تتجه ولاية بومرداس نحو توسيع المساحات المسقية كخيار استراتيجي للرفع من القدرات الإنتاجية لمختلف الشعب الفلاحية الرئيسية التي تميّز الولاية، من بينها شعبة الحبوب والبقول الجافة التي بدأت تستعيد مكانتها كنشاط رئيسي، وهذا من خلال اعتماد التقنيات الحديثة والبحث عن موارد ريّ بديلة وتثمين المياه المعالجة تماشيا مع التغيّرات المناخية وشحّ الأمطار والتقليل من استنزاف المياه الجوفية..
بدأت المساحات المسقية بولاية بومرداس تتوسّع من موسم فلاحي إلى آخر استجابة لحجم التحدّيات المناخية وتذبذب تساقط الأمطار في السنوات الأخيرة التي أدّت إلى تراجع كميات المياه السطحية المخزّنة على مستوى السدود الثلاثة الرئيسية بالولاية والحواجز التي بادر إليها الكثير من الفلاحين من أجل الحفاظ على منتجاتهم ومواصلة نشاطهم ومواجهة تحدّيات ترقية الإنتاج والرفع من مردودية مختلف المنتجات التي تميّز الولاية كعنب المائدة، الحمضيات، الخضر والفواكه وغيرها، وأيضا تماشيا مع توجّهات الحكومة وتوقّعات الوزارة الوصية برفع المساحة المسقية إلى حدود 3 ملايين هكتار، مطلع سنة 2028، مثلما أكّد عليه وزير الفلاحة يوسف شرفة مؤخرا.
فبعدما ظلّت المساحة المسقية شبه ثابتة في حدود 26 ألف هكتار من أصل حوالي 63 ألف هكتار مساحة صالحة للزراعة بولاية بومرداس، أثمرت المجهودات التي تقوم بها المصالح الفلاحية بالتنسيق مع مختلف الهيئات المحلية في مجال توفير الدعم الفلاحي والمرافقة في ارتفاع تدريجي لهذه المساحة في السنوات الأخيرة خصوصا خلال سنة 2024، حيث قاربت 35 ألف هكتار حسب الإحصائيات الرسمية، وهذا بفضل التسهيلات المقدّمة للفلاحين والمستثمرين للحصول على رخص لحفر آبار ارتوازية في عدّة بلديات بالولاية لتشجيعهم على مواصلة النشاط والحفاظ على هذا المورد الاقتصادي الهام.
وبهدف حماية المياه الجوفية من الاستنزاف وتنويع موارد السقي الفلاحي التي أملتها الظروف المناخية المتقلبة وتماشيا مع مخطّط عمل الحكومة للاهتمام أكثر بالقطاع الفلاحي كقطاع إستراتيجي لترقية الإنتاج الوطني وتحقيق الأمن الغذائي، خصوصا في مجال الزراعات الاستراتيجية، تتجه ولاية بومرداس نحو اعتماد مصادر أخرى في السقي الفلاحي عن طريق الاستغلال العقلاني والأمثل لمحطات معالجة المياه المستعملة المتواجدة في كلّ من بلدية الثنية بطاقة إنتاج تقدّر بـ 10 آلاف متر مكعب يوميا، محطة زموري 6 آلاف متر مكعب ومحطة فواعيص بطاقة 20 ألف متر مكعب في انتظار تجسيد محطة بودواو البحري التي رفع عنها التجميد مؤخرا، إضافة إلى أربعة مشاريع جديدة مقترحة للإنجاز في كلّ من الأربعطاش، أولاد هداج، لقاطة وبن شود بهدف رفع نسبة الاستغلال ومضاعفتها باستغلال هذه المياه المعالجة في مجال السقي الزراعي.
مع الإشارة أنّ ولاية بومرداس كانت السبّاقة في تجربة السقي الزراعي من محطة التطهير ومعالجة المياه التي بادر أحد المستثمرين ببلدية قورصو سنة 2003 بربط مستثمرته الفلاحية، انطلاقا من محطة “فواعيص” في محاولة لاعتماد هذه التقنية في تطوير وعصرنة بعض الأنشطة الأساسية التي رخص لها المشرع الجزائري، منها المرسوم التنفيذي رقم 07/ 149 المحدّد لخصائص المياه وقائمة المزروعات المسموح بها كشعبة الحمضيات والأشجار المثمرة.
إلى جانب مساحات عنب المائدة، وأيضا القرار الوزاري المشترك لسنة 2012 الذي يحدّد طبيعة المياه المستعملة المصفاة المستعملة لأغراض السقي، حيث ينتظر أن تتوسّع القائمة إلى زراعات أخرى منها الخضروات مع دخول التقنيات الجديدة في معالجة المياه المستعملة بعد تسليم المحطات المقترحة، وبالتالي ارتفاع نسبة الاعتماد على هذا المصدر الهام الذي لا يتجاوز حاليا 15 بالمائة حسب مصادر مديرية الموارد المائية.