الجزائر وكيغالي تؤسسان لحالة نموذجية.. عربي لادمي لـ«الشعب»:

شراكة استراتيجية تعزز التعاون الإفريقي

علي عويش

 تفعيل العمل الإفريقي اقتصاديا.. وتفضيل الحلول الإفريقية سياسيا 

تأسيس تعـاون فعّال يُشكّل حاجزاً مانـعـا للتدخّلات الأجنبيــة  

قوّة ناعمة ستدفع بالعـلاقات الاقتصاديــة نحـو مزيد من التعمّـق

أشار أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تمنراست، الدكتور محمد عربي لادمي، إلى أن العلاقات الجزائرية- الرواندية قد عرفت في السنوات القليلة الماضية تحوّلاً نوعياً يُنبئ بانطلاقة واعدة في العديد من المجالات، تدفع بها إلى ذلك، إرادة سياسية متبادلة لبناء شراكة استراتيجية مبنية على مبادئ السيادة، التحرّر وتعزيز التعاون الإفريقي- الإفريقي.

واستطرد الدكتور لادمي قائل،اً إن أولى مؤشرات التقارب التاريخي بين الجزائر وكيغالي، تجلى من خلال افتتاح الجزائر سفارتها في رواندا عام 2021، وهي بادرة تجاوزت كونها مجرّد إجراء بروتوكولي، إلى خطوة استراتيجية تعكس تموقعاً دبلوماسياً جديداً للجزائر في إفريقيا الشرقية في ظل تحوّلات كبرى يشهدها النظام الدولي.
وتابع قائلاً، إن هذا التموقع يعكس تجسيداً فعلياً للمقاربة الجزائرية التي لطالما ارتكزت على تعزيز التعاون جنوب- جنوب من خلال تفعيل آليات العمل الإفريقي المشترك من الناحية الاقتصادية، وتفضيل الحلول الإفريقية للأزمات الداخلية للقارة من الناحيتين الأمنية والسياسية.
وعرّج أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تمنراست، في تصريح لـ «الشعب» لتسليط الضوء على جانب من التاريخ المشترك للبلدين، مبرزاً أهم المحطّات المشتركة في تاريخي البلدين اللذين يتطابقان في الرؤى حول قضايا التحرّر والسيادة الوطنية، والتحرّر من التبعية للمستعمر القديم، مشدّداً على أنها قيم راسخة في تاريخي البلدين اللذين شهدا فترات عصيبة من الاستعمار، وولدا من جديد من رحم معاناة كادت تعصف بهما خلال فترة تسعينيات القرن الماضي، ليصبحا نموذجين يُحتذى بهما عالمياً في التحرّر الوطني.. الجزائر بروحها الثوري الذي أطاح بأعتى قوة استعمارية آنذاك، ورواندا التي قاومت الاحتلال البلجيكي وتجاوزت مأساة الحرب الأهلية. وقال محدثنا: «رغم تواضع المبادلات التجارية بين البلدين، إلا أن هناك مؤشرات على بروز العديد من نقاط التلاقي التي تعتبر قوة ناعمة قد تدفع بالعلاقات الاقتصادية نحو مزيد من التعمّق». مشيراً إلى أن الجزائر اليوم، بانفتاحها الكبير على الأسواق الإفريقية وإنشائها لبنكين جزائريين في كل من نواكشوط وداكار، أظهرت إرادة حقيقية لتجاوز منطق العلاقات الاقتصادية التقليدية، نحو شراكات حقيقية قائمة على مبدإ رابح- رابح. فرواندا -يقول محدثنا- ترى في الجزائر قوة طاقوية إقليمية بإمكانها المساهمة في مشاريع تعاون مثمر، وتفتح آفاقاً تنموية جديدة في القارة. وتابع: «إن المجال الأمني والعسكري يشكّل هو الآخر محوراً حيوياً للتقارب بين البلدين، حيث عرفت العلاقات بين البلدين حركية لافتة في هذا الصدد، بدءًا بزيارة رئيس أركان الجيش الرواندي إلى الجزائر سبتمبر 2022، تلتها زيارة مماثلة أخرى في أفريل 2025، وصولاً إلى زيارة الرئيس الرواندي بول كاغامي إلى الجزائر، أول أمس.
وأشار عربي لادمي، إلى أن هذه الديناميكية في العلاقات والزيارات المتبادلة، يُمكن إدراجها في إطار سعي البلدين إلى تأسيس تعاون أمني فعّال يمكن أن يُشكّل حاجزاً ضد التدخّلات الأجنبية، خاصةً في منطقة البحيرات الكبرى التي تعيش على وقع هشاشة أمنية وصراع نفوذ دولي متزايد.
وأشار لادمي، إلى أن البُعد التاريخي له نصيب في العلاقات بين البلدين، حيث يشترك البلدان في إرث طويل في مقاومة الاستعمار، كما يستحضران تجربة طويلة ضد الاحتلال الفرنسي والبلجيكي.
وتنبع من هذا الإرث النضالي المشترك -يقول لادمي- طموحات سياسية لبناء مشروع إفريقي جديد أكثر تحرّراً، يستند إلى السيادة الكاملة والتوجّه نحو شراكات جديدة خارج مربّع الفرنكفونية التقليدية، في مسعى واضح لإبعاد المستعمر القديم من العودة إلى الساحة الإفريقية عبر أدواته الناعمة.
وخلُص المتحدّث، إلى أن أبرز ما يميّز الشراكة الناشئة بين البلدين هو تقاطع تجاربهما في مجال المصالحة الوطنية، فكلا البلدين عرفا فصولاً دامية من  المأساة الوطنية،  العشرية السوداء في الجزائر والحرب الأهلية في رواندا، واليوم اتّخذ البلدان من هاتين الصفحتين السوداوين منطلقا لبناء السلام الداخلي، وركيزة للإقلاع الاقتصادي، حتى باتا نموذجين يُحتذى بهما على المستويين القاري والعالمي، بل ويسعيان اليوم إلى تصدير تجربتيهما الناجحتين كجزء من المساهمة في الاستقرار الإفريقي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025