مع تصاعد المعارضة والغليان الإجتماعي

مـاكــرون في مـواجهـة ولايـة ثانيـة صعبة

صدقت توقعات استطلاعات الرأي، وفاز إيمانويل ماكرون في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية ضد مارين لوبان بنسبة 58.54٪ من الأصوات مقابل 41.6٪، وفقًا للتقديرات الأولى لوزارة الداخلية. وبرصيد 17 نقطة، حقق ماكرون فوزًا أكبر من المتوسط، لكنّه كان الأقل تاريخيا ضد مرشح من حزب التجمع الوطني.
بعد أسبوعين من التشويق، أصدر الناخبون الفرنسيون حكمهم وأعادوا تعيين متزعم حزب «الجمهورية إلى الأمام»، إيمانويل ماكرون، ذو 44 عاما لولاية ثانية وتحطم حلم اليمينية المتطرفة، مرشحة حزب «التجمع الوطني» مارين لوبان البالغة من العمر 53 عاما في الوصول إلى الإليزيه.
ولكن تبقى النتيجة أقل من تلك الخاصة بالاستحقاق الانتخابي لعام 2017، بعد سحقه منافسته بنسبة 66٪ مقابل 33٪.
الناخبون الفرنسيون اختاروا إذن إيمانويل ماكرون رئيسا للبلاد لولاية ثانية تمتد لخمس سنوات، ويُعتبر هذا الإنجاز «تاريخيا»، إذ إنّ ماكرون هو أول رئيس منتهية ولايته يُعاد انتخابه في ظل بلد منقسم بدون أن يكون رئيس حكومته من حزب مختلف منذ بدء اختيار رئيس الدولة بالاقتراع العام المباشر في 1962، وأيضا لأنه أول رئيس فرنسي يحظى بولاية ثانية منذ 20 عاما، وتحديدا منذ حقق ذلك الرئيس الأسبق جاك شيراك عام 200، وقبلهما كان ميتران قد حكم فرنسا لولايتين. وهنّأ العديد من زعماء العالم الرئيس المنتخب، في حين تنتظر ماكرون الكثير من الملفات الشائكة خاصة التي ترتبط بالأوضاع الاجتماعية لفئة عريضة من مواطنيه.
في مواجهة الانقسام
عقب فوزه بفترة رئاسية ثانية، أكد ماكرون ضرورة مواجهة الانقسام الذي ظهر في المجتمع الفرنسي، ووعد بأن يكون رئيسا لكل الفرنسيين قائلا :» سأعمل بقوة على تنفيذ برنامجي الانتخابي ومواجهة الانقسام الذي ظهر في المجتمع الفرنسي، وسأسهر على احترام كل شخص، ليكون هناك مجتمع عادل وللمساواة بين النساء والرجال، لا أحد سيُترك على هامش الطريق».
وأضاف أنّ «السنوات المقبلة ستشهد تحديات عدة وسنعمل سويا على مواجهتها».
كما أردف في خطاب النصر «أعلم أنّ عددا من المواطنين الذين صوتوا لي اليوم، ليس لدعم الأفكار التي أحملها ولكن لمنع وصول اليمين المتطرف» مضيفا هذا التصويت يلزمني للأعوام المقبلة، ولا بدّ من إعطاء أجوبة للذين دفعهم الغضب والاختلاف في الرأي للتصويت إلى أقصى اليمين».
وأشار إلى أهمية معرفة السبب الذي دفع عددا كبيرا من الفرنسيين لعدم التصويت، مبرزا «علينا التعامل بفعالية مع الإحباط الذي أصاب بعض الفرنسيين».
وشدّد ماكرون على أنّه سيعمل على «جعل فرنسا دولة بيئية عظيمة، وجعل أوروبا أكثر قوة».
