يوفر احتياجات 43 مليون جزائري رغم الأزمة

«الجيش الأخضر».. معارك يومية لتأمين الغذاء

زهراء.ب

يخوض 2.6 مليون فلاح يمثلون ربع اليد العاملة الأنشطة في الجزائر، أو ما اصطلح على تسميته في فترة الجائحة «الجيش الأخضر»، معارك يومية في الميدان لتأمين غذاء 43 مليون جزائري، ورغم تداعيات أزمة تفشي الوباء، التي باتت تهدد دولا بـ»فيروس الجوع» بعدما أنهكت اقتصادياتها، استطاع «جنود الغذاء» ضمان الاكتفاء الذاتي من الخضر والفواكه بما فيها منتجات كان يتوهم بعدم القدرة على إنتاجها محليا وظلت تدخل عن طريق الموانئ لعدة سنوات.

تركز التقارير الإعلامية كثيرا على آثار تفشي فيروس كورونا المستجد، صحيا، وتهمل التبعات الأخرى المرتبطة باستمرار حياة الفرد، المتعلقة أساسا بتوفير حصته من الغذاء لمجابهة الأمراض والأوبئة والموت الناتج عن المجاعة، وقد باتت حياة الآلاف بسببها مهددة في بقاع المعمورة.
وتحدثت تقارير دولية عن تهديدات كبيرة مرتبطة بتداعيات الجائحة العالمية، قالت ستؤدي إلى تفاقم»فيروس الجوع» في العالم، آخرها تقرير منظمة أوكسفام (اتحاد دولي لمنظمات خيرية تسعى لتخفيف حدة الفقر بالعالم) الذي حذر من هلاك 12 ألف شخص يوميا بنهاية 2020 بسبب الجوع الناتج عن تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد.
وتوقع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ارتفاع عدد الأشخاص الواقعين ضمن دائرة الجوع عام 2020 بنسبة 82% مقارنة بالعام الماضي، الذي سجل 270 مليون فرد ضمن دائرة الجوع فقط، وهو مؤشر خطير جدا يفوق خطورة فيروس كورونا.
ولن تكون كورونا أو الصراعات والنزاعات المسلحة السبب الوحيد للجوع ونقص التغذية، أيضا الكوارث الطبيعية وتغيير المناخ كالجفاف وتراجع تساقط الأمطار تدرج ضمن أسباب هذه الظاهرة.
وفي الجزائر تفطنت الحكومة مبكرا لخطر التأثيرات المناخية على تناقص المياه، وأوعزت للقطاعات المختصة ضبط إستراتيجية دقيقة لضمان تزويد المواطنين بمياه الشرب، وتغطية حاجيات الفلاحين، خاصة وأن المؤشرات تؤكد كلها على نقص مخزون المياه في الجزائر بسبب تراجع معدل التساقطات المطرية في السنوات الأخيرة.
ومعروف أن الفلاحة تستهلك حجما كبيرا من المياه، من أجل تحصيل مردود وفير، يكفي لسد حاجيات جميع الأفراد، ومن أجل ذلك حشد هذا المورد الهام صار أكثر من ضرورة، خاصة وأن المخاطر متعددة مع عدم بروز أي مؤشرات مطمئنة بقرب القضاء على الوباء، من بينها استمرار إفلاس المؤسسات الاقتصادية المنتجة وتسريح آلاف العمال، وتعطيل سلاسل الإمدادات للقطاع الزراعي بسبب غلق المطارات والموانئ، وما ترتب عن ذلك من تقويض القدرة الشرائية للمستهلكين، فقد فقد الكثير مناصب عملهم ونشاطاتهم خاصة التجارية بشكل مؤقت بعد تعليقها من طرف السلطات تطبيقا لإجراءات الحجر الجزئي أو الكلي، ويشير الخبراء إلى امتداد آثار ذلك إلى سنوات مقبلة قبل التعافي التام من الجائحة وآثارها الخطيرة.
وركزت الحكومة على تقوية الإنتاج الفلاحي، لتلبية الطلب الداخلي، ومجابهة شح المداخيل الناتج عن تراجع أسعار المحروقات، وإحداث التوازن في النفقات بشكل لا يضر احتياطات الصرف، ويبقي موارد كافية لتغطية مصاريف السنوات المقبلة.
وإن حاولت بعض الأطراف الصيد في المياه العكرة، حينما عملت على نشر الإشاعات في بداية ظهور الوباء، ودفعت بالمواطنين إلى التزاحم بالمحلات والمطاحن لتأمين حاجياتهم من مادة «السميد» و»الزيت» و»العجائن» أكثر المواد استهلاكا، ليظهر أن المشكل ليس مرتبطا بندرة أو نقص المنتوج الزراعي، بل بسوء توزيع، ومحاولات يائسة من مجموعات تريد استهداف استقرار الوطن عن طريق بث الخوف بقصة «البطون الجائعة».
ووقف الفلاحون كسد منيع في جبهة الدفاع ضد فيروس كورونا العدو غير المرئي، الذي تجاوز الحدود والأوطان، وخلف خسائر فادحة في الأرواح، وضدّ من يحاولون التلاعب بقوت الجزائريين، وعملوا كرجل واحد في المزارع والحقول من أجل تأمين الغذاء، وضمان استمرار آلة الإنتاج حتى لا يتأثر السوق الاستهلاكي بتداعيات الوباء السلبية.
ياسين شاوي، فلاح ورث المهنة عن والده، رغم أنه لم يتحصل على عقد امتياز الأرض التي سلمت له منذ عهد الثورة الزراعة 117 هكتار ظل يقتطع منها منذ 1974 إلى أن وصلت اليوم 30 هكتارا تضم 1000 شجرة مثمرة دون بئر للري، قال « الفلاح هو الجيش الأخضر
في جائحة كورونا وكان هو المثابر ...ويعرف الجميع أن الفلاح يمثل الطبقة الكادحة في هذا المجتمع ومع ذلك يتعرض للدسائس والضغوطات» ولكن إصراره على خدمة الأرض جعله يستمر في الإنتاج رغم الظروف الصعبة العالمية والداخلية.
أما الفلاح أحمد مالك فرد على سؤال «الشعب ويكاند» بأن سر نجاح «جنود الغذاء» هو عدم انشغالهم بأي شيء يقع خارج حقولهم، والتركيز على الإنتاج فقط.
ولم تثن إجراءات منع التنقل في بداية تفشي الأزمة الصحية، هؤلاء عن إبقاء دورة الإنتاج، رغم أنها أثرت على البعض منهم، لاسيما العاملين في مناطق خارج إقامتهم، لكن تفطن السلطات لهذا المشكل وإعادة النظر في تسهيل تنقلات الفلاحين والمربين والنحالين، حال دون تعقيد ظروف عملهم أكثر يقول بن سليمان أحمد.
وكما اصطف الأطباء «الجيش الأبيض» في المستشفيات في الصفوف الأولى، شارك الفلاحون في الجهود الوطنية لمكافحة تفشي الوباء، سواء بشراكة مع منظمات، هيئات، مؤسسات وطنية عمومية وخاصة، لتعقيم مباني إدارية وشوارع وساحات عمومية، في المدن الكبرى وفي القرى والمداشر بجميع مناطق البلاد دون استثناء، كما وضعوا تحت تصرف جمعيات محلية ووطنية معدات الإنتاج الفلاحي لاستعمالها في عمليات التعقيم، كالصهاريج والجرارات، والشاحنات، وكذلك بعض المواد المستعملة في التطهير.


