هذه آليات بلوغ 400 مليار دولار ناتج محلي خام نهاية 2026
عهدة الرّئيس تبون الثانية..تحقيق الأمان الاقتصادي
أوضح المدير العام للمدرسة العليا للتجارة، الدكتور إسحاق خرشي، في اتصال مع «الشعب» أن إستراتيجية الإنعاش الاقتصادي تدخل منعرجا محوريا مع بداية العهدة الثانية للرئيس تبون، وقال إنّها ستتميز بالسرعة القصوى والنتائج الميدانية، بعد جملة الإصلاحات الاقتصادية المعمقة التي باشرها رئيس الجمهورية منذ عام 2020، وترجم فعاليتها التحسن الفارق على مستوى جميع القطاعات الاقتصادية، حيث تمكّنت من تجاوز مستوياتها قبل جائحة الكوفيد19، وتحولت الأرقام والمؤشرات الاقتصادية من اللون الأحمر إلى الأخضر. ولعل أبرز هذه المؤشرات - يقول خرشي - الناتج المحلي الخام الذي أصبحت تركز عليه الجزائر كثيرا باعتباره أهم مقياس دال على حجم اقتصاد البلاد من جهة، والمستوى المعيشي للمواطن من خلال نصيبه من الناتج الخام من جهة أخرى. وأضاف أن الاقتصاد الوطني واصل تحسنه في السنوات الخمس سنوات الأخيرة، وتخطى الناتج الداخلي الخام عتبة 200 مليار دولار في سنة 2022 لأول مرة منذ عشر سنوات، حيث بلغ ما قيمته 195 مليار دولار عام 2021 ثم انتقل إلى 225 مليار دولار عام 2022، ليصل في عام 2023 إلى 244 مليار دولار، مع توقعات ببلوغ 266 مليار دولار نهاية العام 2024.
مقوّمات اقتصادية عالية
يرى مدير المدرسة العليا للتجارة، أنّ عهدة الرئيس تبون الثانية ستكون مجالا زمنيا وميدانيا، يعرف الاقتصاد الوطني خلاله نقلة نوعية من الإنعاش إلى الإقلاع، إذ التزم رئيس الجمهورية - خلال الحملة الانتخابية - بتحقيق 400 مليار دولار كقيمة للناتج المحلي الخام نهاية عام 2026، وقال خرشي إن الرقم الذي التزم به الرئيس يعادل ضعف ما هو عليه الآن، ليؤكد أنه رقم يمكن للجزائر تحقيقه بالنظر إلى جملة المقومات التي تمتلكها، وستمكنها من بلوغ هدفها بكل ثقة.وقال خرشي إنّ عددا من التحديات يتطلب مضاعفة الجهود لمواجهتها وتجاوزها، وسيكون ذلك - حسب المتحدث - بالاستثمار في المقومات والايجابيات المسجلة لصالح الاقتصاد الوطني، على رأسها الإرادة السياسية القوية، حيث يرجع خرشي السبب الرئيسي في نمو الناتج المحلي الخام للجزائر من 195 مليار دولار في عام 2021 إلى 266 مليار دولار متوقعة نهاية 2024، إلى الإرادة السياسية القوية، فبعد خطة الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي التي وضعها رئيس الجمهورية، عادت الأنشطة الاقتصادية في عام 2021 إلى مستواها الطبيعي، بعدما خفضت الجائحة من مستويات النشاط الاقتصادي، كما يبرز دور الإرادة السياسية - يواصل خرشي - في إصرار السيد رئيس الجمهورية على ترقية الإنتاج الوطني ودعم المستثمرين، ورفع العراقيل عن المشاريع الاستثمارية ومحاربة البيروقراطية، إضافة إلى جملة القرارات والتوجيهات والتعليمات التي كان يسديها في اجتماعات مجلس الوزراء طيلة الخمس سنوات الماضية.
