تتواصل عملية جني منتوج عنب المائدة بولاية بومرداس بوتيرة متسارعة هذه الأيام، خوفا من التقلبات الجوية وتساقط الأمطار وحبات البرد التي تأتي سنويا على مساحات واسعة، حيث دخلت مرحلة الذروة مع بداية إنتاج نوعية «صابال» الرئيسية، التي تهيمن على نسبة 52 بالمائة من المساحة الزراعية المخصصة للشعبة، في وقت تستمر فيه معاناة الفلاحين مع مشكل التسويق وغياب كلي للمؤسسات الغذائية التحويلية لامتصاص فائض المنتوج.
دخلت مرحلة جني منتوج عنب المائدة بولاية بومرداس مرحلة ثانية، تعتبر حاسمة في إستغلال عقلاني للمحصول بعد انتهاء المرحلة الأولى، التي انطلقت نهاية شهر جوان وبداية جويلية بجني النوعية المبكرة المعروفة محليا باسم «كاردينال»، التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الاهتمام والمساحة المزروعة بنسبة 19 بالمائة، حسب تقارير مديرية المصالح الفلاحية لبومرداس، لكنه ذو مردودية متوسطة مقارنة مع النوعية الأولى، في انتظار دخول باقي الأصناف الأخرى المتأخرة لكنها ليست بنفس الانتشار والاهتمام من قبل الفلاحين، الذين يركزون أكثر على المردودية العالية لنوعية صابال.
من أبرز هذه الأصناف الأخرى منتوج «داتي» المستغل على مساحة 6 بالمائة ثم نوعية «موسكا» الشهيرة بأنواعها المحلية والمستوردة التي تعتبر من أقدم أنواع الإنتاج محليا، وتعود إلى العهد الكولونيالي وأخرى معروفة باسم «موسكا طاليان» تمت زراعتها مع بداية الثورة الاشتراكية، لكنها اندثرت تقريبا بسبب ضعف المردودية ومقاومتها الضعيفة للأمراض والبيكتيريا التي تصيب الكروم، وأخيرا نوعية «فكتوريا» الجديدة من حيث الإستغلال الى جانب نوعية «راد قلوب» التي بدأت تتوسع في السنوات الأخيرة على حساب باقي الأنواع الأخرى، وهي ذات جودة عالية وإنتاج وفير أيضا، حسب خبرة المنتجين.
وعلى الرغم من أهمية الشعبة التي تهيمن على أكبر نسبة من المساحة الفلاحية الصالحة للزراعة بولاية بومرداس المقدرة بـ 63 ألف هكتار، وبقدرة إنتاج ينتظر أن تصل سقف 3 ملايين قنطار هذا الموسم حسب تقديرات المختصين، أي بنسبة تصل إلى 45 بالمائة من الإنتاج الوطني، إلا أن واقع النشاط في الميدان ومشاكل المنتجين نفسها منذ سنوات.
ويبقى هاجس تسويق المنتوج من العقبات الرئيسية التي يعاني منها الفلاحون، بالخصوص الذين يفتقدون وسائل التسويق ونقل المنتوج الى الأسواق المجاورة وحتى البعيدة كسوقي سطيف وشلغوم العيد من أجل تجنب أزمة تكدس السلع في الأسواق القريبة كخميس الخشنة وبوقرة، وإبتزاز السماسرة من أصحاب المربعات الذين يستغلون جني المحصول سريع التلف لشرائه بأسعار بخسة لا تتعدى أحيانا 20 دينار للكلغ، وفق ما كشف عنه لـ «الشعب» عدد من الناشطين في القطاع.
معرض عنب المائدة لم يقدّم الإضافة
لم تظهر لحد الآن أي بوادر لتنظيم معرض عنب المائدة، الذي دأبت على تنظيمه سنويا مصالح مديرية الفلاحة بالتنسيق مع الغرفة وجمعية الناشطين في الشعبة بسبب تداعيات جائحة كورونا، على الرغم من الانتقادات الشديدة التي واجهتها التظاهرة من قبل المنتجين الحقيقيين في الميدان، الذين استثمروا في القطاع وقاموا باستصلاح أراضي واسعة لتوسيع المساحة المغروسة مع عصرنة نظام السقي المدعم للمحصول بسبب تحول الموعد الى لقاء عابر وشكلي لعرض أنواع المنتوج من قبل نفس الوجوه من العارضين كل سنة، دون تقديم إضافة حقيقية للشعبة من حيث المقترحات والحلول المستدامة لمواجهة العراقيل التقنية والمادية التي تعاني منها، وكذا الآفاق المستقبلية للشعبة.
كما لقيت التظاهرة أيضا انتقادات أخرى نتيجة تقزيمها في المواسم الأخيرة، وتحويلها إلى فضاء مغلق بالمركب الرياضي أو قاعة العرض لدار البيئة بعدما كانت تقدم في الفضاء المفتوح ببلدية سيدي داود التي تعتبر رائدة ونموذجية في هذه الشعبة، مع اقتراحها لاحتضان المعرض سنويا من اجل تشجيع حضور الفلاحين والمنتجين للاحتكاك، وطرح مختلف الانشغالات المهنية وأيضا لتشجيعهم على المزيد من العمل والاهتمام بتطوير الإنتاج وترقيته.
مشكل آخر لا يزال يؤرق المنتجين، وهو غياب الوحدات الانتاجية المتخصصة في الصناعة التحويلية لاستغلال الفائض من الإنتاج خاصة النوعية المتوسطة لصناعة المشروبات ونشاط التعليب، حيث يبقى الأول متوقفا على تطور مجال الاستثمار في إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالولاية المتخصصة في الصناعة الغذائية التي بدأت في التوسع على الرغم من استمرار أزمة العقار الصناعي.
ملفات لإنشاء حوالي 508 مؤسسة
في هذا الصدد، كشفت مصادر من مديرية الصناعة بالولاية «عن استقبال ملفات لإنشاء حوالي 508 مؤسسة خلال السداسي الأول من السنة تضاف الى مجموع 485 مؤسسة موجودة»، لكن أغلبها على الورق أو لم تصل بعد إلى مرحلة الاستغلال والنشاط الفعلي في الميدان، في انتظار ماذا ستسفر عنه توجيهات لقاء الحكومة والولاة مؤخرا، الداعي إلى «ضرورة تشجيع الاستثمار المحلي والاهتمام بالحاضنات للمساعدة في إنشاء مؤسسات مصغرة من قبل الشباب والطلبة بالخصوص في مجال التكنولوجيا والرقمنة، الخدمات والصناعات الخفيفة أبرزها الصناعة الغذائية والتحويلية لتشجيع الفلاحين في مختلف الشعب الإنتاجية».