أشعل شمعة أمل في حياة 800 فرد من ذوي الإعاقة في الجلفة

نور الدين دوداري..رجل تحدّى الإعاقة ليبني مؤسّسة إنسانية رائدة

بورتريه: موسى دباب

 

بإصرار لا يعرف التراجع وعزيمة تفوق حدود الإعاقة، يروي نور الدين دوداري قصّة نجاحه ونجاح من ساعدهم من خلال جمعية البركة الثقافية التي أسّسها عام 1990 بسبب معاناته الشخصية، والتي أصبحت منارة أمل للمعاقين في المنطقة، حيث جمعت بين الطموح الفردي والرسالة الإنسانية.


يقول نور الدين “هدفي أن يرى الجميع فينا طاقات خلاّقة، قادرة على المساهمة في بناء المجتمع، وليس مجرّد أشخاص ينتظرون الشفقة أو المساعدة”، ويضيف أيضا “من لا شيء يمكن أن تصنع حدثا، الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل هي بداية رحلة جديدة مليئة بالإرادة والتحدّي”.
ولد نور الدين دوداري في عام 1969 ببلدية دار الشيوخ ولاية الجلفة، ليواجه منذ بدايات حياته تحدّيات كبيرة بسبب إعاقته الحركية. ورغم أنّه تعرّض للكثير من التنمّر في صغره من طرف الأطفال، لكنّه يقول “كنت أؤمن بأنّني قادر على تجاوز هذه الصعوبات”.
نور الدين لم يسمح لتلك الإعاقة أن تعيق طموحه، بل كانت شرارة ألهمته لتأسيس جمعية “البركة”، بهدف مساعدة المعاقين وإحصائهم لضمان التكفل بهم ودمجهم في المجتمع.
مشهد لمعاق في الشارع أطلقت رحلته الإنسانية
 يتذكّر نور الدين دوداري اللحظة التي غيّرت مسار حياته قائلا: “رأيت معاقا يحبو في الشارع من شدّة إعاقته، كانت تلك الصورة صادمة ومؤلمة جدّا. أدركت حينها أنّ المشكلة ليست في الإعاقة بحدّ ذاتها، بل في غياب من يدافع عن حقوقنا ويقدّم لنا الدعم. تلك اللحظة كانت الشرارة التي انطلقت منها فكرتي”.
ويواصل نور الدين: “تحدّثت مع أحد الأصدقاء عمّا كان يؤلمني، فنصحني بتأسيس جمعية تعنى بالمعاقين” ويضيف “أسّست جمعية “البركة” الثقافية فقط من أجل ذلك الشخص، كنت أريد أن أمنحه كرسيا متحرّكا ينقله من معاناته إلى حياة أفضل. ورغم الصعوبات ورفض البعض لمقر الجمعية تخوّفا من المعاقين، تمسّكت بحلمي وحصلت على الاعتماد”.
تحويل المعاناة إلى محرّك للتغيير
تمكّن نورالدين بفضل الجمعية من إجراء إحصاء شامل لأكثر من 800 معاق في ببلدية دار الشيوخ، من مختلف أنواع الإعاقات ونسبها، حيث خضعوا لفحوصات دقيقة لتحديد درجة إعاقتهم، وتمّت مساعدتهم في الحصول على بطاقات الإعاقة وتسهيل الإجراءات الإدارية.
كما ساهم في توفير أكثر من 10 دراجات نارية بثلاث عجلات و20 كرسيا متحرّكا، فضلا عن تقديم العلاج المجّاني للأمراض المستعصية ودعم أبناء المعاقين الفقراء بالأدوات المدرسية. وفي بادرة إنسانية، أشرف على ختان 120 طفلا من أبناء المعاقين والعائلات المحتاجة.
أما في المجال الثقافي، فقد نظّم أكثر من 150 معرضا وحفلا ثقافيا بين محلي وولائي، وأقام أكثر من 80 عرضا مسرحيا إلى جانب 100 مسابقة ثقافية متنوّعة. ولم يقتصر دوره على النشاط المحلي، بل شارك في فعّاليات وطنية وجهوية أبرزت دور الجمعية في تعزيز القيم الثقافية بالمجتمع.
