لأوّل مرّة منذ نحو عشر سنوات تتمكن ليبيا من تنفيذ استحقاق انتخابي محلي بعد فترة من الركود السياسي على مختلف الأصعدة بسبب الأزمات والانقسام الذي تشهده البلاد.
الانتخابات البلدية الليبية، والتي أعلنت مفوضية الانتخابات عن نتائجها أمس ولاقت ترحيباً واسعاً محلياً ودوليا خاصة لما شهدته العملية من تأمين ومشاركة وهدوء شرقا وغربا وجنوبا، من دون وقوع أي مضايقات أو غلق لجان، أعادت بحسب مراقبين الآمال بقدرة الأطراف الليبية على التوافق لتنفيذ انتخابات أخرى تشريعية ورئاسية هذه المرة، بل طالب بعضهم باستغلالها في إعادة الزخم حول عملية انتخابية عامة قريبا.
ويقول مراقبون إن نجاح مفوضية الانتخابات في تنظيم أكبر انتخابات بلدية في البلاد في يوم واحد، يُعد إنجازًا بارزًا يعكس تحسنًا ملحوظًا في الوضع الأمني والإداري، ويُظهر قدرة المؤسسات الليبية على تنظيم عمليات انتخابية سلسة، ما يُعزز الثقة في إمكانية إجراء انتخابات عامة في المستقبل القريب، كما أن المشاركة الكبيرة تُشير بوضوح إلى استعداد الشعب الليبي للانخراط في العملية الديمقراطية، وإصراره على ممارسة حقه الانتخابي، وهذا النجاح سيشجع الجميع لانتخابات عامة.
خطـــــــــــوة لتعزيـــــز السّـــــــلام
وهذه الانتخابات هي الأولى من نوعها منذ العام 2014 وقد كشفت المفوضية العليا للانتخابات عن مشاركة نحو 74 في المئة من الناخبين فيها، ما شكل نجاحا لها أثار تساؤلات حول ما إذا كان سيمهد الطريق نحو إجراء الاستحقاقين الرئاسي والنيابي، والجدير بالإشارة هو أن انتخابات السبت الماضي شملت أول مجموعة من أصل 143 بلدية، على أن تلتحق بها المجموعة الثانية التي تتألف من 59 بلدية مطلع العام المقبل.
وبخصوص العوامل التي ساعدت على نجاح هذا الامتحان الانتخابي، قال عضو مجلس مفوضية الانتخابات، أبوبكر وامر، أنّها كثيرة وأبرزها وعي المواطن ورغبته في ممارسة حقه الانتخابي بشكل سلمي، وعدم وجود خروقات أو عراقيل خلال يوم الاقتراع يعكس مستوى الوعي لدى الناخبين ويعتبر مؤشرًا إيجابياً على الالتزام بالمشاركة السياسية.
كذلك، دور المراقبين والمؤسسات الأمنية كان له تأثير كبير في تأمين الانتخابات وحمايتها، ما ساهم بشكل فعّال في نجاح العملية الانتخابية. كل هذه العوامل تعكس رغبة الشعب في التعبير عن خياراته بطريقة سلمية ومنظمة.
وعن التحديات، أضاف أبوبكر وامر قائلا: “ لا شك أن هناك تحديات واجهت المفوضية خلال تنفيذها للعملية الانتخابية. ومن المؤكد أنه لا يخفى على أحد أن ليبيا تحتوي على مؤسسات تنفيذية منقسمة، حيث توجد حكومتان: واحدة في الشرق وأخرى في الغرب. كما أن هناك انقسامًا في الأجسام التشريعية أو الاستشارية مثل مجلس الدولة والبرلمان. بالإضافة إلى ذلك، فإن البيئة السياسية والمناكفات تمثل تحديات قائمة على أرض الواقع. ومع ذلك، فإن المفوضية، بمهنيتها وحيادها، قد تمكنت من تجاوز هذه التحديات، ونجحت في الوصول إلى المواطن. وقد تعاملت مع العملية الانتخابية وفقًا لإجراءات الضوابط والمعايير الدولية، ما يعني أنها لم تتعرض لأي انحياز أو ميل تجاه أي جهة من الجهات. وبالتالي، على الرغم من وجود تحديات، فإننا نعمل لمصلحة المواطن ولمصلحة الوطن، من خلال اتباع الإجراءات القانونية بعيدًا عن المناكفات السياسية السائدة في الساحة السياسية.”
ضـــــوء فـــــــــي نهايـــــة النفــــق
وعن جاهزية المفوضية لانتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها، أكّد بوبكر وامر بأنها مستعدة فنياً لإجرائها. ولكن، كما أضاف، كل عملية انتخابية لها قوانينها الخاصة، والمفوضية تنتظر متى يتم الاتفاق بين الأطراف المعنية على هذه القوانين ومتى يتحقق التوافق حول النقاط الخلافية. ومن ثم، ستقوم بتنفيذ ما يتم التوافق عليه من خلال اللجنة المعنية، وستحيل هذه التوافقات إلى المفوضية التي ستتولى عملية التنفيذ وفق السياق القانوني، بما لا يتعارض مع المعايير الدولية، وتستمر العملية وفق ذلك.
للإشارة، كان الليبيون أمس الأحد على موعد مع إعلان النتائج الأولية للانتخابات البلدية.
وأكد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي أن نجاح انتخابات المجالس البلدية يمثل خطوة مهمة في المسار الديمقراطي، وتعزيزا للاستقرار وإعادة الشرعية لكل المؤسسات الوطنية الليبية.
بدوره، أعن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة تمسكه بوجود قوانين عادلة لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة، لافتا إلى ضرورة “توحيد الجهود الوطنية لإنجاز الدستور والقوانين الانتخابية العادلة، لتكون المرجعية الوطنية التي تتيح إجراء الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية.”
وأبرزت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أنها ملتزمة بدعم العملية الانتخابية في ليبيا وضمان نتيجة تعكس إرادة الشعب، مشيرة إلى أن الانتخابات البلدية تشكل خطوة مهمة نحو تعزيز الديمقراطية وضمان شرعية المؤسسات الليبية، وأشادت بنجاح إجراء عملية الاقتراع للمجموعة الأولى من المجالس البلدية في ليبيا، وهنأت الشعب الليبي “بهذا الإنجاز على نسبة المشاركة الواسعة من الناخبين.”