بدأت شوارع القاهرة تستردّ حركتها العادية بعد نهاية أسبوع دامي سقط خلاله مئات القتلى وآلاف الجرحى في مواجهات بين قوات الأمن المصرية ومناصري الرئيس المعزول محمد مرسي، إثر فضّ إعتصامي ميدان رابعة العدوية والنهضة اللذين استمرّا لمدة ٤٧ يوما. والمواجهة مرشحة للإستمرار في ظل الإستقطاب المتفاقم بين الإخوان والشرطة من جهة وبينهم وبين أنصار حركة تمرّد والتيار الليبيرالي المعارض لهم من جهة أخرى.
إستطاعت قوات الأمن المصرية أن تبسط نفوذها على شوارع القاهرة، حيث فتحت البنوك والبورصة أبوابها أمس بعد أن أوصدتها طيلة أيام المواجهات بين الإخوان والأمن المصري، التي أغلقت كل الميادين الرئيسية بالقاهرة وانتشرت فيها مدّرعات الجيش لمنع أي تجمعات محتملة لأنصار مرسي بها.
من جهة أخرى، اجتمعت حكومة الببلاوي الإنتقالية لمناقشة الأوضاع الأمنية في ظل إصرار الإخوان على مواصلة المظاهرات والمسيرات إلى غاية عودة مرسي إلى منصبه، ما دفع بالحكومة إلى اتخاذ إجراءات مشدّدة لتأمين قصر الإتحادية والمحكمة الدستورية التي سبق وأعلن الإخوان السير نحوها للتجمّع في ميدان روكسي، التي ألقى عليها حازم الببلاوي ـ رئيس الحكومة المؤقتة ـ باللائمة وحمّلها مسؤولية الأحداث الدامية وما ترتب عنها من خسائر بشرية ثقيلة.
واقترح الببلاوي حلّ الجماعة، مؤكدا أن المصالحة لن تشمل أولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء وأشهروا السلاح في وجه الدولة وأرادوا النيل من هيبتها.
وأمام هذا التشدّد الذي أبداه الببلاوي، قد لا تجد معه مبادرة نائبه أحمد بهاء الدين التي تطرح صيغة لإنهاء المواجهة بين الإخوان والجيش المصري حظا للنجاح، ومن أبرز النقاط التي جاءت في المبادرة، إيقاف العمل فورا بحالة الطوارئ، وإشراك كل الأحزاب في العملية السياسية وضمان حقوق الإنسان بما في ذلك الحق في التظاهر، ولم تشر المبادرة إلى مصير الرئيس المعزول محمد مرسي ولا إلى قيادات إخوانية تقبع في السجون، وآخرون من منتسبي الإخوان يجري التحقيق معهم في تهم وصفت بالثقيلة، ومنها حرق كنائس والإستيلاء على مدّرعات تابعة للجيش، حيث باشرت نيابة الأزبكية تحقيقات موسعة مع ٢٥٠ من أنصار مرسي بتهم القتل والشروع فيه والإرهاب.
الأكيد أن الوضع الذي تعيشه مصر شديد التعقيد والحساسية ويحتاج إلى أصوات حكمة وتعقّل تؤمن بالحوار وتقبل بالآخر، حتى لا يراق المزيد من الدماء وتزداد الهوّة إتساعا بين مختلف مكونات المجتمع المصري، الذي يحتاج إلى وحدة صف لمواجهة التحديات المتعددة التي تعصف بالبلاد.