ما يزال مدراء مداوامات المرشحين الستة بباتنة يبحثون عن أصوات الناخبين أو على الأقل عن مواطنين يزورون قاعات مداوماتهم أو يحضرون للتجمعات الشعبية الخاصة بالترويج لبرامج المرشحين. يحدث هذا دون التطرق إلى استمالة الناخبين، وقد قامت جريدة “الشعب” بجولة استطلاعية إلى كل مداومات المرشحين الستة بولاية باتنة، حيث وجدنا “فقط” صور المرشّحين وبرامجهم التي أصبحت “مستنسخة” عن بعضها البعض، والقاسم المشترك هو “غياب المواطن” الذي هو الحلقة الأهم في هذا الاستحقاق الرئاسي.
ومع اقتراب رئاسيات أفريل، تراود المواطنون العديد من الطموحات والانشغالات التي يأملون في أن تلقى آذانا صاغية لدى المرشحين الـ 6، حيث يبقى الموضوع الأهم المطروح حاليا هو ما ينتظره المواطن الجزائري من الرئيس القادم والدور الحقيقي الذي يقوم به في إطار تحسين مستواه المعيشي والتكفل بانشغالاته.
اتّفق أغلب المواطنين الذين التقيناهم أثناء التحضير لهذا الملف هو أنّ أهم مشاكلهم هي السكن والحصول على منصب عمل لضمان حياة كريمة، وتزويد المناطق النائية بنعمتي الغاز والكهرباء، تعبيد الطرقات، فتح مصانع وغيرها من الانشغالات التي يتمنى مواطنو باتنة أن يحققها لهم نزيل قصر المرادية الجديد.
غادرنا مداومات المرشحين وانتقلنا إلى بعض الأماكن العمومية التي تشهد إقبالا كبيرا للمواطن على غرار مراكز البريد، أو الأسواق الشعبية أو حتى مصالح الحالة المدنية بالبلديات، فوجدنا مواطنين لديهم “انشغالات” غير تلك التي يطرحها المرشحون الستة بلغة الخشب حسب “م ـ ن« الذي أكد أنّ المواطن في باتنة على غرار باقي مواطني الجزائر يرغبون في العيش الكريم فقط في كنف الاستقرار والأمن، كما أنّ إصلاح الخدمة العمومية والقضاء على البيروقراطية وتوفير مناصب العمل للشباب والقضاء على البطالة وتوفير مساكن لائقة للمواطن هي ما يجب أن يتحدث عنه المرشحون ويسعون لتحقيقه. ويضيف مواطن آخر: “نحن لا تهمّنا كل تلك الشّعارات التي يرفعها المترشّحون، نحن نريد الملموس، لقد خدعنا نواب البرلمان ورؤساء البلديات وهو ما جعلنا نرفض التواجد بتجمعات المترشّحين لأنّهم يتحدّثون لغة لا نفهمها، لغة بعيدة عن طموحاتنا، لغة لا تمنع انقطاعات الكهرباء، لغة لا توفر مناصب شغل. غادرنا سوق عبود وتركنا الرجل ناقم على الوضع.نقلنا بعض الكلام إلى مجموعة من الشباب بساحة الحرية بوسط مدينة باتنة، الذين أكّدوا “أنّ حلّ مشاكل الجزائر لن يكون إلا بحل مشاكل الشباب، لأنّ بناء مستقبل الجزائر يكون بسواعد هذه الفئة”، ليعقب على ذلك “ر ـ ب« بالقول: “لقد تخرّجت من الجامعة منذ سنتين ولم أتمكّن حتى من الظفر بعمل في إطار عقود ما قبل التشغيل بحجة أنّني لم أسو بعد وضعيتي تجاه الخدمة الوطنية...هل هذا معقول؟ عن أيّ شباب يتحدّثون؟!”.يقاطعه صديقه “أحمد” فيقول: “مشاكل الشباب لا يعرفها إلا الشباب، أما المرشحون فكلّهم بلغوا من العمر عتيّا، هل تعتقد أنهم سيفهمون مشاكلنا حقا وهم في الـ 70 من العمر..”. يضحك الجميع وغادرنا نحن في صمت، غير أنّ “أحمد” أراد إكمال الحديث فقال: “حقوق الشباب ومطالبهم بسيطة لا تتجاوز منصب عمل وسكن لائق لبناء أسرة، نحن لا نتحدث عن حقوق الشباب الجزائري في أن يكون في هرم المسؤولية ومراكز صناعة القرار”. وغير بعيد عن مقر أمن الولاية، التقينا صدفة بأحد نشطاء المجتمع المدني بباتنة، بادرناه بسؤال: “ما ينتظره المواطن من الرئيس القادم للجزائر؟”.
فأجاب أنّ “أهمية التكفل بانشغالات المواطن تتمثل أولا في الانصات إليه ومحاورته ودفعه إلى المشاركة في العمل السياسي والثقافي والاجتماعي، لابد من المعاينة الميدانية لمختلف مشاكل المواطنين عامة والشباب بصفة خاصة من أجل وضع التصورات وتقديم الاقتراحات اللازمة للتكفل بها”.
