لم تستقر المصالح الفلاحية على تحديد المساحة الفعلية لأراضي اليسرية بالمحيط الفلاحي لوادي الفضة بالنظر إلى أن مصالح مسح الأراضي لم تطأ قدماها هذه الأيقونة الفلاحية بامتياز، غير أنّ وضعية هذه الأراضي التي سقطت بين أنياب الإستغلال الفوضوي وضبابية المشاريع الإستثمارية، وكذا الخسائر الناجمة عن فيضانات طالتها لمدة أزيد من 35 سنة، عجّلت باتخاذ إجراءات عاجلة لتدارك الوضع وفتح ملف للتحقيق قصد ضبط عمليات الإستغلال وإعتماد مشاريع استثمارية، وتوفير مناصب شغل حسب توجيهات الحكومة.
لم يتوان المسؤولون الإداريون أو المنتخبون أو حتى عامة الناس في وصف هذه المنطقة بأراضي 5 آلاف أو 4500 أو ألفي أو 800 هكتار، وهي التسميات التي طالت المنطقة منذ توالي الحكومات المتعاقبة، لكن الأكيد أن هذه الأراضي التي صارت مثالا يضرب به المثل من حيث الفوضى والخسائر التي لحقتها منذ أن اكتسحتها فيضانات واد الشلف بفعل زلزال 10 أكتوبر 1980، والتي أغرقت الناحية في المياه انطلاقا من منطقة الولي الصالح سدي عبد الرحمان إلى غاية بئر الصفصاف والقوابع والزمول بولاية الشلف إلى تخوم أولاد بن سعيد والشرفة والعبابسة بولاية عين الدفلى أصبح من الضروري تناول ملفها بجدية ومسؤولية، لأن وضعية أراضيها التابعة للدولة جعلتها محل أطماع في ظل الاستغلال والتجاوزات غير القانونية والإهمال الذي طالها، الأمر الذي سجل ارتفاع أصوات وأقاويل بخصوص هذه المساحات التي صارت كما يتداوله الشارع محل بيع وبزنسة ومتاجرة بطرق ملتوية واعتداء على ملك الدولة، فيما يرى البعض أن الضجيج كان مجرد لفت نظر الأجهزة المعنية بإعادة إستغلال أراض قيل عنها بأن الدولة خصصت أموالا طائلة لفائدة هذا المحيط. منذ ذلك والملف مطروح، لكن مصالح الدرك فاجأت الجميع وأوقفت هذه التجاوزات والفوضى بقرار ولائي ليتبين الخيط الأبيض من الأسود الذي أمسكت به «الشعب» في هذا التحقيق لكشف الملابسات ووضع اليد على الجرح على رأي ما تردّده المخابر الطبية لتشخيص الداء، وتقديم الوصفة للعلاج النّاجع والفعّال.
«دخان بدون نار» في ملف القضية التي تطرح تفاصيلها «الشعب» من باب الحرص على تفعيل استغلال الأراضي الفلاحية بصفة قانونية في الباب الأول، وتوفير الأمن الغذائي انطلاقا من إعادة الإعتبار للمنتوج الفلاحي الإستراتيجي. يأتي هذا في ظل الإجراءات الأخيرة التي اتّخذتها الحكومة لتفعيل الإستثمار الفلاحي، والدفع بإنتاجه نحو التصدير بعدما ثبت أن تقلبات السوق البترولية وتراجع أسعار هذه المادة لا يمكن أن يعول عليه الإقتصاد الوطني بالدرجة الأولى. هذه النظرة والتوجه نحو عالم الفلاحة أوهم للبعض اللجوء إلى طرق عديدة للحصول أو السطو أو الإستحواذ على مساحات سواء أكانت طرقا شرعية أو غير شرعية!
هذه الإجراءات الاستشرافية والتنوير لعالم الفلاحة لم يهضمها البعض، وكانت أراضي اليسرية محل مختبر لها، معتمدين على الفترات التي مرت بها هذه الأراضي والكيفيات التي كانت تستغل بموجبها.
