انصبت كل المجهودات المبذولة من قبل القائمين على قطاع التكوين المهني بولاية بومرداس تقريبا على المناطق الحضرية المحاطة بشبكة من الوحدات الصناعية ومناطق النشاطات مع استغلال الديناميكية التنموية التي حملتها عدد من المشاريع القطاعية كالسكن والأشغال العمومية حيث تتوفر فرص الشغل، في حين بقيت مناطق الظل بالبلديات النائية بعيدة عن الأضواء تقريبا، حيث لا تزال أغلب التجمعات السكنية محرومة من مراكز مهيكلة ما عدا بعض الملاحق التي لا توفر كل ما يحتاجه الشباب والمرأة الماكثة بالبيت، وتكتفي بشهادات لا تقي مستقبلا من شر البطالة.
من مجموع حوالي 35 مؤسسة تكوينية ما بين مركز ومعهد وطني تشملها خريطة التكوين بولاية بومرداس، لم تحظ مناطق الظل وعددها كبير بما فيها النسبة الأكبر من البلديات الـ 32 المصنفة ريفية وشبه ريفية سوى بـ 12 ملحقة بعضها لا تضمن سوى المهن التقليدية الكلاسيكية كالخياطة والطرز وبعض المهن الأخرى المرتبطة بالحلويات التقليدية التي تجذب عادة المرأة الماكثة بالبيت والعائلات المعدومة التي لا تملك خيارا اقتصاديا إلا الاسترزاق من أنامل أيادهن، مقابل غياب المهن المستقطبة للشباب من أجل استغلال الخصوصية الاقتصادية لكل منطقة والحفاظ على بعض الأنشطة المهددة بالاندثار عن طريق التكوين المتخصص والمرافقة من قبل أجهزة الدعم المحلية خاصة وكالة تسيير القرض المصغر «أونجام» التي لم تظهر فعاليتها في الميدان منذ إنشائها قبل سنوات.
وقد كشفت المعطيات الميدانية بولاية بومرداس، أن وكالات الدعم الثلاثة وأهمها «اونساج» لم تقدم حاليا نماذج ناجحة للمؤسسات الناشئة بمناطق الظل، وأغلبها متمركزة بالحواضن الاقتصادية المتمركزة بالمدن ماعدا بعض الحالات القليلة التي جسدها شباب طموح في نشاط إنتاج الزيتون ومعاصر الزيت، في حين فشلت الكثير من التجارب الأخرى المرتبطة أساسا بتربية أبقار الحليب بسبب مشاكل التمويل وغلاء الأعلاف وغيرها، إلى جانب الكثير من المؤسسات الشبانية المتخصصة في جمع وتوزيع الحليب التي علقت نشاطها بسبب الدواعي الاقتصادية وصعوبة الاستثمار في قطاع متقلب.
ورغم العلاقة الوطيدة ما بين قطاع التكوين ووكالات التشغيل المحلية بما فيها أجهزة الدعم والتمويل التي سمحت بظهور شبكة مؤسسات جديدة على الخارطة الاقتصادية بولاية بومرداس لمستثمرين شباب أغلبهم من خريجي مراكز التكوين المهني وحاملي الشهادات الجامعية، إلا أن نقص التركيز على المناطق الريفية ومشكل التكامل في هذا المجال، قد ضيع الكثير من الأنشطة والمهن التقليدية المتوارثة آبا عن جد كالصناعة الجلدية والأحذية ببلدية بني عمران، صناعة السلل والمظلات بمواد أولية مستخرجة من مادة «الدوم»، إلى جانب الفخار وباقي المهن الأخرى المتمركزة كلها بالقرى الريفية، التي وللأسف لم تجد حاضنة اقتصادية داخل إطار المؤسسات الشبانية الناشئة التي كان من الواجب احتضانها ومرافقتها حتى تقف على أرجلها بالخصوص أيام البحبوحة المالية التي عمدت فيها هذه الوكالات توزيع قروض وصلت الى 950 مليون سنتيم على مشاريع هشة غير مستدامة كالخدمات ونقل المسافرين لم تعد بصمتها الاقتصادية موجودة حاليا بولاية بومرداس.
وعليه فإنّ هذه التجربة غير المبرّرة التي سقطت فيها وكالات وأجهزة الدعم المحلية، يجب أن يستفيد منها قطاع التكوين المهني بالتركيز على القدرات والموارد المحلية كمادة أولية غير مستغلة، وأغلبها تتواجد بمناطق الظل من خلال توسيع فرص التكوين الحقيقي لتحقيق يد عاملة مؤهلة تساهم في الحفاظ على الموروث الاقتصادي التقليدي المهدد بالزوال وتأطير الشباب البطال، والكف عن ترديد أسطوانة القدرات الفلاحية والسياحية التي تزخر بها الولاية في لغة مدير التكوين المهني التي لم نجد لها أثرا بين المؤسسات الاقتصادية الناجحة كتحصيل حاصل على ضعف البنية الأساسية لهذين النشاطين.