وفي هذا الصدد، أشار مسؤول بمداومة المرشح علي بن فليس بباتنة، إلى أن برنامج بن فليس واضح ويعتمد على الدراسات والتحاليل والاستشراف لدراسة انشغالات ومشاكل المواطنين، واقتراح حلول جذرية وجادة لها، بالإضافة إلى حرص معدّي البرنامج على التكفل بأولويات إصلاح العدالة وقطاعات التربية والصحة وغيرها.
من جهة أخرى، أشار المتحدث إلى أنه بالرغم من الآليات المختلفة التي وضعتها الدولة للتكفل بانشغالات الشباب البطال إلا أن العديد من المشاريع ما تزال غير فعالة بسبب مجموعة من العوامل التي ساهمت في عرقلة مشاريع الشباب بدل التكفل الذي بها.
وفي ذات الموضوع، يرى أحد مؤطّري مداومة مرشّحة حزب العمال لويزة حنون، إلى أن التكفل بانشغالات المواطن الجزائري خاصة الشباب الذي يمثل 75 بالمائة من الشعب الجزائري “مسألة محورية في برنامج مرشحتنا، وهو بالنسبة لنا وللسيدة حنون وحزب العمال أولوية الأولويات”. وبخصوص حل مشاكل التشغيل والقضاء على البطالة فيكمن الحل حسب حزب العمال في “اعتماد استثمارات عمومية ضخمة بما يضمن للجزائر اقتصادا متنوعا”.
من جهته أكّد مصدر من مداومة المترشح موسى تواتي إلى دور حزبه في “طرح ومناقشة انشغالات الشباب” بتنظيم عدة ندوات عبر التراب الوطني.
وأوضح المتحدث أنه يتعين النظر إلى انشغالات المواطن ومشاكله بموضوعية وواقعية بعيدا عن رسم الأوهام وإعطاء الوعود التي لن تتحقق إلا بإرادة وجدية وصدق للمشاكل التي تعاني منها فئة الشباب خاصة وفي مقدمتها الشغل والسكن، مشيرا إلى أن برنامج الحزب يركز على التخلص من “مرض” البيروقراطية التي تقف حاجزا منيعا أمام حل العديد من المشاكل، خاصة تلك المتعلقة بالتنمية والانشغالات اليومية للمواطن.
أما ممثل المترشح علي فوزي رباعين بباتنة، فأكّد أن الشباب في الجزائر الكثير من الإمكانيات الكبيرة، غير أن إقصاءه “المتعمّد” من المشاركة في تسيير شؤونه اليومية جعله يشعر بأنه لم يستلم مصيره بيده بعد، موضحا أن الاحتجاجات التي عاشتها ولايات من الوطن “أكّدت صحة طرح حزبنا”، ليؤكّد آخرا من ذات المدوامة، إلى أن الشباب الجزائري يتمتّع بطاقات كبيرة ولديه طموحات للمشاركة في الحياة السياسية للبلاد، وعلى رجال السّلطة الأخذ بعين الاعتبار هذا الطموح المشروع بل والاستثمار فيه. ويعتبر ذات المتحدث أنّ الحلول المقدمة لمشاكل المواطن يجب أن تكون ذات أبعاد متنوعة تشمل جميع الميادين السياسية والثقافية والاجتماعية والرياضية، التي تعتبر حسبه جوانب مهمة تبعده عن العنف والخروج إلى الشارع.
أما مؤطّرو مداومة المترشح بلعيد عبد العزيز، فأوضح أحدهم أن امكانيات الجزائر الاقتصادية والجغرافية والمالية تؤهلها لاستقطاب عدد كبير من الأيدي العاملة.
وأشار إلى أنّ الشاب الجزائري يعيش كبتا كثيرا ما عبّر عنه من خلال أعمال شغب وعنف سواء ما تعلق بالاحتجاجات أو ما يلاحظ في ملاعب كرة القدم.
غير أنّ أحد إطارات مداومة المترشح عبد العزيز بوتفليقة أكّد لنا أن التذمر وعدم الرضا لدى المواطن بشأن العديد من قضايا الحياة اليومية كالشغل وقلة السيولة النقدية بمراكز البريد التي يعيشها المواطن الجزائري منذ شهور وغيرها من المشاكل، يجرّنا إلى ضرورة تثمين ما تقوم به الدولة من مجهودات في التكفل بانشغالات المواطن من خلال السكن والتربية والتزود بالكهرباء والغاز والعديد من الاحتياجات، إضافة إلى أنه من الطبيعي أن يحدث تحول في سلم أولويات المواطن الجزائري بعد استرجاع السلم والأمن والطمأنينة.
واللافت في استطلاعنا هو جهل المواطن لمهام رئيس الدولة، وتطرّقه لانشغالات هي في الأساس من مهام مسؤولي البلدية والدائرة والولاية، فلا يعقل مثلا أن يهتم رئيس دولة بتعبيد الطرقات وفك العزلة عن بعض المناطق وتقديم الدعم الريفي والفلاحي..وغيرها من الانشغالات التي يلح في طلبها سكان باتنة. هذا الغموض في إدراك العلاقة الحقيقية التي تربط المواطن برئيس دولته يفسر إصرار عدد من المواطنين الذين التقينا بهم على التعبير عن ضرورة التغيير الإيجابي من خلال اختيار الأكفأ لقيادة الجزائر للمرحلة القادمة.
مواطنو باتنة
الرّهان على الشّباب والأولويـة للعمل
باتنة: لموشي حمزة
شوهد:771 مرة