حلقة أخرى من مسلسل الاقلاع الاقتصادي المنشود

الطرقات والمنشآت اللوجستيـة.. كلمة سـرّ التنميـة المستدامـة

علي عويش

أماطت السلطات العليا في السنوات الأخيرة اللثام عن مشاريع استراتيجية تهدف إلى فكّ العزلة عن المناطق النائية وربط المدن بعضها ببعض، عبر شبكة طُرقية خُصّصت لها مبالغ مالية معتبرة. هذه المشاريع النوعية، شملت إنجاز وإعادة الاعتبار للطرقات عبر كامل التراب الوطني بعد أن طالها التجميد لسنوات، مدفوعة برؤية استشرافية لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الذي أولى عناية خاصة للشبكة الطُرقية في البلاد باعتبارها ركيزة أساسية لنجاح الإقلاع الاقتصادي المنشود.

يكتسي الاقلاع الاقتصادي الذي نظّر له ووضع أسسه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون أهمية بالغة لدى السلطات العليا، حيث احتل حيزاً هاماً من الرؤية الاقتصادية لرئيس الجمهورية، من خلال توجيه المشاريع الإنمائية ومشاريع البنية التحتية لتلائم هذا النهج الاقتصادي الجديد.
وقد حُظيت مشاريع الطرقات في الجزائر باهتمام بالغ من طرف السلطات العليا بالبلاد، من منطلق أهميتها في تعزيز التنمية الاقتصادية وتسريع معدل النمو في العديد من المناطق المعزولة، إلى جانب ذلك، تبرز أهمية هذه المشاريع كضرورة ومُحفّز للحدّ من تكاليف الاستثمار والخفض من تضخّم أسعار السلع خاصة في ولايات الجنوب الكبير.
لم تتوقّف جهود الدولة عند هذا الحدّ، بل سارعت إلى تدعيم الطرقات المُنشأة حديثاً ببنى تحتية تعزّز من كفاءتها وتُطيل من عمرها الافتراضي، عبر توزيع مراكز الصيانة التابعة لمديريات الأشغال العمومية بكل ولايات الوطن عبر كافة الطرقات، وتوفير الطاقم البشري والمعدات اللازمة لإجراء عمليات الصيانة في حينها
من جهة أخرى، عكفت السلطات المحلية عبر التراب الوطني إلى إعادة ضبط خارطة توزيع محطات خدمات نفطال بما يتلاءم ورغبات مرتادي الطرقات الوطنية والولائية، وتدعيم هذه المحطات بمراكز لراحة المسافرين ومراكز متقدمة للحماية المدنية.
هذا الاهتمام البالغ بالطرقات والبنى التحتية واللوجستية التابعة لها عبر المستوى الوطني، لا يمكن اعتباره إلا أداة أخرى من أدوات تقليص الهوة والفوارق الاجتماعية بين مختلف مناطق الوطن، وهو التزام آخر قطعه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في حملته الانتخابية، حيث التزم بتوزيع التنمية بالتساوي على كل المناطق، فعُبِّدَت الطرقات وشُيّدت الجسور وامتدت خطوط السكك الحديدية لتلامس جبال تمنراست في الجنوب الشرقي، وأودية غار الجبيلات في أقصى الجنوب الغربي على مرمى حجر من الحدود الموريتانية.
واليوم، وقد حقّقت الجزائر مؤشرات خضراء على جميع الأصعدة، اقتصادياً، تجارياً اجتماعياً وديبلوماسياً، لم يعُد في ذهن عاقل بقيةٌ من شكّ بأن الرؤية الاقتصادية التي جاء بها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون تشكّل الحلقة الأخيرة من عقد القضية، وبأن الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها التنموية بسواعد أبنائها، معزّزةً قوتها الاقتصادية بشبكة طُرقية ولوجستية قوية.

مخطط ولائي لصيانة كل طرق الولاية

شهدت مدينة تندوف مطلع العام الجاري انطلاق مخطّط ولائي ضخم يهدف إلى تهيئة العديد من الشوارع وإعادة الاعتبار لها بعد تدهور حالة الطرقات نتيجة أشغال الربط بمختلف الشبكات، وتخلّف مؤسسات الانجاز عن إعادة الشوارع لحالتها الأصلية.
وتضمّن المخطّط 09 عمليات تخصُّ صيانة طرقات الولاية، من بينها صيانة الطريق الوطني رقم 50 على مسافة 14 كلم بغلاف مالي قدره 199 مليون دينار، إلى جانب تعبيد بالخرسانة الزفتية للطريق الوطني رقم 50 على مسافة 05 كلم بغلاف مالي قدره 94.8 مليون دينار.
واشتمل المخطّط كذلك على عملية أخرى سيتمّ من خلالها تعبيد بالخرسانة الزفتية للطريق الوطني رقم 50 على مسافة 11.5 كلم بغلاف 175.7 مليون دينار، وصيانة طريق بلدي بقرية حاسي خبي على مسافة 10 كلم، وآخر على مسافة 05 كلم بغلاف قارب 52 مليون دينار.
وستشمل عمليات الصيانة وإعادة الاعتبار لطرقات الولاية، صيانة 05 كلم من طريق بلدي استعداداً لترقيته إلى طريق وطني، وهو الذي سيُربط مستقبلاً بطريق تندوف الزويرات الموريتانية.

