يتحدّث مؤلف كتاب «حرب فرنسا في مالي» الذي وثق فيه تفاصيل التدخل العسكري الفرنسي شمال مالي العام الماضي، في هذا الحوار الذي خصّ به «الشعب» عن خلفيات عملية سيرفال، وعن التنسيق الأمني لدول الجوار منها الجزائر المشدّدة على استئصال الإرهاب من جذوره.
*»الشعب»: بالعودة قليلا إلى الوراء، قبل 11 جانفي 2013، نفى الساسة الفرنسيون القيام بتدخل عسكري على الأرض بمالي، لنكتشف فيما بعد عملية عسكرية ضخمة عرفت باسم «سيرفال». لماذا هذا التغيير؟
جون كريستوف نوثان: كل شيء يعتمد على القصد من كلمة «إعداد». هل ظنّت السلطات الفرنسية أن إقحام الجيش الفرنسي سيتم حينما تصرح بالعكس، لا أظن ذلك، لقد بدا واضحا أنها ملتزمة بمبدأ «إفريقيا للأفارقة»، أي لا جنود على الأرض.
هل فكر الجيش الفرنسي رغم ذلك، في التدخل، أقول نعم، لأن الأمر من صلب عمله ببساطة، فالهدف الأول للعسكريين هو الجاهزية التامة في حالة ما إذا استدعت الضرورة، الخلاصة أن العمل التخطيطي «الهادئ» سمح بإطلاق «سيرفال» بتلك السرعة.
التدخل العسكري شرّ لابدّ منه
^ حسب الرئيس فرنسوا هولاند، هدف سيرفال دحر الإرهابيين وطردهم من المدن الثلاث الرئيسية لشمال مالي، هل تعتبر أن العملية كللت بالنجاح؟
^^ نجاح سيرفال لا يمكن إنكاره، لقد وجهت ضربة موجعة للجماعات الإرهابية التي لم تعد تسيطر على المدن الكبرى للشمال المالي كما يستطيع فعله نظراؤهم حاليا في سوريا، نيجيريا أو في الصومال.
السياسيون دائما يميلون إلى تضخيم الإنجازات، لكن العسكريين يعلمون أنه مزال ينتظرهم الكثير لاستكماله، والقضاء على الإرهاب لا يكون خلال أشهر معدودة، ويلزم ذلك سنوات من الجهود السياسية، الدبلوماسية والاقتصادية.
^ تسود قناعة لدى الجميع، وحتى الماليين أنفسهم، بأن فرنسا لم تتدخل سوى من أجل مصالحها. ما هي ؟
^^ لست موافقا على هذا الطرح، فرنسا تدخلت بناء على نداء استغاثة السلطات المالية وبعضهم شرع في ترتيب حقائبه للفرار..ولا يمكننا في المقابل إلقاء اللوم على فرنسا التي دفعت قواتها العسكرية نحو مخاطر كبيرة، دون السعي لتلبية مصالح مشتركة.
وهنا لا يتعلق الأمر بمصالح مالية كما يسود الاعتقاد..ولكنها مصالح أمنية، لأن التنظيمات الإرهابية وضعت دائما فرنسا على رأس قائمة أعدائها ما جعل الأرض الفرنسية ومصالحها في المنطقة مهدّدة بشكل مباشر، ومن الجيد أن فرنسا لم ترتكب نفس خطأ أفغانستان حينما عاش الإرهابيون لسنوات دون عقاب وتبعات ذلك يعرفها الجميع.
^ في كتابك «حرب فرنسا في مالي» ذكرت أن المصالح الحقيقية الفرنسية في مالي غير مرتبطة بالثروات الطبيعية الموجودة تحت باطن الأرض، ولكن بالسكان الطوارق. إشرح لنا ذلك؟
^^ لم أكتب هكذا بالضبط ، صحيح أن فرنسا، أو بالأحرى بعض الأوساط الفرنسية، لديهم تاريخ عاطفي طويل مع الطوارق (أسطورة الرجال الزرق). لكن في هذه الحالة، لم تتدخل فرنسا في 11 جانفي 2013 بناء على طلب طوارق الشمال، ولكن استجابت لسكان الجنوب ( البامبارا) الذين ارتعبوا من احتمال تعرضهم للغزو من قبل الجماعات الإرهابية.