أبرز الملفات
لا يمكن بالنسبة لماكرون الذي جدّد فيه الفرنسيون ثقتهم التراجع عن طموحه في تنفيذ خطط الإصلاح، لكن عليه أولا أن يعلن عن التشكيلة الحكومية التي ستكون من أولوياتها تأمين غالبية برلمانية في الانتخابات التشريعية المقبلة. ولعل من أبرز التحديات التي تواجه الرئيس الفرنسي في العهدة الثانية، وقف تراجع القدرة الشرائية لدى مواطنيه، وأيضا مشروع تعديل قوانين التقاعد وزيادة سنوات العمل، الذي يمضي فيه بالرغم من الجدل الذي أحدثته خلال ولايته الأولى. ويريد ماكرون أيضا وضع شروط على الرواتب الممنوحة للعاطلين عن العمل وفرض عدد من ساعات العمل عليهم كشرط للحصول عليها. وستشمل تعديلات ماكرون أيضا قطاعي الصحة والتعليم، فيما ستستحوذ الهموم البيئية على اهتمام خاص، وخارجيا، ستكون الحرب في أوكرانيا محط عمل الرئيس وفريقه.
لوبان تخسر معركة
من ناحيتها، أقرت لوبان بالهزيمة، في أول رد فعل لها على خسارتها الاقتراع في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
وقالت لوبان، إنّ حصولها على أكثر من 42%من الأصوات (بحسب النتائج الأولية) يعتبر «انتصارا كبيرا وساحقا»، مشدّدة على أنّها ستواصل العمل بكل قوة ضد سياسات إيمانويل ماكرون.
وذكرت لوبان، في كلمة أمام مناصريها مباشرة بعد إعلان النتائج الأولية: «حصولي على أكثر من 42% من الأصوات يعتبر انتصارا كبيرا وساحقا.. الملايين من المواطنين الفرنسيين اختاروا التغيير، وأشكرهم جميعا على ثقتهم ودعمهم».
وأضافت: «ليس لديّ أدنى شعور أو استياء، رغم الخسارة فإنّني أتمسك بالأمل، لأنّ هذه النتيجة تعكس عدم ثقة الشعب الفرنسي في السياسات الحالية».
وتابعت: «المعارضة ستكون قوية في فرنسا وسنواصل العمل ضد سياسات ماكرون من أجل دعم القدرة الشرائية ونظامنا الاجتماعي».
وأردفت لوبان قائلة: «معركتنا لم تنته وسنواصل العمل في الانتخابات البرلمانية المقبلة.. سنخوض معارك الانتخابات التشريعية ضد سياسات ماكرون، لأنّ مشروعه يمثل خطرا على فرنسا».
اليمين المتطرف
ووفقا لنتائج فرز الأصوات، يبدو أنّ لوبان حققت انتصارا كبيرا في مناطق وراء البحار، خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
وتصدرت لوبان النتائج في 3 مناطق ما وراء البحار هي: غوادلوب وغويانا ومارتينيك، حيث حصلت مرشحة التجمع الوطني على 69.6% من الأصوات في غوادلوب و60.87% في مارتينيك و54.73% في سان بارتيليمي، بحسب فرانس برس.
وفي غويانا، في أميركا الجنوبية، حصلت لوبان على 60.7% من الأصوات، و50.7% من الأصوات في سان-بيار-إيه-ميكلون وهو أرخبيل فرنسي في أميركا الشمالية، بحسب أرقام نشرتها وزارة الداخلية الفرنسية، مساء الأحد.
بالمقابل، تصدر ماكرون نتاج الاقتراع في الأراضي الفرنسية في المحيط الهادئ، بحصوله على نسبة 61% من الأصوات في كاليدونيا الجديدة و51.8% في بولينيزيا الفرنسية و67.4% في واليس وفوتون.
«الأصوات البيضاء»
يرى مدير معهد الاستشراق الأوروبي، إيمانويل ديبوي، أنّ الامتناع عن التصويت هو «الحكم الأكبر في الاقتراع الحالي».
ويوضح بالقول: «حصلت لوبان على حوالي 13 مليون صوت فيما ذهب صوت 17 مليون ناخب لماكرون. وغاب 13 مليون ناخب عن الاقتراع مع تسجيل أربعة ملايين «صوت أبيض»؛ ما يعني أنّ الفائز في هذه الانتخابات ليس ماكرون بل الذين لا يريدون لا مرشح حزب «الجمهورية إلى الأمام» ولا متزعمة «الحزب اليميني المتطرف».
وبحسب تقديرات متقاربة من أربعة معاهد استطلاع، بلغ معدل الامتناع عن التصويت 28٪، أيّ بزيادة 2.5 نقطة عن عام 2017 الذي سجل (25.44٪).
