يوميات مسلمي جمهورية إفريقيا الوسطى خلال الشهر الفضيل

جوع ورعب... وآمال في السلم والتسامح

حمزة محصول

كانت التعددية والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، الميزة الأهم للزمن الجميل في جمهورية إفريقيا الوسطى، وكان لكل طائفة أن تمارس شعائرها الدينية والروحانية في كنف الهدوء والسكينة والتسامح مثلما تقتضيه الأصول، قبل أن تأتي الحرب في السنة الأخيرة على كل شيء.
للعام الثاني على التوالي، يحل شهر رمضان على المسلمين في جمهورية إفريقيا الوسطى وسط أجواء من الحرب والاقتتال الطائفي، وربما يعتبرون هذا العام الأكثر قساوة مقارنة بما كان عليه الحال سابقا. فالعدد القليل ممّن أصروا على البقاء ببعض أحياء العاصمة بانغي، رغم آلة القتل والتنكيل، يواجهون إلى جانب الجوع وندرة الغذاء ومشقة الصوم، خطر الموت في أي لحظة. ورغم بوادر الفرج القليلة التي لاحت في سماء العاصمة خلال الأسبوعين الماضيين، بعد مبادرة الاتحاد الإفريقي، القاضية بعقد ندوة دولية بالعاصمة الكونغولية برازافيل، إلا أن تجدد أعمال العنف وشن هجمات منتظر في أية لحظة.
وذكرت عديد التقارير الصحفية المحلية، أن المسلمين في بانغي، على قلتهم، يريدون تمضية الشهر الفضيل في هدوء ووئام، بل ويريدون التسامح وفقا لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ولا يعتقدون بوجود أي صراع ديني في جمهورية الألماس، بل يرون أنه لعبة سياسية قذرة راح ضحيتها المواطنون البسطاء من المسلمين والمسيحيين، على حد السواء، وتبرأوا من هجوم شنّه مجهولون على إحدى الكنائس في الأيام القليلة الماضية وأدانوه بلهجة شديدة.
أما من فر من بانغي نحو وجهة مجهولة من الطائفة المسلمة، شهر ماي الماضي، بعدما تأكدوا من استحالة العيش في شارع وحي واحد مع المسيحيين، جراء ما حدث من أعمال الإبادة الجماعية والتنكيل بأشلائهم، فيقضون رمضان في أماكن جديدة وظروف صعبة.
ولعل نقص التموين بالمواد الغذائية وارتفاع ما يتدفق من الكاميرون إلى الأسواق، يضاعف المعاناة ويدفع إلى دق ناقوس الخطر لتقديم يد العون والمساعدة من قبل المنظمات الدولية. ولا يجد مسلمو إفريقيا الوسطى سوى الصبر والتضرع إلى الله ليرفع عنهم المحنة وعودة الأمن ونبذ السلاح بين الطرفين المتصارعين.
في مقابل ذلك، عرفت الوضعية الأمنية تدهورا جديدا، دفع ثمنه جنود القوة الفرنسية «سانجاريس» الموجودة على الأرض، حيث أصيب 15 منهم، ما اضطر وزير الدفاع الفرنسي، جون يابس لودريان، إلى التوجه نحو بانغي وبعدها بامباري في زيارة خاطفة لتفقد الأوضاع عن قرب، والتأكد في ذات الوقت أنها لم تعرف طريقها إلى التحسن وما الهدوء الذي يحدث من حين لآخر إلا فتور لاستعادة الأنفاس والاستعداد لموجات جديدة من العنف الطائفي بين تنظيمي «السيليكا» الذي أطاح بالرئيس السابق فرنسوا بوزيزي و»الأنتي بالاكا» الذي يُعتقد أنه الأول فيما آلت إليه البلاد.
ويتساءل مواطنو هذه الدولة التعيسة، ما إذا كان القتال بين الفئتين سيستمر إلى الأبد، ويرون أنه لا خيار لهم في إعادة ترتيب أوراق الدولة إلا بترك الأسلحة جانبا، لكن هذه الأصوات لا تجد لدى السيلكيا الذين أعلنوا عن قيادة جديدة لمليشياتهم، والانتي بالاكا الذين تفنّنوا في قتل المسلمين صدى بسب انهيار الثقة وتنامي الحقد الدفين والضغينة.
وكان حريا برئيس حكومة جمهورية إفريقيا، أن يطلب هدنة بمناسبة شهر رمضان الفضيل والدعوة خلالها إلى تقريب المواقف المتباعدة لوضع أرضية أولية للتفاوض، بدل الدعوة إلى إبرام وقف لإطلاق النار بمناسبة كأس العالم الجارية وقائعها بالبرازيل. ففي غرة الشهر الفضيل، ارتفع الاقتتال بشكل مفاجئ وسقط 70 قتيلا في ظرف ثلاثة أيام. ومن المهم العمل على رفع مكانة الدين والتعريف بقيمه وما يحث عليه لنشر السلم والسكينة.
لكن وبالنسبة لكثيرين في هذه البلاد، لا يعدو شهر رمضان أن يكون مرحلة زمنية من معاناة المسلمين، لا تختلف عن مشاق باقي أشهر السنة مع اختلاف طفيف فرضته روحانية الشهر.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024