آثار بريكست بسبب الانفصال المؤلم جراء انسحاب بريطانيا الطوعي وفضها الرباط عن منطقة الأورو، أثبت مع مرور الوقت أنه أكبر من انسحاب أو سير نحو وجهة مغايرة لتنويع الشركاء للرفع من رصيد الامتيازات حيث تستفيد لندن منفردة بثمار الشراكة من دون دول أخرى بالقارة العجوز، لأن هذه الاستقلالية عن مظلة الاتحاد الأوروبي، تعد بمثابة إجراء تكتيكي تحاول فيه بريطانيا أن تستحوذ على مكانة اقتصادية مؤثرة إقليميا وعالميا، والظهور في الأعوام المقبلة كقوة بارزة تنافس أمريكا والصين، وتعتقد أن بقاءها ببيت منطقة الأورو، يحد من تفجير طاقتها وسطوع نجمها، فالانصهار ضمن تكتل معين، تلتزم فيه بقواعد وحقوق وواجبات، لم يعد ينسجم مع طموحاتها، لأنها باتت تتطلع لافتكاك حصة كبيرة من الاقتصاد العالمي وأسواقه.
لعل الحرب الروسية الأوكرانية أسقطت القناع، حيث كشفت عن نوايا لندن في البحث عن الريادة والزعامة، لأنها كانت البلد السباق الذي كان يحرض على تشديد خناق العقوبات وحظر الطاقة الروسية، متجاهلة غياب بدائل قريبة لعديد الدول الأوروبية التي مازالت تقف مترددة في بدائل حول إمدادات الغاز تحت ضغط وتحرك بريطاني لافت، بتلويحات شديدة اللهجة، كأنها تقول من خلالها لجميع الدول الأوروبية، بما فيها فرنسا التي ترأس الاتحاد الأوروبي وألمانيا أول قوة اقتصادية بالاتحاد، أنها الصوت الأقوى والأكثر تأثيرا، بل بوزن يضاهي الاتحاد الأوروبي نفسه.
الاتحاد الأوروبي خسر عضوا مميزا، لكن المشكل الكبير يكمن في الفراغ الذي تركته بريطانيا، ويقابله قلق بريطاني مترجم في دعواتها المتجددة حول اتباع أسلوب المرونة، من أجل حل المشاكل العالقة سواء ما تعلق بملف إيرلندا أو نقاط الخلاف حول الصيد وعدة محاور ذات طابع تشريعي بحت، ولا يخفى أن القلق الذي نتج عن بريكست متبادل بين الطرفين، لكن أوروبا تقبلت الأمر الواقع ومضت في مسار لا توجد فيه بريطانيا، بينما هذه الأخيرة مازالت تنفض عنها تراكمات ما خلفه بريكست وتحتاج بحسب تقديرات الخبراء إلى سنوات عديدة حتى تتجاوز التداعيات والأزمات الصغيرة التي ظهرت في عديد القطاعات مثل النقل واليد العاملة الماهرة وما إلى غير ذلك.