إجماع على المشروع التّنموي
ومع الإرادة السياسية القوية لرئيس الجمهورية الذي آمن بالإنتاج الوطني، وقدرة المواطن الجزائري على حل أزماته بنفسه، وأن الحل لابد أن يكون جزائريا، لأزمة لن يمكن حلها إلا على يد الجزائريين أنفسهم، لقي المشروع التنموي الذي قدمه الرئيس تبون صدى واسعا لدى المستثمرين ومنظمات أرباب العمل، والتفت حوله النقابات وجمعيات المجتمع المدني، وهي تنظيمات تلعب دورا حاسما في تجنيد القطاعات بغية الارتقاء بالإنتاج الوطني. إلى جانب عامل آخر ضاعف من حظوظ رفع مؤشرات الاقتصاد الوطني، يتمثل في الدبلوماسية الاقتصادية النشطة التي حرص رئيس الجمهورية على تفعيلها وقيادتها شخصيا، وهي الإستراتيجية التي ألقت بثمراتها مباشرة بعد زيارة الرئيس تبون إلى دولة الصين الصديقة، حيث تعمل الصين على استثمار 36 مليار دولار بالجزائر في مشاريع عديدة أهمها المتعلق بخطوط السكة الحديدية، إضافة إلى جملة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي أبرمتها الجزائر مع مختلف الشركاء الاقتصاديين بغية الاستثمار بشكل مشترك بالجزائر، مثل إيطاليا، تركيا وموريتانيا. كما تم تتويج الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية شهر سبتمبر الجاري، بقبول عضوية الجزائر في بنك التنمية الجديد لمجموعة «بريكس»، بعد أن كانت قد ضخّت ما قيمته 1.5 مليار دولار، كمساهمة في ذات البنك.
حصن تنظيمي لبناء منيع
وشدّد خرشي - في السياق - على الترسانة القانونية التي حصّن رئيس الجمهورية بها مشروعه التنموي، ويأتي على رأسها قانون المالية، باعتباره الأداة التي تستخدمها الدولة من أجل تطبيق مشاريعها الاستثمارية والتنموية التي تساهم في رفع معدلات النمو والناتج الداخلي الخام، ولعل أبرز ما تميز به القانون هو الميزانية الضخمة التي تجاوزت 100 مليار دولار عامي 2023 و2024، ويعتبر هذا الحجم الكبير من الإنفاق عنصرا حاسما في تحقيق مسعى الوصول إلى 400 مليار دولار كناتج داخلي خام، إضافة إلى ذلك، نجد قانون الاستثمار الذي يقدم عدة مزايا من حيث الاعفاءات الضريبية والجبائية، تبسيط الإجراءات ورقمنتها، كما أن قانون العقار الصناعي فكّك عقبة العقار، وبعث الثقة لدى المستثمرين ورجال الأعمال.
ومن بين القوانين التحفيزية، ذكر خرشي قانون الشركات الناشئة الذي يقدم الإعفاء والدعم للشباب حاملي الأفكار المبتكرة، إضافة إلى قانون المقاول الذاتي الذي يدمج فئة كبيرة من الشباب في السوق الرسمية بالنظر إلى التحفيزات التي يقدمها.
قطاعات مفتاحية
من جهة أخرى، يرى خرشي أن نقطة قوة التي تدعم التزام رئيس الجمهورية في مسعاه إلى بلوغ 400 مليار دولار كقيمة للناتج المحلي الخام نهاية 2026، قطاعات اقتصادية ذات إمكانات كبيرة ونمو مطرد، أبرزها قطاع الطاقة الذي يمثل رافعة قطاعية لبقية النشاطات الاقتصادية، خاصة مع استمرار شركة سوناطراك في تحقيق الريادة عالميا من حيث عدد الاكتشافات النفطية والغازية، ما يجعل القطاع مساهما رئيسيا في رفع الناتج المحلي الخام، كما أن قطاع الصناعة - يواصل خرشي - يمثل سوقا مستقبلية متميزة بالنظر إلى الفرص التي يقدمها للمستثمرين، بدليل تسجيل الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار 8200 مشروع استثماري بين ديسمبر 2022 وجوان 2024، موزعة على العديد من الفروع الصناعية.
وبالنظر إلى إمكانات النمو الكبيرة التي يمتلكها القطاع الفتي المتعلق بالشركات الناشئة واقتصاد المعرفة، وإلى التحفيزات التي تقدمها الدولة الجزائرية، وطموح ورغبة السواعد الجزائرية في الارتقاء باقتصاد البلاد - يقول خرشي - يجب التعويل على الابتكار ليصبح مساهما بنسب محددة في الناتج المحلي الخام لسنوات 2026،2025،2024.
