لعبت الأسواق في الجزائر دوراً حيوياً على مر التاريخ وعامل ترابط مع دول الجوار، حيث كانت المناطق الحدودية خاصة بالجنوب مراكز تجارية وملتقى للقوافل التي تشق عباب الصحراء، فاحتضنت تندوف سوق المقار السنوي الذي كان يجمع دول الساحل، كما احتضنت العديد من المناطق الأخرى أسواقاً مماثلة أسّست نظاما اقتصادياً فريداً في إفريقيا مبنياً على المقايضة تارةً، وعلى التجارة البينية تارةً أخرى.
وامتد هذا الإرث الاقتصادي الى يومنا هذا، لينتج لنا الأسواق الأسبوعية التي تشكّل نظاماً تجارياً واجتماعياً متجذّراً في الثقافة المحلية والوطنية، حيث تعدُّ هذه المناسبات التجارية ركيزة أساسية في تلبية الكثير من احتياجات الطبقات المتوسّطة، وعنصراً مهماً في المنظومة التجارية والاقتصادية والاجتماعية ببلادنا.
وتلعب الأسواق الأسبوعية المنتشرة عبر مختلف ولايات الوطن، دوراً حيوياً في تحقيق التوازنات الاقتصادية على المستوى المحلي، إذ أنها تعمل على توفير متطلبات السكان خاصة في المناطق الريفية والبعيدة عن مراكز التموين، كنوع من السوق الموازية الحميدة التي تأتي بالنفع على المواطنين دون إلحاق أضرار كبيرة بالاقتصاد الوطني.
يذهب بعض المحللين الاقتصاديين إلى اعتبار الأسواق الأسبوعية في الجزائر “بارومتر” الحياة الاقتصادية، كونها قادرة على توضيح المستوى المعيشي للمواطنين ومدى توفّر السلع، ما يعزّز من قوة ونجاعة المخطّطات الاقتصادية التي تضعها الدولة مستقبلاً.
وبالرغم من انتشارها في أغلب ولايات الوطن، تظل الأسواق الأسبوعية غير مستغلّة بالقدر الكافي، ما يؤدي الى ضياع فرص عمل ومداخيل معتبرة بسبب جملة من الاختلالات المسجلة في تسيير هذه الفضاءات والتي من شأنها الإضرار بالجهود المبذولة في سبيل جعلها قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني.
ومع هذا الوضع الذي أثّر بشكل كبير على عوائد البلديات، بدأت السلطات المحلية في بعض الولايات في إعادة الاعتبار لأسواقها الأسبوعية وتوجيه اهتمام التجار الى هذه المنشآت التي باتت تأخذ حيزاً أكبر في حياة المواطنين.
إلى جانب ذلك، تم فتح باب الاستثمار على مصراعيه أمام الخواص لإنشاء أسواق أسبوعية تغطي العجز الحاصل في بعض المناطق، وهو المسعى الذي انتهجته ولاية تندوف مؤخراً بافتتاحها لسوق “بوابة الساحل” في إطار الاستثمار الخاص بحي الستينية الذي يضم أزيد من 10 آلاف وحدة سكنية ريفية.
أهمية الأسواق الأسبوعية في الجزائر لا تقتصر على كونها فضاءات لممارسة التجارة التقليدية فحسب، بل تمتد لتشكّل نقاط ارتكاز للكثير من البلديات الفقيرة، وفرصة لخلق مناخ استثماري يدر مداخيل معتبرة لهذه البلديات.
والكثير من ولايات الوطن بدأت في رسم خارطة طريق جديدة لإنعاش أسواقها المحلية، من خلال توجيه دفة المستثمرين ورجال الأعمال نحو إنشاء فضاءات لاستقطاب الباعة والمواطنين، وهو ما من شأنه تخفيف الضغط على البلديات وتحقيق حركية اقتصادية تنتعش من خلالها العديد من المناطق النائية.
تظل الأسواق الأسبوعية في الجزائر جزءاً حيوياً في الخارطة الاقتصادية للبلاد، غير أن دورها الحيوي يبقى مرهوناً بمدى حضورها وانتشارها في مختلف البلديات على قدم المساواة، ففي الوقت الذي شهدت فيه هذه الفضاءات تطوراً ملحوظاً في العديد من المناطق، لا تزال في مناطق أخرى تترنّح تحت وطأة المضاربين والكثير من العراقيل الإدارية.