وعلى الصعيد الرياضي، نظّم دورات رياضية لكرة القدم بين الأحياء، وأسّس فرعا لرياضة الكونغ فو ووشو يضمّ أكثر من 150 مشاركا من مختلف الفئات العمرية، محقّقا عددا من الميداليات، 2 ذهبية و2 فضية و3 برونزية، ما عزّز من حضور الجمعية في هذا المجال.
وفي القطاع التربوي والتعليمي، أظهر حرصا كبيرا على إحياء المناسبات الوطنية من خلال معارض ثقافية تربوية في المدارس والجامعات. كما ساهم في تنظيم رحلات إلى الأماكن التاريخية والمتاحف بهدف ترسيخ الروح الوطنية لدى الناشئة، إلى جانب إقامة عروض مسرحية للأطفال بغية تعزيز الوعي الثقافي لديهم.
وقد تمّ استقباله من طرف إبراهيم بوغالي، رئيس المجلس الشعبي الوطني، في 8 جانفي 2023 بمناسبة اليوم العربي لمحو الأمية، حيث أخذ معهم صورة جماعية تذكارية. كما استقبل نور الدين كرئيس للجمعية ورئيس لمركز المرأة والفتاة في دار الشيوخ عددا من الشخصيات البارزة التي زارت المركز، ومنها السيد ريموند جاين، سفير منظمة اليونيسف في الجزائر في جوان 2007، والسيد مارك لوسييه، سفير منظمة اليونيسف في الجزائر في أكتوبر 2017، بالإضافة إلى خبير الاتحاد الأوروبي تانقادي في 2020، وخبراء من اليونيسف في 2015.
ذوو إعاقة يعيدون اكتشاف أنفسهم
يتحدّث نور الدين عن قصص أشخاص تغيّرت حياتهم بفضل الجمعية، من بينهم شباب كانوا لا يخرجون من البيت، يعيشون في عزلة تامّة بسبب عقدتهم من الإعاقة. بفضل الجمعية، وبعد انخراطهم في الجمعية ومشاركتهم في المعارض، عاشوا أجواء عائلية، وبدؤوا يرون العالم بنظرة مختلفة. أصبحوا يتحدّثون بثقة، يشرحون للزوار في أجنحة المعرض، وعرفوا أنّ الإعاقة ليست عائقا بل حافزا. هم اليوم ناجحون في مختلف نشاطاتهم”.
ويؤمن نور الدين بأنّ الإعاقة ليست سوى نقطة انطلاق، حيث قال “هناك من المعاقين من تفوّقوا في الدراسة وحصلوا على المراتب الأولى، وآخرون أسّسوا مشاريع وحقّقوا استقلالهم المادي. التضامن والعمل الجماعي هما المفتاح”.
وأكّد أنّ ذوي الهمم يملكون القدرة على قيادة العالم بإبداعاتهم، مشيرا إلى أنّ التاريخ مليء بنماذج لعلماء وأفراد من ذوي الهمم الذين تركوا بصماتهم في مختلف المجالات. وضرب مثالا بالعالم ستيفن هوكينغ، الذي تحدّى إعاقته الجسدية ليصبح من أبرز علماء الفيزياء النظرية في العالم. وأوضح “الإعاقة ليست حاجزا أمام الإبداع، بل قد تكون دافعا لتحقيق المستحيل. هؤلاء العلماء هم دليل حيّ على أنّ الإرادة والعلم أقوى من أيّ قيود”. وشدّد على أهمية أن يكونوا قادة في حياتهم لا تابعين. “لا تنتظر أن يتصدّق عليك أحد، بل كن أنت من يتصدّق ويمنح الأمل للآخرين”.
وأكّد أنّ ذوي الهمم يمتلكون طاقات هائلة تحتاج فقط إلى التوجيه والإصرار لتحقيق الإنجازات.
«الإعاقة ليست في الجسد، بل في الروح التي تستسلم”، بهذه الكلمات اختتم نور الدين حديثه، مؤكّدًا أنّ قصّته ليست النهاية، بل بداية لتغيير أكبر وأمل أوسع.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19839

العدد 19839

الأحد 03 أوث 2025
العدد 19838

العدد 19838

الجمعة 01 أوث 2025
العدد 19837

العدد 19837

الخميس 31 جويلية 2025
العدد 19836

العدد 19836

الأربعاء 30 جويلية 2025