ديمقراطية العنصرية...

أمين بلعمري

تعود مسألة العنصرية إلى الواجهة، لتؤكد مرة أخرى أن الرجل الأبيض لم يتخلص تماما من عقد التفوق والهيمنة التي لم تدفع بها إلى الظل إلا النضالات المستمرة والمعارك المستميتة من أجل المساواة على أساس المواطنة وليس اللون أو الدين أو معايير أخرى.
صحيح أن العالم قطع أشواطا كبيرة في القضاء على التمييز العنصري والأكيد أنه تحقق ما كان يعتبر من المستحيلات أو حتى المعجزات في جنوب إفريقيا في القرن العشرين، البلد الذي قدم أبشع صورة لنظام الأبارتايد العنصري وصل فيه منديلا إلى الرئاسة ومن كان يتخيل أن السود الذين إقتيدوا من إفريقيا كقطعان الغنم إلى أمريكا، يخرج من أصلابهم رجل يحكم أعظم دولة في العالم لكن هذا الواقع الجميل كثيرا ما تقطع حباله كوابيس مرعبة، لتذكرنا بأن زمن السماوات المفتوحة والديمقراطية وحقوق الإنسان لازال فيه أناس تحركهم أحقاد الألوان، التي دفعت بحارس إقامة في الولايات إلى توجيه رصاصة قاتلة إلى مراهق ملون البشرة لمجرد الإشتباه والشك السنة الماضية لتبرئة المحكمة، قبل أسبوع من تهمة القتل العمدي لأن القاتل، كما زُعم، كان بصدد الدفاع عن نفسه وفي إيطاليا الأمر كان أدهى وأمر حيث أطلق سيناتور إيطاليا ألفاظا عنصرية ضد وزيرة في حكومته، لأنها ملونة، ثم اكتفى بالإعتذار منها، وفي فرنسا عنصرية من شكل آخر في تصرف مهين لشرطي فرنسي ضد مواطنة، لأنها مسلمة ترتدي الخمار بعد أن أوقفها رفقة زوجها للتفتيش والتأكد من الهوية.
الأكيد أن البلدان التي حصلت فيها هذه التصرفات بل الجرائم، تشترك في كونها ديمقراطية تضمن الحريات والحقوق، لكنها رغم ذلك تعيش إختلالات متزايدة وإلا كيف تفسر تنامي اليمين المتطرف في أوربا وقد تجلى ذلك في الإستحقاقات الإنتخابية في السنوات العشر الأخيرة، أو ليس من العنصرية منع الإنسان من حقوقه الأساسية كحرية التنقل التي يتمتع بها الإنسان الأوروبي ويحرمها الإنسان في الضفة المقابلة، في حين هو أحوج إليها لينجو بنفسه من براثن الحرمان والجوع بل حتى الهروب من الموت، ثم دفعه إلى الهجرة غير الشرعية أو كما يسمونها هم، لأنه في حقيقة الأمر معاييرهم غير شرعية وغير قانونية، لأنها تكرس التفرقة وازدواجية المعايير في حق الإنسان، لأنه ينتمي إلى عرق آخر أو دين مخالف.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024