انتخب الفرنسيّون، أمس، رئيسهم وبات مهمّا الوقوف عند التحديات التي تنتظر الفائز، والذي بكلّ تأكيد سوف لن يكون دربه مفروشا بالورود بسبب التحديات الاقتصادية والمجتمعية والسياسية الداخلية والخارجية التي تنتظره منذ اليوم الأول لولايته التي تدوم خمس سنوات.
إنّ التحدي الأول الذي يواجه الفائز بالرئاسة الفرنسية، سيكون الحصول على أكثرية نيابية تكون قادرة على تمكينه من وضع برنامجه الانتخابي موضع التنفيذ.
ودرج المحللون السياسيون على تسمية الانتخابات التشريعية المقررة هذا العام في شهر جوان المقبل بـ «الجولة الانتخابية الثالثة» نظراً لمركزيتها وتأثيرها على الولاية الجديدة. ومن المعروف أن النظام الانتخابي الفرنسي الذي يجعل الانتخابات التشريعية تلي مباشرة الرئاسية يمنح الرئيس المنتخب دينامية سياسية لا يستهان بها، فإن هناك «رقماً صعباً» هذا العام اسمه جان لوك ميلونشون. ويريد الأخير الذي حصد ما يزيد على 7 ملايين ناخب وكاد أن يتأهل للدورة الثانية، أن تكون «الجولة الثالثة» مطيته لرئاسة الحكومة، وهو ما قاله صراحة. وعملياً، يأمل ميلونشون الذي يفاوض حزبه (فرنسا المتمردة) أحزاب اليسار لتشكيل لوائح موحدة تضم - إلى جانبه - «الخضر» والشيوعيين، وربما الاشتراكيين، وبقية التشكيلات اليسارية، بحيث تمثل الرافعة التي ستقلب المشهد السياسي.
وفي أي حال، فإن فرنسا مقبلة على إعادة تشكيل المشهد السياسي، نظراً لضعف الأحزاب التاريخية، وبروز كتلتين متساويتين إلى حد كبير، لليمين المتطرف ولليسار المتشدد، وبينهما كتلة وسطية واسطة عقدها ماكرون وحزبه ومن يلتف حوله.
إعادة اللّحمة إلى المجتمع
من هنا، فإن التحدي السياسي الأول الذي سيواجه الرئيس الجديد إعادة اللحمة إلى المجتمع الفرنسي، وخفض التوترات التي تحيط به، وثمة من يؤكد، منذ ما قبل النتائج، أنّ هزات جدية تنتظر البلاد مهما تكن هوية الرئيس الجديد، وأن كل المكونات الضرورية جاهزة لاندلاع احتجاجات على غرار «السترات الصفراء» التي تفجرت في عامي 2018 و2019.
صعوبات اقتصادية
تشكّل الصعوبات الاقتصادية عائقاً كبيراً بوجه الوافد الى الإليزيه، نظراً لتراجع القدرة الشرائية للمواطن؛ خصوصاً الشرائح الاجتماعية الأقل يسراً، وارتفاع التضخم، وغلاء الأسعار. وما يزيد الأمور تعقيداً أن النمو الاقتصادي سيتراجع وسيتقلص من 4 إلى 2 في المائة. وبيّنت دراسة لمعهد «ريكسكود» أنّ التضخم الذي وصل إلى 4.5 في المائة في شهر مارس الماضي، سوف يحقق أرقاماً قياسية هذا العام، بينما تجاوزت ديون الدولة الفرنسية 112 في المائة من الناتج الداخلي الخام. ووصل العجز التجاري إلى نسبة 6.5 في المائة من الناتج المحلي بحلول نهاية عام 2021.
وفي أي حال، فإنّ الوعود التي تدفقت على الناخبين في الأسبوعين الأخيرين على المستوى الاقتصادي ستكون صعبة التنفيذ، وبالتالي ستفضي إلى خيبات حقيقية.
في مواجهة أزمات الخارج
بيد أنّ الصّعوبات ليست فقط داخلية، وإنما خارجية أيضاً، ففرنسا تمارس حتى نهاية شهر جوان المقبل رئاسة الاتحاد الأوروبي، ما يجعل إحدى مهمات رئيسها الفائز بسباق الاليزي، السعي للمحافظة على وحدة الأوروبيين إزاء الحرب الروسية على أوكرانيا، والعلاقات مع الولايات المتحدة، وكذلك مع الحلف الأطلسي؛ بيد أن التشققات ازدادت أوروبياً.
وخلال السنوات الخمس المقبلة سيجد الرئيس الفرنسي المنتخب نفسه أمام العديد من القضايا الدولية التي يجب التعاطي معها (ليبيا، السودان، لبنان، العراق، النووي الإيراني، أوكرانيا، والعلاقة مع روسيا والولايات المتحدة...كما سيواجه التحديات التي يفرضها الوجود الفرنسي في منطقة الساحل والحرب على التنظيمات الإرهابية والعلاقات مع أفريقيا بشكل عام. ومجموع هذه العناصر يشكل تحديات جدية للدبلوماسية الفرنسية.