تحريك الملف وحالة الغليان التي صاحبت المنتجين والمهنيين وغير المهنيين والمنتجين، جاء بعد اتساع رقعة الأخبار المتداولة إما من باب الإشاعات أو الحقيقة الموجودة على الأراضي: «أراضي اليسرية محل بيع ومن له الشكارة فليتقدّم»، كل هذا انتشر بدون إعلانات على واجهات الصحف أو الإدارات وخاصة المديريات المعنية. وقيل فلان وفلان وراء الملف، وهناك من تداول الخبر بإبرام صفقات لشراء قطع بالمليارات. وكان كل هذا حديث الشارع لما تبين البحث عن مصدره، لكن ترك الفجوة أظهرت دخان النار الذي تتبعنا خيوطه لتسليط الضوء على ملف يعرفه رؤساء الحكومات المتعاقبة والوزراء المتداولين على القطاع منذ أكثر من 35 سنة تاريخ الفيضانات التي لم تسلم منها هذه المساحة التي مازال الإختلاف حول عدد هكتاراتها، والتي من المؤكد أنها تعد بالآلاف حسب ما علمناه من الإدارات المتعاقبة على الولاية وتقاريرها الرسمية.
غير أنّ ضبابية الأرقام وتحديد نوعية المستغلين وكذا المستفيدين من عقود الإمتياز، كان من الأجدر توضيحها وإعلانها أمام البلديات المعنية من طرف الديوان الوطني لإحصاء الأراضي الفلاحية المكلفة بتسيير عقود الإمتياز للمستثمرين، والذي نشر في وثيقة سلّمتها للإعلاميّين بمناسبة اليوم التوجيهي للإستثمار الفلاحي المنعقد بتاريخ 31 / 05 / 2016 بدار الثقافة، حيث ذكرت أن عدد المستثمرين أصحاب الإمتياز قد بلغ 5349، تم قبول 4976 عقد، فيما وصل عدد الملفات المرفوضة من طرف أملاك الدولة إلى 57 ملف على مستوى الولاية، حسب ذات الوثيقة.
أما على أرض الواقع فقد فتحت حالة الفيضانات وعزلة هذه الأراضي إلى الإستغلال العشوائي من جهة والقانوني، كون أن بعض من هؤلاء تابعين للمجموعات الفلاحية الجماعية والفردية. للتتوالي عمليات تسييج هذه المساحات بحواجز من الأتربة حتى لا تغمرها مياه واد الشلف التي تراجعت لتكتسح أغلب الأراضي، ولم تتوقف العملية عند هذا الحد بل ازدادت حدة بعدما اتّسعت أخبار تقول بأن الدولة ستوزّع هذه الأراضي دون أن يعرفوا الإجراءات والفئة المعنية، وهذا في غياب توضيحات وإعلانات من طرف المنتخبين أولا ومصالح القطاع ومديريات وهيئات أخرى معنية بالعقار الفلاحي، خاصة عندما يتعلق الأمر بأملاك الدولة التي هي ملك المجموعة الوطنية.
مصالح الدرك تتدخّل لتوقيف كل نشاط فلاحي بأراضي اليسرية
في هذا الغليان والتأويلات، وبين عملية الـتأكيد والنفي وكشف الحقيقة، علمنا أن مصالح الدرك بوادي الفضة قد تلقت إشعارا من طرف السلطات الولائية والجهات المختصة بتوقيف عمليات الحرث والإستغلال الفلاحي لكل من هو على الأرض سواء من القاطنين بواد الفضة أو بلديتي العبادية والعطاف حتى إشعار آخر، حسب ما أكده لنا لزرق برحمة رئيس دائرة وادي الفضة في لقاء معه بمكتبه.
العملية جاءت لتمكين إجراء الدراسة والتحقيق مع الحالات المطروحة بأراضي اليسرية، والإطلاع على الوضعية العامة وتحديد هوية الأشخاص الممارسين للنشاط الفلاحي سواء كانوا حقيقيين أو مزيفين. بعد إنهاء هذه الدراسة الخاصة بذات المحيط، الذي رصدت له الدولة 600 مليار سنتيم بما فيه محيط بلدية حرشون الواقعة بإقليم وادي الفضة والمحدد بـ 5آلاف هكتار، والذي يعد قطبا فلاحيا واستراتيجيا بإمتياز بالنسبة لولاية الشلف، حسب قول ذات المسؤول الذي أوضح أن جزءًا من العملية تخص الإنتاج الفلاحي، أما الجزء الآخر فهو موجه لإنشاء منطقة صناعية تختض بالصناعة الغذائية، معتبرا وجود مستثمر في هذا المجال لإنجاز مصنع لتحويل للطماطم مؤشر إيجابي، في انتظار طلبات أخرى ستكون على مكاتب المصالح المعنية بالإستثمار الفلاحي يشير محدثنا، الذي حدّد المحيط المعني على مساحة ألف و100 هكتار، يقول ذات المسؤول، الذي أوضح في سياق حديثه أنه حان الآوان لوضع حد للفوضى التي سادت هذه الأراضي الخصبة التي ضاع من خيراتها خسائر كبيرة، ناهيك عن استفادة أبناء المنطقة من التشغيل في حالة نجاح المشروع الضخم، وهو ما اعتبره نائب رئيس البلدية عبد القادر شلفي مكسبا هاما إذا تحقق من الناحيتين الإقتصادية والإجتماعية.
