عزّزت الجزائر تحسين مناخ الأعمال وتوفير الظروف المناسبة لتحرير المبادرة وتنويع الاقتصاد الوطني، منذ إصدار قانون الاستثمار سنة 2022، بتبنيها لنموذج اقتصادي جديد، اعتمدت من خلاله على بعث تطمينات جدّية للمستثمرين وطنيين وأجانب، ضمن رؤية شاملة ترتكز على استثمارات استراتيجية.
تزايدت مؤشرات تحسن مناخ الاستثمار في الجزائر ولعل أبرزها زيادة اهتمام عديد الشركات الدولية، التي تتوافد بشكل يومي على الهيئات الجزائرية المختصة، على غرار وزارة الصناعة والوكالة الوطنية لترقية الاستثمار.
وقد حرصت الجزائر على تطبيق قاعدة رابح- رابح، من خلال تبنيها رؤية براغماتية ثاقبة، حيث أن المستثمر الأجنبي اليوم كما له حقوق عليه واجبات، وهو احترام المنظومة التشريعية، من أجل تجنب ما وقع في الماضي من تجاوزات بمرافقة الوكالة الجزائرية للاستثمار، إذ كان للمنظومة القانونية الدور الكبير في هذا التحسّن، خاصة مع صدور قانوني النقدي والمصرفي والوكالة الوطنية للعقار الصناعي، حيث تتضمن هذه المنظومة التشريعية اليوم مزايا تتمثل خاصة في الاستقرار التشريعي والتحفيزات الجديدة والضمانات لجلب المستثمر الأجنبي.
وعلى ضوء هذه المعطيات، أكد الخبير الاقتصادي نبيل جمعة، في تصريح لـ»الشعب»، أن «عودة الجزائر قد برزت على الساحة كوجهة مفضلة للاستثمارات الأجنبية، من خلال تحرك الشركات العالمية الذي كان كثيفا، حيث شهدت الأيام العشرة الأخيرة، حركية لافتة فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي، إذ عبرت عديد الشركات العالمية عن رغبتها في الاستثمار في الجزائر».
وأوضح جمعة، أنه من بين الشركات المعنية بالاستثمار في الجزائر، نجد شركة Aptiv لصناعة كوابل السيارات، مجمع ليون الماليزي الراغب في دخول الصناعات التحويلية كالحديد والصلب، مجمع LONGI الصيني لصناعة الألواح الشمسية، فضلا عن حركية واسعة يقودها وزير الصناعة مع الشركاء الإستراتيجيين وهو الذي كان قد استقبل وزير الخارجية المصري لبحث فرص الشراكة بين البلدين.
الجزائر تستعيد مكانتها كوجهة مفضلة
وشدد في السياق، على أن «الجزائر تستعيد مكانتها كوجهة مفضلة للاستثمار الأجنبي، وهي مؤشرات قوية وانفتاح واعد خلال الأيام العشرة الأخيرة، حيث برزت الجزائر كمحطة لافتة لاهتمام كبريات الشركات العالمية، في مؤشر واضح على استعادة بلادنا مكانتها كوجهة مفضلة للاستثمار الأجنبي، وذلك بفضل الإصلاحات الاقتصادية والتحفيزات الممنوحة، مع تسجيل استقرار في البيئة السياسية وعودة الثقة، حيث أبدت شركات عالمية اهتمامها بالسوق الجزائري».
ومن أبرز التحركات، أشار الخبير ذاته إلى شركة Aptiv الرائدة في صناعة كوابل السيارات رغبتها للاستثمار في الجزائر، ما أعطى مكانة متنامية للبلاد كمركز صناعي مستقبلي في منطقة شمال افريقيا. يضاف إلى ذلك، اهتمام مجمع ليون الماليزي بدخول قطاع الاستثمار للصناعات التحويلية، لاسيما فيما تعلق بالحديد والصلب بما يتماشى مع استراتيجية الجزائر الرامية الى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص فاتورة الاستيراد في الصناعات الثقيلة».
أما في قطاع الطاقات المتجددة -وفق ما افأد به جمعة- فقد خطف الأضواء مجمع لونجي الصيني، أحد عمالقة صناعة الألواح الشمسية، معبرا عن استعداده لإطلاق مشاريع كبرى في الجزائر، ما يشكل دفعة قوية للمخطط الوطني للانتقال الطاقوي.
تنويع الشراكات
في السياق نفسه، تحدث ذات الخبير، عن استقبال وزير الصناعة سيفي غريب، وزير الخارجية المصري، وقال إنها تعبر عن « خطوة تعكس الإرادة المشتركة لتوسيع التعاون الثنائي والاقتصادي وخلق شراكة في قطاعات واعدة، مما يعزز توجه الجزائر نحو تنويع الشراكات والابتعاد عن التمركز التقليدي في أوروبا».
وأفاد محدثنا، أن هذه التطورات الحاصلة في مجال الاستثمار الأجنبي بالجزائر، قد كانت محل نقاش من قبل البنك الدولي، بقيادة المدير الإقليمي لشؤون الازدهار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الدكتور نادر محمد، وذلك في إطار بحث وتطوير سبل وآليات التعاون بين الوكالة ومجموعة البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في نوفمبر 2024.
وثمن المدير الإقليمي، بالمناسبة، الجهود التي تبذلها الوكالة في إطار ترقية الاستثمارات ومرافقة المستثمرين وكذا العمل الدؤوب الذي تقوم به والدور الفعال والكبير الذي تلعبه رغم حداثة إنشائها، مشيدا بالتطور الذي عرفته منظومة الاستثمار في الجزائر بفضل الإصلاحات المباشرة من قبل السلطات العمومية.
وكان اللّقاء فرصة للتطرق للنظام الجديد لتقرير البنك الدولي المتعلق بتقييم مناخ الأعمال الموسوم بـ(Business Ready B-READY)، الذّي حل محل Doing Business، حيث تطرق المدير الإقليمي للترتيبات والاستعدادات لإبراز، من خلال التقييم الجديد، التحسينات التي طرأت على مناخ الاستثمار في الجزائر واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.
وعن أهم عوامل جذب الاستثمارات الجنبية، أشار جمعة للإصلاحات الاقتصادية والتشريعية المشجعة، حيث حسّنت الجزائر مناخ الأعمال عبر قانون الاستثمار 22-18 الذي يضمن حرية تحويل الأرباح ويوفر تحفيزات جبائية وجمركية وتبسيط الإجراءات الإدارية. كما أن الموقع الاستراتيجي ووفرة الموارد الطبيعية في بلادنا والبنية التحتية المتطورة من موانئ، طرق ومناطق صناعية، تمنح المستثمرين فرصا حقيقية للنمو والتوسع.
وخلص محدثنا إلى التأكيد على أن هذه المؤشرات، تعتبر إشارة إيجابية نحو مستقبل اقتصادي واعد، من خلال الاهتمام المتزايد من الشركات العالمية بالسوق الجزائرية، ما يعكس إدراكا متناميا للإمكانات الكبيرة التي تزخر بها الجزائر. وإذا ما تواصل هذا النسق، مع توفر الإرادة السياسية الحقيقية في البلاد، فإن هذه الاستثمارات الأجنبية ترشح الجزائر لتكون أحد أهم أقطاب الاستثمار في منطقة شمال إفريقيا.