بإجماع مسؤولين كانوا، مختصين أو مواطنين، فإنّ ولاية بجاية هي من أكثر ولايات الوطن ثراء من حيث الإمكانيات الصناعية والبشرية، ومن أكثرها غنى بالمواد الطبيعية والمنجميّة، التي من شأنها تبوّأ مكانة مرموقة في سلم النمو الاقتصادي، وأن تجعل منها رائدة في التنمية المحلية على المستوى الوطني، غير أنّ تعطل إنجاز بعض المشاريع المهمة فيها أوقف قطار التنمية، وزحزح بالولاية إلى مصاف المناطق المتخلفة التي تنتظر حقن الانعاش، فالمنطقة في أمسّ الحاجة إلى تحقيق جميع المشاريع المعطلة، وتهيئة كلّ البنى التحتية المهترئة، فإحياء المشاريع المتوقفة سيؤدي بالتأكيد إلى تنمية الاقتصاد المحلي للولاية التي تعدّ من أغنى مناطق الوطن وأجملها.
لذلك فالتنمية بالمنطقة تتطلب التضحية، وهي إشارة إلى الذين يعارضون المشاريع الكبرى كان مقررا أن تنطلق قبل نهاية السنة الحالية، وأنّ حظر المشاريع ذات الصلة بالمصلحة العامة لا يعود بالنفع بتاتا على التنمية في المنطقة، فعلى المواطنين أن يقدّموا قليلا من التضحية إن أرادوا فعلا الخير والتنمية والرقي للمنطقة، كما أنّ بعض التنازلات من بعض المواطنين لا تساوي الكثير مقارنة بالنفع الذي سيعود على الولاية، كما هو الشأن بمشروع محوّل الطريق السيار شرق ــ غرب، فحسب المعلومات التي بحوزتنا فإنّ مكتب الدراسات للشركة الكورية الجنوبية التي ستتولى أشغال الإنجاز، قد انتهى أخيرا من المسح الكلي للمنطقة والأراضي التي سيمر عليها المشروع، الذي قال عنه والي بجاية بأنّه مشروع ضخم لدرجة أنّه سوف يؤثر كثيرا على تخطيط الأراضي وغيرها من الممتلكات الخاصة بالمنطقة.
ولهذا فقد حذّر الوالي أصحاب هذه الأراضي من مغبّة معارضة المشروع، كما أكّد أنّه سيتمّ تعويض جميع الأشخاص المتضررين وفقا للقانون، فحسب المسؤول الأول عن بجاية فإنّ منع بدء المشروع لن يعود بالنفع على التنمية في المنطقة، فالمشروع المعني سيمكّن من ربط مدينة بجاية بالطريق السيار شرق ــ غرب على مستوى مشدالة بولاية البويرة، والذي سيعبر قرى سيدي عيش وأقبو. فتحقيق هذا المشروع سيساهم بلا شك في فك الازدحام على المدينة ومينائها، لأنه سوف يخفف من عبء حركة المرور على الطرق الوطنية رقم 09، 12 و26 التي أصبحت مختنقة للغاية، فالمنطقة في حاجة ماسة لتحقيق هذا المشروع الضخم الذي سيؤدي بالتأكيد إلى إنعاش الاقتصاد المحلي، الذي تعطل كثيرا جراء العواقب التي تجاوزها الزمن، فتدهور البنى التحتية للطرق الأساسية تسبّبت بشكل ملحوظ في شلل نشاط العديد من القطاعات الهامة بالولاية، بما في ذلك ميناء بجاية الذي بات مهددا بفقدان مركزه الحالي كثاني أنشط ميناء على الصعيد الوطني.