توقّع 200 مستثمرة جديدة بذات المحيط
وحسب برامج القطاع ضمن مخطط التنمية المحلية بالولاية، فإن المديرية سطّرت آفاقا لحماية محيط اليسرية بواد الفضة الممتد على مساحة 2000 هكتار، ما يسمح حسب تخميناتها إلى خلق 200 مستثمرة فلاحية جديدة تضاف إلى المستثمرات الفلاحية الجماعية والفردية البالغ عددها 1012، حسب وثيقة الإحصاء الصادرة عن مديرية الديوان الوطني للأراضي الفلاحية. كما سطّرت آفاق أخرى خلال تلك الفترة كعملية إصلاح شبكة السقي المهترئة والمتدهورة لسهل الشلف الأوسط، كما ازدادت نشوة الفلاحين عندما سمعوا من الوالي السابق بأن القطاع يحظى بالأولوية خلال اليوم الخاص بالإستثمارالمحلي، حيث أعطى آنذاك تعليمات لمديري الفلاحة والري بمنح ترخيصات لحفر بئر لمن له 5 هكتارات فما فوق ممّن ندمجوا ضمن الإستثمار الفلاحي.
هذه التّشجيعات وفتح الباب أمام المهتمين بإنشاء مشاريع استثمارية ضمن خطة الحكومة التي أعلنها الوزير الأول في الأشهر السابقة، جعلت بعض المتهافتين على الإندماج في هذه الصحوة المتأخرة بعد سنوات من نداءات المهنيين بالعودة إلى القطاع الفلاحي وتدعيمه وضبط استراتيجيته، وفي وقت البحبوحة البترولية، وهو ما أكده لنا بعض الفلاحين من أولاد فارس وبوقادير وبوزغاية وأولاد بن عبد القادر وحرشون.
هذه الآفاق وإن كانت محصورة في فتح واد الشلف بالنقطة المسماة سيدي عبد الرحمان ضمن قناة عملاقة مكنت من القضاء على ظاهرة الفيضانات التي عمت أراضي اليسرية لفترة أكثر من 35 سنة، فالعملية فعلا قد تحققت وأنشئ جسر فتح الإتصال بين بلديتي وادي الفضة والعبادية بعين الدفلى بالرغم من صغر حجمه بغية خلق تبادر تجاري ونشاط فلاحي، كون المنطقتين فلاحيتين بإمتياز، بالإضافة إلى تجديد وتوسيع شبكة الري نحو بئر الصفصاف.
مصالح الفلاحة لم تستلم بعد المحيط
في ظل التجاذبات التي مسّت الملف، واللعاب الذي أساله العقار الفلاحي بهذه المنطقة الغنية بأراضيها من طرف بعض الفلاحين وغير الفلاحين، الذين كان همهم الحصول على قطع أرضية، إمّا للبزنسة أو إقامة مشاريع استثمارية بمساعدة البعض كما يتداوله الشارع بواد الفضة وبئر الصفصاف ودوائر الإدارات بالولاية، فيما يعتقد البعض الآخر أن هناك من كان وراء تحركات الراغبين في المتجارة بهذه المساحات عن طريق حرمان البعض على حساب البعض الآخر.
هذه الوضعية التي جعلت الملف يوضع على صفيح ساخن، انتهى بقرار تكفل الدرك بتطبيقه ميدانيا من خلال توقيف كل نشاط فلاحي، وهو إجراء حكيم يقول بلعيد محمد المخطار، مدير المصالح الفلاحية بالولاية، الذي أكّد لنا أنّ أراضي اليسرية عرفت عدة فترات في الإستغلال والجمود بين ترخيص واستغلال فوضوي خلال بين فترة الوضع الأمني والفيضانات. هذه الوضعية مكّنت من تدخل الدولة التي خصصت 600 مليار سنتيم لهذا المشروع الهام، حسبه. لكن بالمقابل لم يخف ذات المسؤول الصعوبات التي واجهت القطاع ميدانيا، لأن الأراضي لم تضبط مساحتها، فمنهم من يقول 800 هكتار والبعض الآخر يقول 1300 هكتار، وفئة تراها تجانب 2200 هكتار، فيما يلقّبها آخرون بأراضي 5 آلاف هكتار. وقد أرجع ذات المسؤول هذا الإختلاف في تقدير المساحة أن جزءًا منها لم يمسها المسح العقاري إلى حد الساعة، فيما يمتلك صنف آخر عقودا عقارية وعقود الإمتياز، وهي فئة قليلة، وهو ما يعني أن 200 هكتار تابعة للخواص، حسب محدثنا.ومن هنا جاء قرار الوالي بتجميد الأنشطة الفلاحية بذات الأراضي، وفسح المجال أمام الدراسة وتحديد المساحة وهوية المستفيد سواء بالطريقة القانونية أو الفوضوية، مع المسح العقاري يضيف ذات المسؤول، الذي لن تتحرك المصالح إلا بعد تسلم المحيط من ظرف مديرية الري.
