مــــــــصـــــــنـــــــع لإنـــــــتـــــــاج الـــــــســـــــكـــــــر مـــــــن الـــــــشــــــمـــــــنـــــــدر في الأفــــــــــق
تعتبر الزراعات الصناعية أحد الركائز الأساسية التي يعوّل عليها لتحقيق رهان الأمن الغذائي وتقليص فاتورة الاستيراد، ولعلّ توجّه الدولة اليوم للاهتمام أكثر بالفلاحة الصحراوية، يؤكّد مدى جدّيتها في المضيّ قدما لبلوغ هذا الهدف، وهو ما عزّزته النتائج الميدانية لتطوير الزراعات الصناعية عبر عدّة ولايات من بينها ولاية ورقلة.
تتجه ورقلة، اليوم في القطاع الفلاحي، نحو تعزيز قدراتها الإنتاجية في مجال الزراعات الإستراتيجية الصناعية، كما تسعى إلى تحقيق اندماج أكبر عدد من المستثمرين في هذه البرامج ذات البعد الاستراتيجي.
وأكّدت من جانبها مديرية المصالح الفلاحية في هذا الشأن على اندماج المستثمرات الفلاحية في هذه البرامج، حيث فاق تعداد المستثمرات التي اندمجت 21 مستثمرة، ونالت هذه المستثمرات فرصتها في المرافقة من طرف الدولة، كإيصال الكهرباء، وتوفير المياه عن طريق ترخيص لحفر الآبار وتوسيع المساحات الصالحة للزراعة الإستراتيجية.
وفي سياق تطوير الزراعات الصناعية محليا بورقلة، يجري العمل لإطلاق مشروع لإنتاج السكر المستخلص من الشمندر السكري، في إطار مشروع متكامل صناعي زراعي، يهدف لتوفير هذه المادة الأولية وتصنيعها في المنطقة الصناعية بحاسي بن عبد الله، التي تعدّ مكسبا مهمّا وإضافة نوعية، بالنسبة لمثل هكذا مشاريع متكاملة، وتعطي بعدا جديدا للأهمية الاقتصادية للمنطقة، بالإضافة إلى مختلف النشاطات الصناعية.
وبهذا الصدد، أكّد رئيس الغرفة الفلاحية لولاية ورقلة موسى حماني في حديث لـ«الشعب” أنّ ولاية ورقلة تشهد ثورة فلاحية، بما رصدته الدولة من أغلفة مالية ومن توصيات حتى تجعل منها قطبا فلاحيا، خاصّة فيما تعلّق بالمحاصيل الاستراتيجية.
وكشف المتحدّث عن تسجيل اهتمام من الشركات الوطنية بالاستثمار الفلاحي بولاية ورقلة، حيث توجّهت بعضها إلى الاستثمار في الفلاحة وتحصّلت على مساحات من الأراضي الفلاحية من أجل تخصصيها للزراعات الصناعية، منها الذرة الحبية ودوار الشمس والسلجم الزيتي والشمندر السكري.
كما ذكر أنّ هناك متعاملا وطنيا تحصّل مؤخرا على ما يقارب 10 آلاف هكتار موجّهة لتصنيع السكر، موضّحا أنّه ونظرا لحاجة الزراعات الصناعية إلى مصانع تحويلية تكون بالقرب من المستثمرات، تحصّلت الشركة على قطعة أرض في المنطقة الصناعية حاسي بن عبد الله من أجل تشييد مصنع تكرير السكر.
ويتعلّق الأمر بمصنع السكر الذي سيتمّ إنجازه من طرف مجمع مدار، حيث يهدف هذا المشروع إلى إنتاج السكر المستخلص من الشمندر، ومن المتوقّع أن يسهم هذا المشروع في خلق أكثر من 6 آلاف فرصة عمل مباشرة، بالإضافة إلى مئات الوظائف الموسمية وغير الموسمية حسب المعلومات المتداولة.
وبالإضافة إلى هذا المشروع، هناك مؤسّسات أخرى قدّمت برامج لإطلاق مصانع تحويلية أيضا، وبهذا الصدد، أكّد رئيس الغرفة الفلاحية أنّ الحديث عن إنشاء مصانع تحويلية يعني الحديث عن مسارات المادة المحوّلة.
يتطلّب الأمر كما ذكر، تهيئة كلّ الظروف من أجل إنجاح الاستثمار الفلاحي في الصناعات التحويلية، مضيفا أنّ الدولة أعطت أهمية قصوى لهذا المجال، حيث أصبح دعم إنجاز مصانع التحويل يقدّر بـ 90 في المائة من كلفة هذا الاستثمار والتي تمنح للمستثمر الذي ينجز مصنعا لتحويل الزراعات الصناعية، سواء تعلّق الأمر بإنتاج الزيوت النباتية أو السكر أو غيرها من المواد الغذائية التحويلية التي تعتمد على الزراعات الصناعية.
