كشف فيروس إيبولا، مدى هشاشة المنظومة الصحية لعديد البلدان الإفريقية، وبين أن سلامة ملايين البشر في القارة معلقة على ما تنتجه المخابر العالمية للأدوية وانتظار ما تسفر عنه البحوث والتحاليل التي تجرى في المعاهد والجامعات العالمية الكبرى للتوصل إلى لقاح مناسب لعلاج مختلف الأمراض، وتتحمل بذلك الدول الفقيرة فاتورة الخسائر البشرية وكذا التكلفة المالية الباهظة لاستيراد الأدوية.
اتسم خطاب نائب الأمين العام للأمم المتحدة، والمدير التنفيذي للبرنامج الأممي لمكافحة داء الإيدز، ميشال سيديبي، أول أمس، بمقر وزارة الشؤون الخارجية بالعاصمة، بكثير من الواقعية، حيث طالب الهيئة الأممية في يومها العالمي الذي أحيته الجزائر، ببناء علاقات متكافئة مع البلدان الإفريقية في المجال الصحي، ودعا إلى ضرورة تمكين الأفارقة من التكنولوجيات الجديدة لتطوير المنظومة الصحية وبالأخص صناعة الأدوية.
ولفت الأمين العام المساعد، والذي شغل منصب الوزير الأول في مالي، إلى الوضع المأساوي الذي تعيشه الشعوب الإفريقية في مواجهة الأمراض المعدية على غرار السيدا، السل، والإيبولا الذي فتك بأرواح الآلاف في دول غرب إفريقيا، دون أن يكون لديهم الزاد المعرفي لمكافحتها ولا الإمكانيات المادية للقضاء عليها.
لهذا رأى من الضرورة وضع نموذج للشراكة بين الأمم المتحدة بالشكل الذي يجعل دول العالم الثالث قادرة على حل جزء من مشاكلها الصحية بنفسها، ورأى في تحويل التكنولوجيا والمعرفة واستغلال مراكز بحث للنخبة أداة فاعلة لتحسين الأوضاع على المدى المتوسط.
وكشف سيديبي، أن فيروس إيبولا ظهر في إفريقيا، قبل 4 عقود بدولة الزائير سابقا ( الكونغو الديمقراطية حاليا) عام 1976، وقضى على الآلاف من البشر قبل أن يتم تطويقه ليوضح قائلا «لم أكن أتصور أنه بعد 40 سنة من اكتشاف الفيروس، أن نفاجأ بعودته ولا نملك اللقاحات لإنقاذ المصابين». ودعا إلى بناء شراكة مبنية على التعاون والتبادل الحقيقي، فمن غير المعقول حسبه أن تظل الدول الإفريقية تستورد 90٪ من الأدوية من الخارج.
لقد وجهت كلمة ميشال سيديبي، الأنظار إلى مجال أوسع من بؤرة الإيبولا والإيدز، وحملت رسالته نداءً عاجلا لصياغة استراتيجية إفريقية للتعامل مع الأمراض الفتاكة بقدرات ذاتية للأفارقة ولا يمكن أن يستمر النزيف البشري في أن يكون مصدر ربح وثراء للمخابر العالمية لصناعة الأدوية، واستغلال وضع يشبه إلى حد بعيد مخططات تجار الأسلحة الذين تزيد أرباحهم بضراوة واتساع رقعة الحروب الأهلية وبؤر التوتر في القارة الإفريقية.
وتكشف الإحصائيات أن 75 ٪ من المصابين بداء فقدان المناعة (السيدا) عبر العالم من القارة الإفريقية، و90 ٪ من وفيات داء الملاريا أفارقة، و50 ٪ من الوفيات أقل من 5 سنوات أبناء القارة أيضا، وحتى وإن نجح بعض ما تحقق في إطار أهداف الألفية من تذليل النسب المئوية إلا أن النزيف لازال مستمرا والدليل ما تعانيه دول السيراليون، ليبيريا وغينيا مع فيروس إيبولا.
وبات من المستعجل، أن يجد مخطط صناعة المنتجات الصيدلية الذي وضعته لجنة الاتحاد الإفريقية بدعم من منظمة الأمم المتحدة، طريقه إلى التنفيذ في أقرب الآجال والذي يسمح بوضع مختلف الأدوية خاصة الإستراتيجية منها في متناول مواطني الدول الأعضاء وتقليل الارتباط بالاستيراد من الخارج، ولا يتأتى ذلك إلى بوضع خطة استثمار جادة في هذا الميدان من الصناعة.
وكي تأخذ مختلف المشاريع المسجلة سبلها في الاتجاه الصحيح، يتوجب توفير المناخ المناسب للاستثمار والتطور الاقتصادي، مع تحويل التكنولوجيات والخبرات المعرفية والاستثمار أكثر في الموارد البشرية، فعلى المديين المتوسط والبعيد ستزيد التحديات الصحية لأفريقيا بالنظر لازدياد الكثافة السكانية للبلدان وإن لم تواكب بنهضة حقيقة في المنظومة الصحية والصيدلانية فالأوضاع مرشحة للتفاقم أكثر.
ووفقا لآخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية، فإن فيروس إيبولا في ليبيريا وحدها، أودى بحياة 2766 شخصا أي أكثر من نصف العدد الإجمالي من الوفيات، بالإضافة إلى 6619 مصاب بالمرض فيما بلغ العدد الإجمالي للضحايا نتيجة إصابتهم بحمى إيبولا في غينيا وليبيريا وسيراليون 4950 شخص، أما عدد المصابين فقد تجاوز 13240 شخصا. ولازال العالم في حالة ارتباك قصوى بحثا عن اللقاح المناسب بينما يحصي الأفارقة موتاهم يوميا.
90 ٪ من الأدوية تأتيها من الخـارج
إفريقيــا أمـام حتمية النهـوض بمنظومتها الصحيـة
حمزة محصول
شوهد:610 مرة