بعد عامين ونصف من تفجّر الوضع في دولة مالي إثر الانقلاب الذي قاده النّقيب “أمادو سانوغو” في ٢٢ مارس ٢٠١٢ للاطاحة بالرئيس “أمادو توماني توري”، استطاعت هذه الدولة التي وقعت فريسة للعديد من التّنظيمات الارهابية والاجرامية والانفصالية، أن تستعيد بعض استقرارها السياسي عبر صناديق الاقتراع، حيث انتخب الماليون الرئيس “إبراهيم أبوبكر كيتا» رئيسا في أوت الماضي، وجرت استحقاقات تشريعية بين ٢٤ نوفمبر
و١٥ ديسمبر ٢٠١٣، تمخّض عنها تشكيل حكومة تضمّنت لأول مرة وزارة للمصالحة الوطنية وتنمية المناطق الشمالية، على اعتبار أنّ هذه المناطق تشكّل مصدر وجع وإزعاج أمني كبير، وتحتاج اهتاماما ورعاية خاصّتين.
في ظرف ٢٨ شهرا، أعادت دولة مالي بناء مؤسسات الحكم، كما نجحت بفضل التدخل العسكري الفرنسي في ١١ جانفي ٢٠١٣، في انتزاع العديد من المدن من بين مخالب الارهابيين، كتميكتو وغاو، لتبقى مناطق أخرى في أقصى الشّمال ككيدال بين قبضة مجموعات انفصالية خارج السّيطرة، وتحت رحمة العنف المزمن الذي غيّب الأمن وتسبّب في نزوح مزيد من المدينيّين، نراهم للأسف الشديد مشرّدين هائمين على وجوههم في ظل ظروف إنسانية مأساوية، ودون أن يلتفت إلى معضلتهم أحد.
لقد أدرك الرّئيس كيتا منذ البداية حجم التحدي الأمني الذي تواجهه دولة مالي، وتأكّد بأنّ إخراج البلاد من أتون الفوضى والعنف والتهديد الذي يطال الوحدة الترابية، يمرّ حتما عبر المصالحة ومن خلال مسلك الحوار، لكن تحقيق هذه الرغبة ليس بالسهولة التي يمكن تصوّرها، وقد كان ضروريا لطرف ثالث أن يتدخّل ويمدّ يد المساعدة ليزيل العقبات ويحلّ العُقد بهدف واحد وهو تحقيق الأمن والاستقرار مقابل وضع حد لتهميش الشمال، وإقرار حركة تنموية شاملة فيه، مع إشراك مواطنيه في مؤسسات الحكم.
ولم يكن هنالك من وسيط حيادي ونزيه يمكنه أن يؤدّي هذه المهمّة الشّاقة والاستعجالية غير الجزائر، التي تحظى بتقدير كبير لدى الشعب المالي الذي يثق في مساعيها ويقدّر جهودها، وهي التي سعت في العديد من المرات إلى التوسط بين الماليين (١٩٩٠ و١٩٩٦) وانبثق عن وساطتها اتفاقيات كانت تجهض للأسف الشديد.
صحيح أنّ دولة مالي تواجه تحديا أمنيا صعبا، لكن اختيار طريق الحوار والمفاوضات بمساعدة وسيط حيادي ونزيه كالجزائر، سيزيل حتما فتيل التوتر ويقرّ أرضية تفاهم تعيد الاستقرار للبلاد والأمن للمنطقة، التي تعيش على صفيح ساخن، ويزيل كل الذّرائع التي يضعها البعض لفرض تدخّلات عسكرية مشبوهة ومشكوك في خلفياتها.
إبعاد شبح الانفصال والارهاب
فضيلة دفوس
شوهد:655 مرة