نتائج مشجعة ولكن ..


جهود «الجيش الأخضر» انعكست في قيمة الإنتاج الإجمالية لقطاع الفلاحة بلغت أكثر من 25 مليار دولار، وكانت محل إشادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أمام ندوة الوطنية للإنعاش الاقتصادي والإجتماعي وقال «لأول مرة منذ الاستقلال الفلاحة تتفوق على المحروقات في المداخيل حيث تجاوزت 25 مليار دولار».
وتظهر عدة أرقام أهمية القطاع الزراعي في اقتصاد البلاد، حيث بلغت مساهمته 12,5 في المائة من الناتج المحلي الخام في 2019، مع تشغيل 2,6 مليون عامل بصفة دائمة، وهو ما يمثل ربع اليد العاملة النشطة في البلاد، كما بلغت نسبة نمو القطاع 4 في المائة، بقيمة إنتاج إجمالية تقدر بأكثر من 25 مليار دولار.
ومكّنت الجهود الكبيرة التي بذلها الفلاحون والموالون خلال جائحة «كورونا» من ضمان الاحتياجات الوطنية من الغذاء دون تسجيل أي نقص أو اختلال.
وكان للإنجازات الكبرى التي تحققت في المجال الفلاحي والريفي صدى واسع في المجتمع ليس فقط في مجال توفير احتياجات المواطنين من الغذاء بل تعداه إلى تحقيق مكتسبات في جانب التنمية الريفية من خلال مشاريع مختلفة حسب تصريح وزير القطاع.
ولكن لضمان الأمن الغذائي بات لزاما على الجزائر العمل على رفع إنتاج شعبتي الحبوب والحليب المواد الأكثر استهلاكا من طرف المواطنين والمكلفة بالنسبة للخزينة العمومية، خاصة وأنها تحوز على إمكانيات كبيرة في هذا المجال يمكن أن تحقق بها طفرة نوعية وكمية في الإنتاج، وإنهاء بذلك الارتباط بالأسواق الدولية التي جعلت منها مفرغة للبذور الرديئة أو المنتوج المسموم مثلما حدث مؤخرا بحمولة باخرة الحبوب المستوردة من ليتوانيا.
وتكون البداية بتحرير وتسوية عقود الامتياز، ومنحها لمن يخدم الأرض وليس لمن يحتكرها، وعلاج الإدارة من سرطان البيروقراطية وتغيير ذهنيات العاملين فيها، لأنهم في خدمة الدولة والفلاح وليس العكس.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024