بعــد ٤ أشهــر عــن المحليــات بباتنــة

لجـان أحيـاء غائبـة ومنتخبـون شعارهم “ما عندناش صلاحيات”

باتنة: لموشي حمزة

رغم مرور أكثر من 4 أشهر على الانتخابات المحلية الأخيرة وانتخاب مجالس بلدية جديدة، إلاّ أنّ بعض مشاكل المواطن ما تزال مستمرة، ويبدو أنّها لن تجد طريقها إلى الحل على الأقل مادامت عقليات أغلب أميار الجزائر وباتنة خاصة “تنفر” من المواطن الذي “هرولت” إليه قبل الانتخابات تطلب ودّه، وبفضله  يمارس مسؤولو البلديات  اليوم مهامهم .

وأثناء تحضيرنا لملف “علاقة المواطنين بالمنتخبين المحليين”، وقفت جريدة “الشعب” على تناقض “صارخ” بين الخطابات الرنّانة لهؤلاء  خلال الحملة الانتخابية والواقع المختلف بعد تنصيب المجالس وإعلان النتائج ، حيث أكّد لنا أغلب من التقيناهم أنّ الأميار الذين انتخبوهم بالأمس لم يعد لهم أثر باستثناء ظهورهم “المميز” خلال الزيارات الميدانية التي يقوم بها الوالي، وما عدا ذلك فهم غرباء لا يشاهدونهم حتى في أيام الاستقبال الرسمية التي غالبا ما تكون مجرد إعلانات على الورق لا أثر لها في الواقع، بحجج مختلفة كـ “المير راه في اجتماع في الولاية”، “المير غايب” ،«أرجعولوا السمانة الجاية”...، وغيرها كثير.

تعليمات  في مهب الريح

لعل أغلب انشغالات المواطنين التي وقفنا عليها خلال زيارتنا لبعض بلديات الولاية باتنة، هي تلك المتعلقة بالشغل والسكن ونظافة الأحياء والمطالبة بالإنارة الكهربائية والمياه الصالحة للشرب وإصلاح قنوات الصرف الصحي، هي مشاكل فعلا لا تحتاج للشعار الذي بات يرفعه كل أميار الولاية “ما عنديش صلاحيات”، متعذّرين بقانون الولاية والبلدية الجديد الذي سحب البساط منهم ، حيث يقوم هؤلاء  بالاكتفاء بتوجيه المواطنين الغاضبين في أحيان كثيرة بسبب البيروقراطية والتهميش إلى مكاتب رؤساء الدوائر والوالي وبعض مدراء الهيئة التنفيذية ليزرعوا بذلك قنابل موقوتة في مكاتب أولئك المسؤولين، ويتفرغوا لخدمة وقضاء مصالحهم وأغراضهم الشخصية، يقول أحد المواطنين الذين التقينا به ببلدية باتنة، حيث لم يعد أي أثر للتعليمات الكثيرة التي أبرقتها وزارة الداخلية تأمر فيها المسؤولين المحليين بضرورة استقبال المواطنين بشكل يومي إن اقتضى الأمر، إلاّ أنّ عددا من المسؤولين والمنتخبين المحليين لم يغيّروا شيئا من أساليبهم وبرامجهم، حين وجدنا كثيرا من المقرات البلدية مغلقة وأمامها مواطنون ينتظرون لعلهم يحظون باستقبال “الرايس”، في حين ردّ مسؤلو بعض البلديات أنهم خصّصوا يومين لاستقبال المواطنين وعليهم احترام ذلك.
سؤال اختلفت الاجابة عنه بين المواطنين الذين أكّدوا لجريدة “الشعب” أنّ أغلب الأحياء بالمدن الكبرى بباتنة لديها لجان أحياء تنظر في انشغالات قاطنيها وتنقلها للسلطات المحلية، وبين رد بعض منتخبي البلديات الذين اكتفوا بالقول أنّهم يسعون جاهدين للعمل مع كل لجان الأحياء خاصة ما تعلق ببعض المشاكل المطروحة والتي تستطيع البلدية حلها كالنظافة والإنارة الكهربائية وتهيئة بعض الطرق.
والواقع يقول عكس ذلك، فهناك لجان وما أكثرها لا تعرف في أجندتها سوى مجاملة “الرايس” على حساب المواطنين الذين وضعوا فيه ثقتهم، وفي أحسن الأحياء تكتفي تلك اللجان”تحت الضغط” بمراسلات تشكو فيها حال الحي. وهناك منتخبون “يمقتون” تلك اللجان لأنّها “تجيبلهم تكسار الراس”، فتجدهم لا يضيّعون أي فرصة في مهاجمتها بحجة أنّها تطلب ما لا يستطيع المير تنفيذه وانشغالاتها تحل ولائيا وأحيانا مركزيا، فهل يعقل مثلا أن  يطلب مواطنون من مير نزع حفر بحيهم أو تجديد شبكة الصرف الصحي للحي؟ ليرد عليهم المير بأنّ صلاحياته لا تسمح له بذلك ويعدهم بطرح الانشغال على “شاف دايرة” ليتوسّط بدوره لدى “الوالي” لحل مثل هذه الانشغالات البسيطة، وهنا تكمن المشكلة في علاقة المنتخبين بالمواطنين وبالتحديد لجان الأحياء.