وبخصوص حالة الغليان والأقاويل والإشاعات التي يتناقلها الشارع بواد الفضة والشلف حول عمليات نزع الأراضي من فئة وبيعها لفئة أخرى بطرق ملتوية، حسب ما يتداوله الشارع، نفى المسؤول الأول عن القطاع الفلاحي بالولاية أن هذه الادّعات باطلة ولا أساس لها من الصحة، وإذا حدثت فلا يقال هذا بيع وإنما منح عن طريق الشراكة بالطريق التي يقرّها القانون، لكن الأراضي تبقى على اسم المجموعة الفلاحية أو الفرد حسب الإجراءات القانونية المسيرة للعملية الإستثمارية. لكن بالمقابل يضيف محدثنا أن امكانية نزع الأراضي من تحت يد المجموعات لن يكون إلا إذا كان هؤلاء قد تخلّوا عن خدمتها واستغلالها، شأنها شأن السكنات التي أنجزت فضويا أو بيعت لغير الفلاحين، فإن عملية الهدم ستطالها وحسب الإجراءات القانونية المنظمة للعملية، وعمليات الهدم ستكون طبقا لتعليمات الوالي، يقول ذات المسؤول القطاعي.
ونداءات تسوية ملف أراضي اليسرية صارت مطلب كل من له دراية وإلمام بوضعية هذه الأراضي، فقد أكد لنا لخضر ـ م عضو بالمجلس الشعبي الولائي أنه من مصلحة القطاع الفلاحي تسوية هذا الملف، وانتشاله من حالة الفوضى والضياع الذي عرفه منذ سنوات، لأن خصوبة أراضيها تحتّم علينا استغلال هذه المساحات، وهو ما أكّدنا عليه عدة مرات ضمن دوارات المجلس. وقد سبق للوالي الجديد فوزي بن حسين خلال لقائنا معه أن أكّد أنه يحترم الذين يمارسون نشاطهم بصفة قانونية،ومن الواجب مساعدتهم في مشاريعهم الإستثمارية، انطلاقا من توجهات الوزير الأول الأخيرة الداعية إلى إجبارية تشجيع الإستثمار الفلاحي وخدمة الأراضي، على قول ذات المنتخب.
وإحصاء الخسائر الناجمة عن عدم خدمة هذه الأراضي الخصبة بإمتياز تعد بمئات الملايير، حيث ضاعت ملايين القناطير من القمح الصلب واللين كون معدل مردود انتاج الهكتار الواحد يفوق 60 قنطارا، كما عرفت قبل الفيضانات بإنتاج القطن وعباد الشمس والذرى وأنواع الخضر، لكن ترتب عن هذه الفيضانات اختزان كميات هائلة من المياه الجوفية، حيث تحدث لنا المجاورين لهذه الأراضي أن عمق عملية الحفر لأي بئر لا تتجاوز 3 أمتار على أكثر تقدير، فالثروة المائية الهائلة تسمح بتوفير السقي وممارسة عملية الإنتاج على مدار السنة، وهي فرصة لضمان مناصب شغل دائمة تعد بالمئات، خاصة في بلدية أنهكتها البطالة منذ تراجع النشاط الفلاحي بها، وبالخصوص إنتاج الحمضيات التي كانت مشهورة بالمنطقة، يقول أبناء الناحية، آملين في استغلال أراضي اليسرية في أقرب وقت ممكن تطبيقا لتوجهات الدولة الرامية في إنعاش الإستثمار الفلاحي كبديل لقطاع المحروقات.
العقــــــــــار الفــــــلاحي يسيـــــل لعــــاب المضـــــاربين والسمـــــاســــرة بــــــواد الفضـة
السّلـطـــــات المحــــــــــلــيـة تقــــــــــرّر وقــــف أي نشــــــــاط على «أراضـي اليســـــــريـة»
إستطلاع: و ــ ي ــ أعرايبي
شوهد:627 مرة