رئيس الجمهورية منح الاقتصاد الوطني أسسا معرفية متينة
تشجيع المؤسسات الناشئة وتسريع مسار التحول الرقمي.. ضروري
جدّد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في كلمته بمناسبة الذكرى المزدوجة لتأسيس المركزية النقابية وتأميم المحروقات، عزمه على المضي قدما في بناء اقتصاد متنوّع خارج التبعية المطلقة للمحروقات..هذا المسعى ثمّنه الخبير الدولي في الاقتصاد عبد الرحمن هادف الذي لمس تقدما لافتا في هذا النموذج التنموي الجديد.
أبرز الخبير عبد الرحمن هادف في تصريح لـ “الشّعب” أنّ “الآلة” تحركت لإعادة بناء الاقتصاد الوطني، كما وعد رئيس الجمهورية، وفق تصوّر جديد تم تبنيه منذ عام 2020، الذي يتمثل في إحداث تحول اقتصادي شامل ومستدام، وذلك من خلال إعادة بناء كل المؤسسات التي تدخل ضمن المنظومة الاقتصادية، وفق رؤية جديدة لتنويع الاقتصاد الوطني.
ترتكز هذه الرؤية الجديدة على محورين أساسيين – يوضح هادف - يتعلّق الأول بتعزيز القدرات الإنتاجية في كل القطاعات الاقتصادية والإبتعاد تدريجيا عن هيمنة قطاع المحروقات، أمّا الثاني فهو يتعلّق بتنويع الصادرات وترقية التجارة الخارجية، ويتطلّب بناء مسار جديد من خلال إحقاق نموذج تنموي يسمح لكل القطاعات المساهمة في خلق الثروة، القيمة المضافة ومناصب الشغل.
وقال المتحدث إنّ الحكومة قامت منذ 2020 بإطلاق إصلاحات هيكلية لإعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس جديدة، رافقتها إصلاحات على مستوى المنظومة القانونية كقانون الاستثمار، القانون النقدي والمصرفي، وآخر متعلّق بالمؤسسات الناشئة، والخاص بالمقاول الذاتي، وكذا القانون المتعلّق بالعقار الاقتصادي...وغيرها من النصوص التنظيمية التي وضعت من أجل تجسيد النموذج التنموي الجديد.
ومن منظور الخبير هادف، فإنّ الجزائر قطعت أشواطا كبيرة فيما يتعلّق بالمجال التشريعي، من خلال النصوص القانونية المذكورة آنفا، ولفت إلى أنّ هناك تحديات رفعتها الحكومة لاسترجاع الثقة لدى القطاع الاقتصادي (المؤسسات الاقتصادية وأصحاب الشركات)، كما أكّد أهمية الحوار البنّاء الذي جمع كل المتدخلين في الشأن الاقتصادي.
وذكر الخبير هادف أنّ كل المؤسسات انخرطت وتساهم بصفة فعالة في مسار التحول الاقتصادي، والمرحلة الجديدة التي دخلتها الجزائر، وأضاف أنّ هناك عملا منصّبا على وضع ترسانة قانونية جديدة، من أجل تحقيق هدف سامٍ يتمثل في جعل بلادنا قوة اقتصادية، لتلتحق بالدول الناشئة في آفاق 2030، ويتطلّب تحقيق ذلك مساهمة كبيرة للقطاعات الاقتصادية بأداء عال.
وعلى هذا الأساس، عمل رئيس الجمهورية على بعث الاقتصاد الوطني على أسس المعرفة، يقول الخبير الذي يرى أنّ هناك أهمية كبيرة تعطى لتحقيق هذا الهدف، من خلال تشجيع النظام البيئي للمؤسسات الناشئة، وتسريع تجسيد مسار التحول الرقمي على مستوى الإدارة العمومية وكذا القطاع الاقتصادي، ممّا سيسمح بتحسين أداء الاقتصاد والرفع من القدرات الإنتاجية بأكثر فاعلية ونجاعة.
ولفت محدثنا إلى أن هناك منهجية جديدة تعمل وفقها الحكومة، مبنية على أهداف واضحة، ترمي إلى رفع الناتج الخام المحلي ليصل إلى 400 مليار دولار، والذي سيمكّن الجزائر من القفز إلى المرتبة الأولى على المستوى الإفريقي، ولبلوغ ذلك - يعتقد المتحدث - أنه أصبح من الضروري على القطاعات الاقتصادية التي تعتبر من روافد التنمية كقطاع الفلاحة، الصناعة، وكذا قطاع الاقتصاد الرقمي، والقطاع المنجمي، أن تساهم كلها في تحسين الأداء الاقتصادي الوطني.
وأكّد هادف على أهمية الاقتصاد الصناعي، الذي يجب أن تتجاوز نسبته 10 بالمائة من الناتج الخام المحلي، كما يرى أنّ القطاع الفلاحي ينبغي أن يحقّق 20 بالمائة (15 بالمائة حاليا)، أما الاقتصاد الرقمي، فينتظر أن يكون إسهامه بين 5 إلى 10 بالمائة من هذا الناتج، مشيرا إلى أنّ كل هذه الأداءات ستسمح بإرساء منظومة متكاملة متنوعة وذات بُعد مستدام، وهذا ما يعمل عليه حاليا رئيس الجمهورية، لوضع هذا النموذج التنموي.
وبالنسبة للصادرات خارج المحروقات، قال هادف إنها حقّقت خلال السنوات القليلة الماضية قفزة ببلوغ قيمتها 7 مليار دولار والتي ينتظر أن تبلغ 30 مليار دولار في الأعوام القادمة، حيث لفت الخبير إلى أنّ هناك نشاطا مكثفا على مستوى الدبلوماسية الاقتصادية التي تعمل على إدماج الجزائر في سلاسل القيم الإقليمية والدولية، مشيرا إلى أنها تعمل حاليا على الاندماج في السوق الإفريقية، واستغلال المزايا التي تقدمها اتفاقية التبادل الحر للقارة السّمراء.
ونوّه هادف بالجهود التي تقوم بها الدبلوماسية الوطنية، من أجل مراجعة الاتفاقيات التي تتعامل وفقها الجزائر مع شركائها الأجانب، على غرار اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، واعتبر أنّ كل هذه المحاور ستسمح بتحسين أداء الاقتصاد الجزائري، ولم يغفل هادف الحديث عن الاستثمار الذي يعد من الأولويات، لأنه يعتبر محرّك التنمية الاقتصادية، مثمّنا في هذا الإطار دور الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار التي تعمل وفق مقاربة جديدة استباقية ذات بعد اقتصادي محض.
وأفاد هادف أنّ هناك عملا حكوميا منصّبا على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في المشاريع المهيكلة في المجال الزراعي والمنجمي، وحتى في المجال الصناعي، إضافة إلى الاستمرار في مشاريع إنجاز البنى التحتية، وهذا ما سيسمح - كما يقول - بتحقيق التوازن على المستوى الجهوي للمنظومة الاقتصادية، مشيرا إلى أنّ كل المناطق تعمل على تثمين المقوّمات التي تتوفّر عليها من أجل بلوغ هذا الهدف.