سجلات  في سلات المهملات

لا عجب أن تجد يوميا وخاصة في فترات الاستقبال  طوابير طويلة للمواطنين داخل فناء بعض البلديات لمقابلة المير لطرح انشغالاتهم الكثيرة، كما يحدث في بلديات باتنة، عين التوتة، بريكة، مروانة، أريس ونقاوس...، ونادرا ما تتاح الفرصة لكل هؤلاء للقاء
«سيادته”، حيث يكتفي أغلب أميار باتنة بتوجيه المواطنين إلى رؤساء اللجان والنواب في إطار “الهروب” من انشغالات هؤلاء المواطنين، الذين أصبحوا “يفرغوا قلوبهم” في تلك السجلات الموضوعة على طاولة ومكتوب عليها سجل  الملاحظات”، حيث تجد عديد المواطنين ينتقدون في مجمل ملاحظاتهم أداء المجلس البلدي، خاصة ما تعلق بتكفل المير بانشغالاتهم والاستماع إليها، لتبقى بذلك “علاقة المواطن بمنتخبيه” رهينة لمزاج المنتخبين وحبيسة  كلمة “أرجعلي غدوة”...، حتى أن تلك السجلات ترمى في كثير من الأحيان مع فضلات شهادات الميلاد والإقامة العائلية وغيرها، كما نقرأ يوميا في وسائل الاعلام المكتوبة.لا يكاد يمر يوم دون أن تصادف مجموعات من المواطنين   في أوقات مختلفة من اليوم تقترب من ديوان الوالي لطلب مقابلته لطرح انشغالات “في الحقيقة” حلها لدى المجالس البلدية أو بعض الإدارات العمومية، وفي أسوء الأحوال يكفي لقاء رئيس الدائرة أو مدير الولائي لحل ذلك الإنشغال ولكن وبعد أن “استقال” المسؤولون السابقو الذكر عن أداء مهامهم، تجد المواطن “المسكين” الذي هو من المفروض محور عمل كل تلك الإدارات ضائع بين مسؤول وآخر منتخب، ليتوصل في نهاية المطاف وبعد أن يبلغ منه اليأس إلى أن الحل الوحيد هو لقاء الوالي.
وصغرت بذلك أدوار المنتخبين في أعين المواطنين الذين فقدوا الثقة  ولا تقنعهم إلا ملاقاة الوالي شخصيا، يحدث هذا بسبب “تدحرج” ثقافة التسيير والاهتمام بشؤون العامة لدى أغلب رؤساء المجالس البلدية، الذين لا يفقهون حتى في انشغالات مواطنيهم ولا يعرفون حاجياتهم، حسب بعض المواطنين الذين عبّروا لجريدة “الشعب” عن أسفهم من تحول مشاكلهم وانشغالاتهم إلى ذيل ترتيب اهتمامات المسؤولين، ما ساعد ــ يؤكد أحد الأساتذة الذي التقيناه بالقرب من حديقة المسرح الجهوي بباتنة ــ على نماء الشعور لدى المواطن باليأس والغضب،
وأن من يجب أن يشتكي إليه مباشرة هو الوالي بشخصه، قبل أن يلجأ إلى قطع الطرق والاحتجاجات العنيفة لإسماع صوته الذي بحّ وهو يطالب بلقاء المير أو بردم حفرة أو بوضع ممهل، وذلك يقينا منه بأن “المير” أبعد ما يكون مسؤولا عنه في بلديته، للتحول بذلك حجة عدم حيازة الصلاحية إلى شعار يردّد كلما تأكد المير أن المواطن جاد في طرح انشغاله.