ولعل أبرز ما تميزت به السنوات الخمس الأخيرة - يؤكد خرشي - عودة المشاريع الاستثمارية المهيكلة، مثل مشروع غارا جبيلات لاستخراج الحديد بتندوف، مشروع خط السكة الحديدية الذي ينطلق من تندوف مرورا ببشار وصولا إلى وهران، مشروع الفوسفات المدمج بتبسة، مشروع منجم الزنك والرصاص ببجاية، تحلية مياه البحر على طول الشريط الساحلي، مشروع «عدل» 3، وغيرها من المشاريع التي تشجع الطلب على المنتجات الجزائرية، وترفع في الناتج الخام، ناهيك عن تخصيص حزم برامج تنموية بميزانيات ضخمة للتكفل بانشغالات المواطن والاستجابة لتطلعاته ما سيساهم بشكل مباشر في زيادة الطلب على المنتجات الجزائرية وإنتاج المؤسسات الوطنية، ويرفع من قيمة الناتج المحلي الخام في المستقبل القريب.
خارطة الطّريق مضبوطة زمنيا
وشدّد محدثنا على أن التسيير الحديث وفكر المانجمنت يفرض ضرورة الانجاز في الوقت المحدد لاعتبارات التكلفة والجهد، وهذا ما تحتاجه كل المشاريع الاستثمارية في الجزائر، فعلى سبيل المثال، إذا كان من المهم تسجيل رقم 8200 مشروع استثماري على مستوى الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار، فإن الأهم أن تدخل هذه الاستثمارات حيز الاستغلال بغية المساهمة في رفع الناتج الخام، كما تحتاج هذه المشاريع إلى كميات كبيرة من المياه لتسييرها، لذلك سيصبح من الضروري تسليم المحطات الخمس الكبرى لتحلية مياه البحر، إضافة إلى إكمال البرامج التنموية.
وقال خرشي إن الجزائر تمتلك قطاعات مفتاحية، وإن كانت تواجه بعض التحديات التي يمكن التغلب عليها، فقطاع الطاقة يحتاج إلى المزيد من الاستثمارات النفطية والغازية لمواجهة الطلب المتزايد داخليا نتيجة زيادة الكثافة السكانية، وخارجيا بالنظر إلى أن الجزائر شريك موثوق فيه، في حين أن قطاع الصناعة يتطلب منح رخص الاستغلال للمشاريع المسجلة، إضافة إلى أن قطاع الشركات الناشئة بحاجة ماسة إلى التمويل من طرف القطاع الخاص. ودعا خرشي على ضرورة التسريع في عملية الرقمنة وتوسيع الوعاء الضريبي والجبائي، لتقليص مساحة السوق الموازية التي تشكل ما قيمته 100 مليار دولار غير خاضعة للضريبة، في حين تمثل السوق الموازية للعملة الصعبة ما قيمته 5 ملايير دولار، لهذا، يتطلب الأمر التسريع في عملية الرقمنة والمزيد من الإجراءات والآليات، لاحتواء السوق الموازية في السوق الرسمية، ما قد يسهم في قفز الناتج الداخلي الخام للجزائر بشكل غير مسبوق.وواصل خرشي قائلا: على الرغم من تخصيص الدولة لمبالغ ضخمة ضمن قوانين المالية لسنتي 2024 و2023 من أجل بعث الاستثمارات العمومية، إلا أن رفع الناتج المحلي الخام للجزائر يتطلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، خاصة في القطاعات ذات إمكانيات النمو الكبيرة. فحسب محدّثنا، فإنّ تحدي بلوغ 400 مليار دولار كناتج داخلي خام، يفرض التحول في الممارسة العملية للانتقال من التسيير الإداري إلى الفكر الاقتصادي، وهذا على مستوى الإدارات المحلية بعدم التركيز على تطبيق البرامج التنموية فقط، بل جلب الاستثمارات، إضافة إلى نظام العمل وفق نظام المناوبة (3x8) على مستوى المؤسسات الاقتصادية، وأخيرا العمل على تغيير الذهنيات من أجل رفع أداء العامل الجزائري خاصة على مستوى المؤسسات الاقتصادية.