسات استشفائية توفّر أكثر من 900 سرير جديد، من بينها مستشفى متخصص في علاج الحروق الكبرى يضم ما يزيد عن 120 سريرا، وُصف بأنه يمثل مفخرة وطنية في مجال الصحة”، وأشار إلى أن “المشاريع الجارية تشهد تقدما ملموسا؛ حيث بلغت نسبة الإنجاز 25 % بمصلحة الاستعجالات بمستشفى عين الترك، و90 بالمائة بالمحقن في بلدية أرزيو، مرجّحا دخول هذا الأخير حيز الخدمة قبل نهاية السنة الجارية”.
وفي السياق ذاته، أفاد بأن “عيادة جديدة ستُفتتح خلال جويلية الجاري بمسرغين، لترتفع بذلك العيادات المتعددة الخدمات في المنطقة إلى ثلاث، إحداها دخلت الخدمة في فيفري 2023، وأخرى لا تزال في طور الإنجاز”.
كما أوضح أنّ “نسبة الإنجاز في العيادتين متعددتي الخدمات بحي حياة ريجنسي وحي الشهيد محمود بحاسي بونيف، بلغت 99.99 بالمائة، وهما حاليا في مرحلة التزود بالتجهيزات الطبية”. وأضاف أنّ “الأشغال انطلقت لإنشاء عيادة متعددة الخدمات في بلدية بوسفر، بالتوازي مع تسجيل مشروع جديد لإنجاز مستشفى بسعة 60 سريرا ببوتليليس، إضافة إلى 9 عيادات أخرى ببلديات، استوفت معيار الكثافة السكانية.”
كشف كذلك عن “إطلاق مناقصة لاقتناء تجهيزات طبية متطورة، تشمل جهازي رنين مغناطيسي لفائدة مستشفى وادي تليلات وسيدي الشحمي، إلى جانب جهازي سكانير لفائدة مستشفى الكرمة ومستشفى الحروف”.
معهد السرطان..نقلة نوعية
 واعتبر محدثنا أن” المعهد الوطني للسرطان، الواقع ببلدية سيدي الشحمي ضمن دائرة السانية، من بين المشاريع الحيوية التي تحظى باهتمام خاص”، حيث أعلن عن “قرب استلامه، بعد أن تجاوزت نسبة تقدم الأشغال فيه عتبة 80 بالمائة”.
أكد المسؤول أن “هذا المعهد يُعد الأول من نوعه على الصعيد الوطني؛ حيث يجمع تحت سقف واحد التخصصات العلاجية والبحثية المتعلقة بمكافحة السرطان، مما يمثل قفزة نوعية في مجال التشخيص والعلاج، وسيتوفر المعهد على 120 سرير، إلى جانب تقديم العلاجات كالعلاج الإشعاعي، الكيميائي والمناعي، إضافة إلى إجراء العمليات الجراحية داخل نفس المنشأة، كما سيتضمن فضاءً مخصصا للبحث التجريبي لدراسة العوامل المرتبطة بانتشار السرطان، كالعوامل الجينية والبيئية، مع مراعاة الخصوصيات المحلية، ما يدعم المساعي العلمية لتطوير سبل الوقاية والعلاج”.
وهران تقود ثورة علاج الأورام
 بالنظر إلى ذلك، كشف محدثنا أن “عام 2026 يُرتقب أن يشكل نقطة تحول حاسمة في جهود مكافحة السرطان، وسط ترجيحات بتصدر ولاية وهران المشهد الوطني، بفضل المبادرات المتواصلة والجهود المبذولة من مختلف الفاعلين”.
وفي هذا الإطار، سلّط مدير الصحة الضوء على النقلة النوعية التي شهدها مجال علاج الأورام، مذكّرا بأن أن الانطلاقة كانت عام 2014، باقتناء جهاز تسريع خطي واحد فقط لفائدة المؤسسة الاستشفائية الأمير عبد القادر بالحاسي، وهو ما اضطر العديد من المرضى، وخاصة النساء المصابات بسرطان الثدي، إلى التنقل نحو ولايات أخرى من أجل تلقي العلاج”.
وأضاف أن “المركز شهد في الفترة الأخيرة تعزيزا ملموسا على مستوى التجهيزات، تمثل في تزويده بجهازي تسريع خطيين إضافيين، فضلا عن جهاز ماسح ضوئي ثانٍ مخصص لمحاكاة العلاج بالأشعة، مما ساهم بوضوح في تحسين جودة الرعاية الصحية، وتخفيف فترات الانتظار وتحسين التكفل بالمرضى”. كما أشار إلى “الانتهاء من كافة الإجراءات اللازمة لاستبدال المسرع الخطي القديم، نظرا لتدهور حالته، بجهاز حديث عالي الأداء يفي بالمعايير الطبية العالمية الحديثة”.
وفي إطار الجهود الوطنية المبذولة لتقوية منشآت الصحة العمومية، تم تزويد المركز الاستشفائي الجامعي، الدكتور بن زرجب، بجهازين جديدين من المسرّعات الخطية، حيث وصلت عملية تركيبهما إلى مراحلها النهائية، على أن يبدأ تشغيلهما رسميا خلال شهر جويلية الجاري، بحسب المصدر ذاته.
وأوضح أن “دخول هذين الجهازين حيز الخدمة، إلى جانب تدشين ثلاثة مسرّعات إضافية بالتزامن مع افتتاح معهد السرطان الجديد، سيرفع عدد المسرّعات الخطية في وهران إلى ثمانية، ما يضع الولاية في مقدمة ولايات الوطن من حيث توفر هذا النوع من التجهيزات الطبية”.