 الانتخابات تبعث الروح

تحسّر عديد المواطنين الذين التقيناهم بالقرب من بعض البلديات ينتظرون”فرصة” خروج المير من المكتب “لسرقة” ثواني من وقته الذي أصبح “ثمينا” للحديث معه عن انشغالاتهم، متحسّرين كيف كان حال المنتخبين قبل الانتخابات عندما كانوا يركضون شرقا وغربا لكسب ود المواطنين مؤكدين لهم أن كل مشاكلهم ستحل بالتصويت عليهم وهو ما لم يتحقق ولن يتحقق، إلاّ إذا اقترب موعد الانتخابات المحلية القادمة لأنّها الوحيدة وفقط التي تبعث الروح في الأميار وتحيي علاقاتهم بالمواطنين حسب الحاجة “ن ــ ر«، التي وجدناها بمقر دائرة باتنة “تحلم” بلقاء رئيس الدائرة لطرح مشكلتها المتعلقة بالسكن، وهنا يطرح السؤال التالي لماذا جدّد المواطن الثقة في أميار لا يلتفتون لانشغالاتهم ومشاكلهم؟
ورغم “إلحاح” وزير الداخلية السيد دحو ولد قابلية في كل مناسبة وفي مراسلات عديدة للولاة وباقي المسؤولين على وجوب تشكيل خلايا إصغاء واستقبال دائمة لدى المصالح الإدارية، للاستماع لانشغالات واستقبال شكاوى المواطنين، ودراستها والرد عليها في أقرب الآجال وتبليغ المواطنين المشتكين بالنتيجة المتوصل إليها، إما إيجابيا أم سلبيا، إلا أنه لا حياة لمن تنادي.
إنّ ممارسة الأدوار والمهام المسندة للبلدية بشقيها الخدماتي والإنمائي يتطلب وجود جهاز إداري ذو كفاءة وخبرة، وهو ما تفتقده عديد مجالس ولاية باتنة  لأسباب كثيرة أهمها أن متصدّري القوائم الانتخابية أختيروا لاعتبارات عروشية أو مالية، في الوقت الذي ينتظر المواطن من تلك المجالس العمل بتقنيات وأساليب حديثة في الاتصال وتقديم الخدمات، وقادرة على التخطيط والاستشراف، إضافة إلى ضرورة تمتع المجلس المنتخب بالسلطات والصلاحيات التي تمكنه من التواصل المباشر مع المواطنين، وربط علاقات متينة مع تنظيمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، والتعاون مع البلديات المجاورة لتنفيذ المشاريع وتجاوز العجز المالي وتنمية الاستثمارات المحلية، وجعل شعار “البلدية من الشعب وإلى الشعب” حقيقة تجسّدها الممارسة الميدانية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024