وبالنظر إلى الخطوات الإيجابية المحقّقة، فإنّ ذلك يعدّ تأكيدا على أنّ الدولة حريصة على جعل ولاية ورقلة قطبا فلاحيا بامتياز في زراعة الحبوب وزراعة الأعلاف وكذا في الصناعات الغذائية التحويلية، وبهذه الوتيرة ستكون ولاية ورقلة رقما مهمّا في معادلة الاكتفاء الذاتي وطنيّا، سواء في إنتاج الحبوب أو في الزراعات الصناعية، بدء بالمساهمة في توفير المنتوج الزراعي إلى غاية تصنيع المادة الغذائية من زيت المائدة أو السكر أو الأعلاف، كما أكّد رئيس الغرفة الفلاحية موسى حماني.
وتشير النتائج المحقّقة في إنتاج الشمندر السكري ودوار الشمس والحبوب بأنواعها إلى أنّ آفاق تطوير الزراعات الصناعية بولاية ورقلة واعدة من حيث قدرات الإنتاج المحقّق والمردود الجيّد، فضلا عن الفرص المشجّعة للاستثمار الفلاحي عبر هذه الولاية التي تتوفّر على مقوّمات طبيعية هامّة من شأنها المساهمة في الدفع بحركية الصناعات التحويلية الغذائية وتحقيق اكتفاء في مختلف المواد الاستهلاكية.
وقد عرفت المساحات المخصّصة لهذه الزراعات توسّعا من سنة إلى أخرى بالولاية، وذلك بفضل التدابير التي اتخذتها الدولة، خاصّة فيما يتعلّق بالمرافقة التقنية للفلاحين، بالإضافة إلى تسهيل الإجراءات بغية تطوير النشاط الفلاحي على مستوى هذه الولاية الصحراوية التي تتوفّر على موارد مائية هامّة ومساحات شاسعة قابلة للاستصلاح.
وتتجه إستراتيجية الاستثمار الفلاحي أكثر فأكثر نحو تحديد الوجهة الإنتاجية وتعدّ هذه خطوة مهمّة جدّا، حيث كانت الأراضي في السابق مخصّصة لزراعة الحبوب بمختلف أنواعها، أما في الوقت الحالي فإنّ هناك توجيها للمساحات المخصّصة لزراعات صناعية معيّنة.
زيادة على ما قدّمه المستثمرون الذين تحصّلوا على أراضي في المحفظة الأولى أو الثانية أو الثالثة الموزّعة عن طريق الديوان الوطني للأراضي الصحراوية، وبالتالي فإنّه وفي غضون الثلاث السنوات القادمة، ستبدأ بوادر هذا النشاط في الظهور وستنعكس نتائج هذه الإستراتيجية فعليا على الاقتصاد المحلي والوطني، حيث سيساهم ذلك في جعل الولاية تحقّق رقما في معادلة الاستهلاك الوطني، حسبما أكّده رئيس الغرفة الفلاحية.
وخصّصت ولاية ورقلة، خلال الموسم الفلاحي 2024-2025، مساحة 775 هكتار لزراعة دوار الشمس و590 هكتار لزراعة الذرة الحبية، حيث انطلقت عملية زراعة هذه المحاصيل الاستراتيجية، شهر أوت الماضي، من مستثمرات فلاحية في منطقة قاسي الطويل بدائرة حاسي مسعود.
وهي مساحة تمّت مضاعفتها بالمقارنة مع السنة الماضية وستعمل المصالح الفلاحية رفقة كافة المتعاملين لرفع التحدّي خلال السنة القادمة، وفعليا حقّقت بعض المستثمرات التي انطلقت في التجربة عبر الولاية، خلال الموسم الفلاحي المنصرم، معدل مردود متوسط، وكانت نوعية الزيوت المستخلصة من بين أجود الأنواع.
من جانبها، ترافق السلطات المحلية العملية، عبر المعاينات الدورية للاطّلاع على الإمكانات المتوفرة والمتاحة والقدرات المرصودة والمساحات المخصّصة، خاصّة ما تعلّق بحفر الآبار وإيصال الكهرباء.