^ رغم تسخير فرنسا لأزيد من 5000 عنصر من قواتها الخاصة في حرب مالي، غير أن البلاد لازالت تعيش اللااستقرار، ما دفع البعض إلى القول أنها لم تكمل مهمتها، وتواجه بحزم الحركات الارهابية شمال البلاد؟
^^ هذا ليس صحيحا مطلقا، هدف عملية سيرفال، لم يكن أبدا مرتبطا بحل العلاقات بين شمال وجنوب مالي، يجب أن نتذكر جيدا نفور الأغلبية الجديدة للاشتراكيين التي وصلت للحكم عام 2012، من كافة أشكال التدخل في السياسة الإفريقية، وحينما أتحدث من منظوري الشخصي، أرى أنه حينما أرسلت فرنسا 5000 جندي إلى مالي، كان عليها أن تتدخل أكثر في المفاوضات بين الشمال والجنوب، وإجبار الطرفين على قبول التوافقات. ومع ذلك، من المجازفة تصور معالجة توترات تعود لنصف قرن في ظرف أشهر محفوفة بالمخاطر، التاريخ لم ينته ..
^ تمحورت معظم فصول كتابك حول عملية «سيرفال»، ماذا عن «برخان»، ألا تعتقد أنها نتاج ثمارها، بحيث أتاحت ضمان حضور عسكري لفرنسا من جنوب ليبيا إلى غرب إفريقيا؟
^^ برخان، من دون شك هي امتداد لسيرفال، أو لنقل أنها توسعة لها لتشمل كامل الشريط الساحلي الصحراوي، وهذا كله منطقي، الإرهاب لا يعرف حدودا وهو ظاهرة عابرة للأوطان تتطلب استجابة عابرة للأوطان.
ولكني أعتقد أنه ينبغي أن نكون واضحين، هذا الإجراء كلّف فرنسا غاليا لأنها لا توجد في وضعية مناسبة ماليا..وإذا استطاعت الاستغناء عنها ستفعل ذلك دون أدنى شك. والتوجه العام حاليا يسير بشكل مخالف للأغلبية السابقة التي نادت بإغلاق القواعد العسكرية بإفريقيا.
تنسيق مع الولايات المتحدة
^ الولايات المتحدة الأمريكية كثّفت حضورها بالمنطقة في السنوات الأخيرة، هل هناك تنسيق أمني فاعل بينها وبين فرنسا؟
^^ نعم، فرنسا وأمريكا يتعاونان بشكل مكثف في الساحل، خاصة في الآونة الأخيرة، الأمريكيون اعتقدوا أن المنطقة لا تمثل بالنبسة لهم تهديدا حقيقيا (ليس بنفس المستوى في اليمن أو الصومال)، إلى غاية الهجوم المميت على السفير الأمريكي ببنغازي، والاعتداء الإرهابي على قاعدة تيقنتورين إين أميناس.ومن حينها، صاروا يعتمدون على فرنسا لتطويق التهديد الإرهابي بالمنطقة، وينحصر هذا التعاون في الجانب الاستخباراتي لأن أمريكا تملك وسائل جد متطورة للاستعلامات، ولا يوجد أمريكون يقاتلون إلى جانب الفرنسيين.
^ رافعت الجزائر دائما لحل مبني على الحوار السياسي في مالي وليبيا والتي أثبتت نجاعتها مع الوقت، ما تعليقكم على ما بات يعرف بالمقاربة الجزائرية ؟
^^ هي مقاربة محمودة......و الجزائر منشغلة قبل كل شيئ بمحاربة الإرهابيين خارج حدودها، لكن من البلدان من لا يفعل ذلك. لا يجب أبدا نسيان عشرات آلاف القتلى الذين ماتوا بسبب الإرهاب على التراب الجزائري، و هو أمر شنيع .. تقوم الأجهزة الأمنية الجزائرية بدور استراتيجي مهم للغاية ونجحت في رفع تحدي التهديدات الأمنية داخل ترابها الوطني الشاسع متصدية للجماعات الإرهابية والجريمة العابرة للحدود.
^ لن نبالغ إذا قلنا أن ما تعانيه ليبيا اليوم، هو نتيجة لتدخل «الناتو» غير المدروس، ما هي الطريقة المثلى اليوم لتصحيح الخطأ ومعالجة الأزمة الليبية الحادة؟
^^ للأسف، لا يوجد حل معجزة، ثم إنني ضد من يحملون «الناتو» مسؤولية ما يجري اليوم بهذا البلد، لأن الدولة كانت غائبة في السابق كما اليوم، ولكن الواضح، أن تبعات العملية لم يتم استباقها بشكل كاف، والخطأ يكمن أكثر في المجلس الانتقالي الذي قال أنه ليس في حاجة لأحد من أجل إعادة بناء البلاد، والحل يعود بالأساس إلى الليبيين أنفسهم، ومدى قابليتهم لاحتمال وجود حكومتين وسلطة المليشيات والمرتزقة الأجانب، هم يشبهون الفرنسيين حينما قاموا بالثورة على الملك وقطعت فرنسا مراحل مظلمة قبل تأسيس الجمهورية، نأمل أن لا تستمر الفترة الانتقالية في ليبيا طويلا وأملنا أكبر أن يتجاوب الليبيون مع جهود الوساط الأممية التي تلعب فيها الجزائر دور المحرك الرئيسي.