تعيش جمهورية إفريقيا الوسطى مرحلة فارقة في تاريخها وهي تشهد عملية انتقال سياسي سلمي وتعمل على إنهاء دوامة العنف الذي وصل إلى حد عمليات تطهير عرقي في حق المسلمين على يد ميلشيات الانتي بالاكا المسيحية، في هذه الجمهورية الإفريقية التي تعيش أوضاعا استثنائية منذ الإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيزي على يد تحالف سيليكا ذي الأغلبية المسلمة لتدخل البلاد بعدها في موجة عنف ومواجهات دامية استدعت تدخل فرنسا في إطار عملية سنغاريس لدعم قوات الميسكا التابعة للاتحاد الإفريقي إلا أن ذلك لم يؤد إلى غاية اليوم إلى استرجاع إعادة والأمن في هذا البلد.
هذا وأمام عجز القوة الإفريقية على التحكم في الأوضاع بشكل فعال في جمهورية إفريقيا الوسطى وكذا أمام النداءات المتكررة للامين العام الأممي في ظل استفحال غير مسبوق للعنف في البلاد والتي دعا خلالها بان كي مون مجلس الأمن إلى إرسال قوة أممية تضطلع بمهمة إعادة الاستقرار إلى هذه الجمهورية الإفريقية و بعد طول انتظار صادق الأخير على القرار 2149 شهر افريل الماضي والقاضي بإنشاء مهمة الأمم المتحدة لإعادة الاستقرار إلى جمهورية إفريقيا الوسطى والمعروفة اختصارا باسم “مينيسكا” التي سيكون على عاتقها تعويض القوة الإفريقية “ميسكا” التي شرعت في عملها نهاية العام 2013 وقد تم أمس في عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى بانغي استلام المينيسكا مهامها الرسمية، فرصة لم يفوتها قائد القوة الإفريقية “ميسكا” الجنرال جون ماري موكوكو خلال هذه المراسم للتذكير بالصعوبات التي واجهتها البعثة الإفريقية منذ تشكيلها، حيث صرح أن الأخيرة كانت تعاني من نقص كبير في الإمكانيات إلى درجة أن بعض الجنود لم يكن لديهم خودات ولا صدريات واقية من الرصاص، معتبرا أن قوات حفظ السلام الأممية ستتوفر على إمكانيات اكبر من تلك التي تمتلكها القوة الإفريقية ميسكا ستمكنها من أداء المهمة على أكمل وجه.
هذا وسيصل تعداد البعثة الأممية إلى 12000 رجل من ضمنهم وحدات البعثة الإفريقية التي ستتحول إلى بعثة قبعات زرق أممية اعتبارا من يوم أمس ما عدا أفراد جيش غينيا الاستوائية الذين سيعودون إلى بلادهم. وقبل ذلك وصلت وحدات أخرى لتنضم إلى القوة الأممية اعتبارا من نهاية شهر أوت الماضي قادمة من بنغلاديش وباكستان.
القوة الأممية “مينيسكا” التي تنتهي عهدتها شهر افريل 2015 ستقوم بمهمات رئيسية ثلاث وهي : حماية المدنيين كأولوية و دعم المسار السياسي الذي يؤدي من المفروض إلى حوار وتنظيم انتخابات في البلاد و كذا إعادة الاعتبار لسلطة الدولة.
سنغاريس تتحول إلى قوة للتدخل السريع
إن استلام البعثة الأممية لمهامها لا يعني وعكس ما كان متوقعا وعلى نقيض ما جاء في تصريحات سابقة لمسؤولين فرنسيين انسحاب هذه القوة الفرنسية من جمهورية إفريقيا الوسطى خاصة وأن هذه الأخيرة قد واجهت العديد من المظاهرات المناهضة لها في العاصمة بانغي وفي غيرها بسبب ما أثير عن انحيازها لبعض الأطراف خلال عملية نزع سلاح الميليشيات ومسائل أخرى عديدة، وعن هذه القوة الفرنسية صرح الناطق الرسمي باسم رئاسة أركان الجيوش الفرنسية الجنرال جيل جارون انه ليس هناك صراع ضد الزمن لخروج القوات الفرنسية من و إن كان الغالب أنها ستنسحب وهذا سيتم بالتوازي و تحكم القوة الأممية في الوضع، ليستدرك أن قوة سنغاريس ستتحول إلى قوة للرد السريع تتدخل في حال واجهت القبعات الزرق صعوبات آو تهديدات، و بهذا يبدو أنه ليس في نية فرنسا سحب قواتها من جمهورية إفريقيا الوسطى خاصة في ظل الإستراتيجية الجديدة لإعادة انتشار القوات الفرنسية في القارة الإفريقية و التي وضعتها رئاسة أركان الجيوش الفرنسية للعام 2015 وقد تندرج هذه القوة في إطار هذه الإستراتيجية الجديدة.
الأمين العام الاممي الذي طالما انتظر شروع هذه البعثة الأممية لمهامها بعد تسويفات و مماطلة كبيرة في مجلس الامن بسبب تكلفة هذه البعثة و تمويلها، دعا أطراف النزاع في جمهورية افريقيا الوسطى الى وقف الاقتتال و العودة الى العملية السياسية مؤكدا أن نقل السلطة و انتخاب رئيسة للبلاد يعتبر نجاحا باهرا لبعثة الاتحاد الإفريقي ميسكا مشيدا بما قامت به هذه البعثة في حماية الأرواح و الممتلكات الى جانب القوة الفرنسية سنغاريس.
على كل يعتبر استلام البعثة الأممية لمهامها انجازا أمميا معتبرا تطلب الكثير من الجهد و الوقت قبل أن يوافق مجلس الأمن على المصادقة على قرار انشائها ورغم أنها تأخرت كثير في نجدة شعب جمهورية إفريقيا الوسطى الذي مر بمرحلة حرجة للغاية عرفت موجة عنف غير مسبوقة وعمليات تطهير عرقي مقيت أدى إلى نزوح مئات الآلاف إلى الدول المجاورة و هذا ملف آخر سيشكل اكبر عبء على المجتمع الدولي الذي عليه أن يسارع إلى التخفيف منه بالتزامن والعملية السياسية الجارية.