”متمسّكون بتحقيق أهداف التنمية والتكامل القاري”

أعرب رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، قبل أشهر، عن تمسّك الجزائر بتحقيق أهداف التنمية والتكامل القاري، وتأتي خطوة رئيس الجمهورية في إطار العمل على تعزيز التكامل الاقتصادي جنوب-جنوب وتقوية الروابط الاقتصادية بين الجزائر وجوارها الافريقي، في إطار رؤية استراتيجية أكبر تندرج في إطار المساعي الرامية الى عودة الجزائر الى عُمقها الافريقي، اقتصادياً، تجارياً وثقافياً.
وقد ارتكزت رؤية رئيس الجمهورية في هذا المجال على تحسين البنية التحتية خاصة ما تعلّق منها بالطرقات، بالإضافة لدعوته إلى إشراك الصناديق الوطنية والقارية في تمويل وتطوير الشبكة الطُرقية وتعزيز قدرة الشركات الوطنية على المنافسة.
يُشكّل الطريق الرابط بين تندوف والزويرات الموريتانية على مسافة 730 كلم والتي تموّله الجزائر، والطريق السيّار الرابط بين الجزائر ولاغوس العابر للنيجر، والذي تموّله الجزائر هو الآخر في إطار مبادرة نيباد للتنمية بإفريقيا، من بين المشاريع الهامة التي ستنقل المناطق المتاخمة لهاتين الطريقين من واقعها الحالي الهشّ إلى مناطق جاذبة للاستثمار، كما ستعمل هذه الطرقات حال الانتهاء من إنجازها، على كبح جماح المهرّبين والقضاء على الجريمة المنظمة العابرة للحدود، بالإضافة إلى إسهام هذه المشاريع في تنمية المناطق الحدودية في كل من الجزائر، موريتانيا والنيجر.
إلى جانب ذلك، تسعى الجزائر من خلال مدّ جسور التنمية إلى دول الساحل والصحراء وإنجاز طرقات ستشكّل مستقبلاً شريان حياة المناطق المتاخمة لها، إلى إحداث طفرة تنموية بالمناطق التي تشهد انفلاتاً أمنياً وانتشاراً لبؤر الإجرام، وهي المقاربة التي لطالما دعا إليها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون ليقينه التام بأن “التنمية المستدامة” هي كلمة السر لاستقرار هذه المناطق.
وفي ذات السياق، كُلّلت زيارة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون ونظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى ولاية تندوف مطلع العام الجاري، بوضع حجر الأساس للانطلاق في إنجاز طريق تندوف الزويرات وهي خطوة أخرى تؤكد نيّة البلدين على تطوير العلاقات البينية بينها، ولبنة أخرى تُضاف إلى مسار تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين الجارين بعد عقود من غلق الحدود.

نماءٌ يتخطى حدود الوطن

يُعدُّ طريق تندوف-الزويرات التي انطلقت أشغال إنجازه من المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد عند النقطة الكيلومترية 75 جنوب مدينة تندوف باتجاه مدينة الزويرات الموريتانية على مسافة 730 كلم، مشروعاً استراتيجياً للدولة الجزائرية، ويحمل هذا المشروع أبعاداً اجتماعية، اقتصادية، تجارية، ثقافية وأمنية لكلا البلدين الجارين.
أشغال الانجاز التي انطلقت بالفعل بُعَيد الزيارة التاريخية لرئيسَي البلدين إلى ولاية تندوف شهر فيفري المنصرم، أوكلت لمجمّع مؤسسات عمومية تترأسهم شركة كوسيدار، وهو مشروع ينقسم إلى جزئين، يبلغ طول أولهما 320 كلم ستنتهي به الأشغال في غضون 30 شهراً، في حين ستنتهي الأشغال بكامل المشروع في آجال تعاقدية تبلغ 40 شهراً.
تُشكّل طريق تندوف الزويرات تجسيداً حقيقياً لرؤية رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الرامية إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الافريقية، حيث سيصبح بمقدور الجزائر الوصول إلى الواجهة الشرقية للمحيط الأطلسي وتقليص مدة وصول السلع الجزائرية إلى الموانئ الموريتانية إلى 12 ساعة بدل 06 أيام عن طريق النقل البحري.
وفي المقابل، سيتمكّن التجّار الموريتانيون من خلال هذه الطريق من الوصول إلى الواجهة البحرية للمتوسط واستغلال الموانئ والمنشآت القاعدية الجزائرية للوصول بمنتجاتهم إلى أسواق أوروبا وباقي حوض المتوسط، وهي عملية حسابية بسيطة مبنية على معادلة رابح-رابح التي تعتمدها السلطات الجزائرية في كل تعاملاتها الاقتصادية.
طريق تندوف ـالزويرات الذي كان حلماً يراود سكان مدينتي تندوف والزويرات الموريتانية لعقود من الزمن، أصبح حقيقة ماثلة للعيان بفضل الرؤية الاقتصادية التي جاء بها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، والقاضية بتنمية المناطق الحدودية للبلدين الشقيقين ومدّ جسور التواصل مع العمق الافريقي.
هذا المشروع الذي يُعد أكبر مشروع إنشائي للجزائر خارج حدودها منذ الاستقلال، أوكلت مهمة إنجازه لمجمّع شركات وطنية كبرى برئاسة شركة كوسيدار، شرعت في إنجاز الطريق الرابط بين المعبر الحدودي البري مصطفى بن بولعيد ومدينة الزويرات الموريتانية على مسافة تقدر  بـ730 كلم.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19792

العدد 19792

الإثنين 09 جوان 2025
العدد 19791

العدد 19791

الخميس 05 جوان 2025
العدد 19790

العدد 19790

الأربعاء 04 جوان 2025
العدد 19789

العدد 19789

الثلاثاء 03 جوان 2025