ويضيف المحلل السياسي،»كان تشويقا مصطنعا، لم يكن بإمكان حزب «التجمع الوطني» حسابيا أن يحقق نتيجة أفضل من النتيجة الحالية، مع بعض الأصوات المهاجرة من حزب «فرنسا غير الخاضعة» وأصوات أخرى كانت لصالح اليميني المتطرف، إريك زموز والجمهورية فاليري بيكريس».
اليسار والمفاجأة
ويعتبر، في المقابل، أنّ «الفائز والغائب الأكبر عن هذه الانتخابات هو اليساري جون لوك ميلانشون الذي حقق نجاحا مبهرا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ممّا يجعل منه منافسا مهما في الانتخابات التشريعية، في شهر جوان المقبل».
ومن جهة أخرى، يقول إيمانويل ديبوي «لا تتوقف لوبان عن اتهام جبهة الجمهوريين بإعاقة تقدم حزبها لكن الواقع يقول عكس ذلك. فبعد خمس سنوات، استطاعت تحقيق قفزة ملحوظة وحصلت على ثقة 13 مليون ناخب من أصل 49 مليونا. وهذا رقم مهم لا يمكن تجاهله لليمين المتطرف في فرنسا».
وهذا ما قالته لوبان بارتياح بعد إعلان النتائج «إنّه في حدّ ذاته انتصار مدوي. اختار الملايين من مواطنينا المعسكر الوطني».
معركة التشريعيات
وقبل أن تكتمل الصورة النهائية لنتائج الانتخابات الرئاسية، يبدو أنّ الجولة الثالثة قد انطلقت قبل أيام، وبدأ الاستعداد الفعلي للانتخابات التشريعية التي ستنظم ما بين 12 و19 من شهر جوان المقبل.
وهذا ما يؤكده المحلل الفرنسي ديبوي، بالقول: «لقد انطلقت حملة الانتخابات التشريعية مباشرة بعد صدور نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وذلك لتشكيل الحكومة الفرنسية لأنّ الأغلبية في البرلمان هي التي تحكم البلاد وليس الانتخابات الرئاسية. الرئيس يرأس والحكومة تحكم».
ويختم بالقول:»لتحقيق الأغلبية البرلمانية، يجب أن يحصل ماكرون على 289 مقعدا برلمانيا. وللإشارة، في عام 2017، كان حزب ماكرون لا يملك إلا 280 نائبا ومن المؤكد سيكون هذا العدد أقل بكثير في استحقاق هذه السنة».
العالم يرحّب
بمجرد إعلان نتائج الدورة الثانية من الانتخابات الفرنسية، بادر قادة العالم إلى تهنئة ماكرون بالفوز، وصدرت التهاني من معظم رؤساء العالم، حيث هنّأ الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الفرنسي، واصفا فرنسا بأنّها «شريك رئيسي في مواجهة التحديات العالمية».
كما هنّأ المستشار الألماني أولاف شولتس ماكرون على فوزه، معتبرا أنّ الذين صوّتوا له أرسلوا «إشارة قوية لصالح أوروبا».
وعلق رئيس الوزراء الإيطالي دراغي، في بيان رسمي، أنّ «انتصار إيمانويل ماكرون هو خبر رائع لكل أوروبا».
بدورهم، هنّأ قادة الاتحاد الأوروبي ماكرون، ورأى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أنّ أوروبا يمكنها «التعويل على فرنسا لخمسة أعوام إضافية».
من جهته، عبّر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، عن سروره بمواصلة العمل مع ماكرون، مؤكدا أنّ فرنسا هي أحد حلفاء المملكة المتحدة الأكثر قربا.
هذا، وهنّأ كل من الرئيسين الصيني والروسي، نظيرهما الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعادة انتخابه، رغم التوترات السائدة بين هذه البلدان في ضوء الحرب الأوكرانية.
 بدوره، هنّأ الاتحاد الأفريقي، أمس، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعادة انتخابه «الرائعة»، داعيا إلى مواصلة إقامة «علاقات متجدّدة ومفيدة للطرفين» بين فرنسا وأفريقيا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024