فمحوّل الطريق السيار سوف يساعد في التنمية الاقتصادية للمنطقة الصناعية المتواجدة، خاصة على مشارف حوض الصومام، أين تتمركز العديد من الشركات الكبرى الرائدة وطنيا وحتى دوليا منها، مؤسستا “دانون” و«صومام” المختصتان في صناعة منتجات الحليب والألبان، ومؤسسة “ إفري” المنتجة للمياه المعدنية والمشروبات، كذا مؤسسة التغليف العامة. وليس غياب البنى التحتية فقط هو ما يعيق التنمية في بجاية، فاعتراض بعض المشاريع من قبل المواطنين الذين يرفضون في كثير من المرّات استغلال العديد من المواقع والمناجم، خاصة وأنّ هذه الولاية غنية جدا بالمحاجر غير مستغلة، التي من شأنها أن تكون مصدرا للثروة، كما بإمكانها خلق العديد من فرص العمل الدائمة لشباب المنطقة الذين أرهقتهم البطالة، وتؤكد أنّ الكثير من هذه المحاجر المعرقلة كانت قادرة على دعم شركات البناء بالمواد الأساسية، وتزويد المشاريع الضخمة المتوقفة بالمواد الخام لاستكمالها، غير أنّ الاعتراض من طرف المواطنين، أدّى إلى تأخير مشاريع التنمية، فهم يرفضون استغلال هذه المحاجر بداعي التأثيرات السلبية على صحة المواطنين والبيئة، فمعظم مشاريع الأشغال العمومية الكبيرة، والهيدروليكية والسكن في الولاية معطلة أو أنّها تسير بوتيرة بطيئة جدا، فالمواقع التي تزوّد الولاية أضحت غير قادرة على استيعاب الطلب المتزايد عليها، مثلما هو الشأن بإنتاج الرمال بكل أنواعها، الحجر الجيري، الاسمنت، الجير، أين يتم استخراجها من مواقع مختلفة، فالخزف من محجر رميلة بسيدي عيش، الجبس من بوجليل، حجر الرمل الناعم من تاوريرت إغيل، الحديد من منجم برباشة، وغيرها من المواقع التي بدأت تعاني من نقص شديد بالمادة الخام، وأخرى توقفت مؤقتا عن الإنتاج بفعل استنزافها.
ولهذا لا بد من البحث على مصادر تموين أخرى بهذه المواد الأساسية، خاصة وأنّ باطن أرض الولاية غني جدا بالمواد الأولية والمعدنية، والتي يمكن استغلالها لتكون الممول الرئيسي لجميع المشاريع التنموية، فبالرغم من عشرات التراخيص التي منحنها مديرية الطاقة والمناجم للخواص، قصد استغلال المحاجر والمناجم العديدة المنتشرة عبر تراب الولاية، خاصة تلك المتعلقة بإنتاج مواد البناء كالحجر الجيري، الخزف، إلاّ أنها كلّ مرة تلقى رفض من طرف المواطنين وجمعيات حماية البيئة والمحيط، بدعوى أنّها ستؤثر سلبا على الصحة والسلامة العامة للسكان والبيئة، كما هو الحال بالنسبة لمصنع الإسمنت الذي كان من المفروض تشييده بمرتفعات بلدية توجة عام 2000، والذي كان سيقضي نهائيا على أزمة الإسمنت التي يعاني منها جل ولايات الوطن، وتسبّب في تعطل العديد من مشاريع السكن، غير أن المشروع تمّ وأده في مهده بسبب احتجاجات السكان، بحجة أنّ المصنع سيؤدي إلى القضاء على البيئة الطبيعية لمنطقة أغريون وحوض الصومام. ولكن السؤال الذي يطرحه الصناعيون والمستثمرون الاقتصاديون هو: إلى متى ستواصل السلطات المحلية والإدارية في الإصغاء دائما لصوت المواطنين المعارضين للمشاريع المؤثرة حسبهم على البيئة، دون الأخذ بعين الاعتبار الأضرار والخسائر المادية التي قد تسببها مثل هذه القرارات الغير مدروسة عليهم؟ حيث يؤكد هؤلاء المستثمرون أنّه حان الوقت أن تتحرك الإدارة والمصالح المسؤولة، من أجل التماس تدابير صارمة بشأن القضايا المتصلة بالبيئة وأمن المحيط، من خلال التركيز على تطوير التقنيات التي من شأنها التقليل من خطر هذه المشاريع الكبرى التي قد تؤثر على البيئة.
فحسب الاحصائيات الرسمية، فإنّ الولاية لا تتوفر سوى على عشرة من منتجي المواد الأولية، وهي كلها شركات مملوكة للدولة في المقام الأول، مع إجمالي الإنتاج السنوي يقترب 600 ألف متر مكعب، معدل تضمنه أربع شركات للجبس بمعدل انتاج 9620 متر مكعب في السنة، وأربعة أخرى منتجة للخزف بمعدل إنتاج 210ألف طن في سنة. فالإنتاج كما هو واضح هو بعيد جدا عن احتياجات السوق المحلية، لهذا فإنّ التنمية ببجاية هي مسؤولية الجميع، خاصة عندما تكون مُصمّمة بشكل صحيح، ومُنسّقة بالطرق التي يمكن لها أن تكون مصدرا للتقدم في أحسن الظروف، خاصة وأنّ الولاية بحاجة ماسة للعديد من مشاريع التنمية، والطريقة الوحيدة التي بمقدورها إخراج المنطقة من دائرة التخلف والركود هو إيجاد حل توافقي بين رغبة الإدارة والمواطنين على وجه التحديد.