أوّل PET Scan وروبوت جراحي عمومي
 كشف محدثنا أيضا عن “التحضير لاقتناء أول جهاز “PET Scan” بالجهة الغربية من البلاد، والمقرر تركيبه بمستشفى أول نوفمبر خلال سنة 2026، بتمويل من الصندوق الوطني لمكافحة السرطان”. وأفاد بأن “هذه التقنية تمثّل خطوة نوعية في مجال التشخيص المبكر، بفضل قدرتها العالية على رصد الخلايا السرطانية من خلال تحليل نشاطها الأيضي، مما يسهم في تعزيز فرص العلاج في مراحله الأولى وبفعالية أكبر”.
وأشار أيضا إلى “إحراز تقدم ملموس في الإجراءات الإدارية الخاصة باقتناء أول روبوت جراحي لفائدة القطاع الصحي العمومي، ومن المتوقع أن يتم تزويد المؤسسة الاستشفائية الجامعية أول نوفمبر 1954 به في القريب العاجل”.
وبذلك ستكون ولاية وهران واحدة من بين أربع ولايات نموذجية، إلى جانب الجزائر العاصمة، عنابة وقسنطينة، ستعتمد هذه التقنية الطبية المتطورة، في إطار الجهود المبذولة لمواكبة وتيرة التقدم التكنولوجي المتسارع في مجال الجراحة، حسب تعبيره.
تكامل صحي بين القطاعين العام والخاص
 في موضوع ذي صلة، ثمّن مدير الصحة لولاية وهران، بطواف حاج، الجهود الفعالة التي يبذلها القطاع الصحي الخاص، مؤكدا أن “هذا القطاع يشهد تطورا ملحوظا، يترجم ديناميكية متنامية ومساهمة ملموسة في دعم المنظومة الصحية العمومية على مستوى الولاية”. وأوضح أن “هذا التطور يتجسد في تنوع الاختصاصات وتحسن جودة الخدمات الطبية المقدمة، ما يعزز مبدأ التكامل بين القطاعين العام والخاص، ويساهم في تخفيف الضغط عن المستشفيات العمومية”.
وحسب المعطيات الرسمية، تشهد الولاية توسعا متزايدا في البنية التحتية للقطاع الصحي الخاص، حيث تحتضن 25 مؤسسة استشفائية خاصة، بالإضافة إلى أربع عيادات متنقلة متخصصة في طب العيون والطب النووي وأمراض السكري، ما يثري العرض الصحي المحلي ويستجيب لحاجيات المواطن.
وتدعمت المنظومة الصحية الخاصة بإنشاء 11 مركزا للتشخيص الطبي، و39 قاعة علاج موزعة على نقاط استراتيجية، لضمان تقريب الخدمات الصحية من المواطن وتعزيز الرعاية الأولية.
وفي مجال الصحة الإنجابية، تضم الولاية ثلاثة مراكز للتلقيح الاصطناعي مخصصة لدعم الأزواج، الذين يعانون من صعوبات في الإنجاب، ضمن إطار المساعدة الطبية على الإنجاب (PMA).
أما في جانب الرعاية الدائمة، فيلعب القطاع الخاص دورا محوريا من خلال 11 مركزا لغسيل الكلى، ومركز متخصّص في صناعة وتركيب الأطراف الاصطناعية وتجهيز المعاقين، في بعد إنساني واجتماعي لافت.
ويعتمد هذا القطاع على شبكة مخبرية متطورة تشمل 100 مخبر للتحاليل الطبية، و24 مخبرا لأمراض الدم، و17 مختبرا للتشريح الطبي، و24 مخبرا لصناعة الأسنان، ما يعكس تقدما لافتا في الخدمات المساندة.
وفي جانب الدعم اللوجستي، يتجلى دور النقل الطبي الخاص عبر 22 مؤسسة متخصصة، توفّر وسائل نقل فعالة للمرضى وتضمن استمرارية الرعاية في مختلف الحالات.
ويستند هذا الزخم إلى قاعدة بشرية مؤهلة، تضم 1004 أطباء مختصين في مختلف التخصصات، و522 طبيبا عاما، و22 قابلة، بالإضافة إلى 513 طبيب أسنان عاما و153 طبيب أسنان مختصا.
كما يشمل الطاقم أيضا 68 أخصائي بصريات، و180 مختصا في صناعة النظارات الطبية، فضلا عن 65 أخصائيا في تقويم النطق، و65 مختصا في علم النفس العيادي، و31 أخصائيا في التدليك العلاجي.
شكل هذا النسيج الصحي المتكامل ركيزة قوية للمنظومة الصحية بالولاية، حيث يعكس التزام القطاع الخاص بتقديم خدمات طبية ذات جودة عالية، تُسهم في ضمان الأمن الصحي للمواطنين وتوفير توازن حقيقي مع القطاع العمومي.
واختتم مدير الصحة بطواف حاج، تصريحه بالتأكيد على أن “ولاية وهران تحصد اليوم نتائج سنوات من العمل والتخطيط، لتغدو نموذجا يحتذى به في مجال تطوير القطاع الصحي”، مشددا في الوقت ذاته على أن “صحة المواطن تبقى أولوية لا مساومة فيها، وكرامته خط أحمر لا يُمس”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025