أسدل الستار على قمة العشرين، التي احتضنتها مدينة بريزبان بأستراليا، أمس الأول، وتوجت ببيان ختامي تعهدت فيه الدول الكبرى بدعم الصندوق الأخضر للأمم المتحدة لمواجهة التغييرات المناخية وتسريع وتيرة النمو الاقتصادي العالمي والتجند لمكافحة فيروس إيبولا بغرب إفريقيا.
سجلت إفريقيا حضورها في قمة العشرين، لهذه السنة، بإيبولا، الذي يقتل يوميا عشرات الأشخاص بسيراليون، ليبيريا وغينيا وينتقل من دول لأخرى، وحصلت على تعهد من الدول التي تشكل 85 من المائة من الثروة العالمية بدعم جهود القضاء على الوباء وتحريك المجتمع الدولي لتدخل جاد وفاعل يطهر القارة منه.
وما عدا ذلك، لم تناقش الدول الأغنى عالميا، مكانة القارة في تنمية الاقتصاد العالمي وتجاوز الأزمة التي سببت تصدعات كبيرة في اقتصاديات الدول الغربية، واكتفت في محور التغييرات المناخية بالسعي للقيام بـ»تحرك قوي وفعّال» لدعم جهود الأمم المتحدة لمساعدة البلدان الفقيرة ضحية التغييرات التي تسببت فيها القوى الصناعية الكبرى. علما أن دول إفريقيا هي الضحية الأكبر.
لقد وضعت القمة رفع الناتج الإجمالي الخام بـ2.1 من المائة كهدف رئيسي بحلول 2018، ما سيسمح ـ بحسبها ـ بخلق ملايين الوظائف، مشددة على الاستثمار في البنى التحتية وتحريك التنمية عبر مختلف مناطق العالم.
وفي مقابل هذا الرسم العريض للخروج بالاقتصاد العالمي من المأزق الذي يعيشه، رددت الدول الكبرى مرارا وفي محافل مختلفة، أن إفريقيا تمثل مستقبل الاقتصاد الدولي، لكونها أرضا خصبة للاستثمارات في مختلف الميادين خاصة البنية التحتية.
إن معظم الدول الإفريقية مازالت في حاجة ماسة، لتطوير ودعم الأمن الغذائي، الطرق والهياكل الكبرى، توصيل الطاقة الكهربائية، تطهير المياه وتنمية الزراعة، تمثل كلها ورشات ذات أهمية بالغة للبلدان الغربية الطامحة للاستثمار والظفر بحصتها في السوق الواعدة والبلدان المعنية على حد سواء.
غير أن القوى المشاركة في قمة استراليا، أمس الأول، لم تتطرق صراحة لما يمكن أن تجنيه من التوجه نحو المساحات الشاسعة غير المستغلة في القارة السمراء، متحججة ربما بغياب الأمن وغياب المناخ الملائم. لكن الصراع بين بعض الدول الكبرى، على غرار ذلك الحاصل بين فرنسا التي تعتبرها منطقة نفوذ تقليدي، والصين الدولة الصديقة للأفارقة، والولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت عن عهد جديد للشراكة مع القارة في القمة الأمريكية - الأفريقية التي احتضنتها شهر سبتمبر الماضي، يجعل من إقحامها في النقاشات العلنية لمجموعة العشرين هامشيا.
وبإمكان إفريقيا اليوم، أن تفرض شراكة جديدة مع الدول المسيطرة على الاقتصاد العالمي، بالنظر إلى نسب النمو المعتبرة التي حققتها في السنوات الأخيرة، وكذا الإصلاحات التي أحدثتها في قوانين الاستثمار والتسهيلات التي وضعتها لجلب الشركات الأجنبية، كما هو حال الجزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا، هذه الأخيرة حصلت لنفسها منذ سنوات على مقعد ضمن 20 بفضل التطور الاقتصادي الذي تعرفه.
لكن اعتلاء نيجيريا، السنة الماضية والحالية، قمة الاقتصاد الإفريقية، يفتح المجال على مصراعيه لفرض واقع جديد يأتي بالفائدة على التنمية الاجتماعية ويخفف نسب الفقر والبطالة ويغير النمط الاقتصادي المعيشي للشعوب الفقيرة.
والمؤكد، أن تغيير العلاقة القائمة على قاعدة الدعم الاقتصادي والمالي وصناديق الدول المانحة لإفريقيا، أصبح حتمية يفرضها التحسن النسبي لمعظم الدول الإفريقية، لأن الدول الغربية وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي تعرفها في السنوات الأخيرة، لا يمكنها أن تستمر في تقديم المساعدات دون مقابل، لأنها ترى في المنطقة مشروع إنقاذ وإنعاش لمصانعها المهددة بالغلق، بينما تعتبر إفريقيا الشركاء الأجانب حبل نجاتها ونهضتها.
ويبقى على القادة الأفارقة أن ينتقلوا من تركيز خطاباتهم على الحكم الراشد ومناخ الأعمال والتعاون في ميدان الموارد الأولية والبنى التحتية والطاقة، إلى ضرورة التحكم في الوسائل التكنولوجية وتحويل الخبرات وأن لا تبقى حكرا على الغرب.
إن الأهداف المنشودة لبناء الشراكة العادلة، لا يمكن أن تتم دون امتلاك البلدان الإفريقية الوسائل التكنولوجية اللازمة للإنتاج، فالمعادلة اليوم تقول إن الدول الغنية بحاجة لإفريقيا للخروج من الضائقة المالية وإفريقيا تحتاج للاستثمارات الأجنبية وتحقيق الإقلاع الذي تريده.