كما يجري في السياق العمل على الاستماع لكافة الانشغالات من طرف المتعاملين الاقتصاديين عموميين وخواص من أجل التكفل بها، إما محليا أو رفعها إلى الجهات المركزية المعنية، خاصّة أنّ هذه العمليات تندرج في إطار مواكبة البرنامج الاستراتيجي للدولة الخاصّ بضمان تلبية كلّ الطلبات من هذه المواد الأساسية.
الــــتــــمــــور وتجــــربـــة الـــصـــنـــاعــــــات الـــتـــحـــويـــلـــيـــــــــــــــــة الـــغـــذائـــيـــــــــــــــة
في ولاية ورقلة المعروفة بإنتاج التمور التي تعدّ أحد الشعب الفلاحية الاستراتيجية، يسجّل أيضا نشاط مكثّف في الصناعة التحويلية الغذائية لهذا المنتج، الذي يعدّ موروثا ثقافيا وطابعا فلاحيا خاصّا بالمناطق الصحراوية بشكل عام.
وعرفت الولاية تجارب عدّة في توضيب التمور ومشتقاتها، حيث أنّ هناك العديد من المستثمرين الخواص الذين انطلقوا منذ سنوات في إنتاج وتصنيع المواد المستخلصة من التمور على غرار سكر التمر وعسل ودبس التمر وغيرها.
وتعدّ هذه الثروة من الشعب الفلاحية الهامّة التي تحظى هي الأخرى باهتمام كبير، وهو ما شجّع الكثير من المستثمرين على دخول مجال توضيب التمور وصناعة مختلف المواد ذات الصلة بمجال الصناعة الغذائية والصيدلانية، مثل عسل التمر وسكر المائدة والمربّى والخلّ والكحول وأعلاف الماشية وغيرها.
آفـــــــــاق تــــنـــمــــيـــــــــة الـــــفـــــلاحـــــة بـــــالــــــولايـــــــــــــــــــــــــــة
من جانب آخر، تبرز العديد من الأهداف المسطّرة لتطوير القطاع الفلاحي بولاية ورقلة، خلال الموسم الفلاحي الجديد 2024 2025، حيث سيجري العمل على تطوير الزراعة تحت البيوت البلاستيكية وبرنامج تخزين المنتوجات، وكذا تطوير زراعة الحمضيات.
بالإضافة إلى العناية بالمستثمرات الفلاحية وتعزيز تقنيات السقي المقتصدة للماء والمكافحة البيولوجية وتحديث تقنيات التربية الحيوانية، تطوير قدرات الإنتاج الحيواني اللحوم بأنواعها، الحليب والعسل وغيرها، وفقا لما حدّدته المصالح الفلاحية في برنامجها المسطّر والمعلن عنه خلال المعرض المنظّم بمناسبة اليوم الوطني للإرشاد الفلاحي.
ووضعت أيضا في برنامجها توسيع المساحة المسقية في الولاية، من خلال توزيع المساحات الجديدة والمسترجعة والرفع من المردودية للقنطار الواحد في الشعب الاستراتيجية حسب الأولوية، التمور، الحبوب، الأعلاف الزراعات الزيتية والتحويلية، الخضروات منها البطاطا والثوم، اللّحوم الحمراء واللّحوم البيضاء والزيتون.
وأكّدت ذات المصالح على أهمية التركيز على تطوير نظام السقي باستعمال الأنظمة المقتصدة للمياه وإنشاء مساحات زراعية لتطوير شعبة الإبل والمحافظة على الواحات وتطوير المنتوجات الواحاتية والتأكيد على خلق مناصب شغل، من خلال مختلف المشاريع المسجّلة محليا، والعمل أيضا على تطوير شعبة الحليب بالولاية وإنشاء محيطات جديدة في المناطق الحدودية دائرة البرمة الحدودية، التي تشكّل هي الأخرى وجهة فلاحية مهمّة لتعزيز قدرات وإمكانات الولاية المستقبلية في الإنتاج الفلاحي والصناعات التحويلية الغذائية.
أما فيما تعلّق بربط المستثمرات بالكهرباء الفلاحية، فقد حقّقت العملية التي تندرج في إطار برنامج رئيس الجمهورية نقلة مهمّة، ساهمت في الدفع بالنشاط الفلاحي وتطويره في الميدان والتخفيف من تحدّيات المستثمرين والفلاحين في المناطق الصحراوية المعروفة بقساوة المناخ.
وفي هذا الشأن، يجري العمل على تنفيذ 7 عمليات للربط بالكهرباء الفلاحية وهي في طور الإنجاز من أصل 143 ملف، منها 134 ملفات تمّت دراستها و9 قيد الدراسة، وقد جرى فعليا تنفيذ 120 عملية تم الانتهاء منها منذ مباشرة تنفيذ هذا البرنامج.