يبدو أن الاختلالات التي بني عليها الاقتصاد العالمي جعلت هذا الأخير وسيلة تكرس زيادة غنى الأغنياء وإبقاء الدول الضعيفة في دوامة الفقر ومسلسل التبعية المزمنة للدول المهيمنة التي تسيطر على الصناعة والتجارة والمال في هذا العالم، الذي لم يعد السواد الأعظم فيه يقبل بهذا الظلم المفضوح ويطالب بإعادة النظر في تلك الاختلالات التي أصبحت تكرس سياسات النهب والاستغلال التي تنتهجها دول الشمال في حق دول الجنوب.
إن الدعوة إلى إعادة النظر في الاقتصاد العالمي السائد والمطالبة بآخر جديد، لم تكن وليدة قمة مجموعة 77 + الصين في بوليفيا يومي 14 و15 جوان الجاري، حيث كانت الجزائر قد طالبت بذلك قبل أربعين سنة خلت، بل كانت أول من دعا إليه، خاصة في الشق المتعلق بالموارد الطبيعية الأولية التي تمتلك دول الجنوب مخزونا كبيرا منها دون أن يعود عليها ذلك بالفائدة، بل بالعكس تماما تحول إلى نقمة، فقد جعلها غناها الطبيعي هدفا للحملات الاستعمارية المختلفة ثم فريسة لميكانيزمات الاستغلال والنهب التي كرستها الامبريالية العالمية لمرحلة ما بعد الاستعمار.
إن الدول الكبرى لم تدخر جهداً في سبيل إبقاء الدول المتخلفة على تخلفها والاستفراد بالتفوق والعظمة التي جنتها من تخلف تلك الدول عبر مرحلتين أساسيتين: الأولى، من خلال استغلال خيراتها وثرواتها. والثانية، عبر تسويق منتجاتها في تلك الدول المجبرة على اقتنائها تحت طائلة الحاجة في شكل مواد مصنعة أو نصف مصنعة وهي بذلك حرمت من كل حلقات التصنيع والتكنولوجيا التي تريد الدول الكبرى أن تبقى حكراً عليها ولا تريدها أن تنتقل إلى خارج النادي الصناعي العالمي الذي تشكله مجموعة قليلة من الدول التي تختلق في كل مرة حججا واهية لوقف نمو الدول الناشئة ومن أهمها الأسباب البيئية والمناخية. علما أن السبب الرئيسي للتلوث البيئي والاحتباس الحراري وكل الآفات الأخرى الدول الصناعية الكبرى ذاتها التي تحاول اليوم أن تجعل من الملف حصان طروادة لوقف التقدم الصناعي للآخرين بعدما انتهت هي من هذا المسار.
إن البيان الختامي لقمة 77 المنعقدة ببوليفيا والذي يدعو إلى تجند الجميع والتزامهم في مجابهة اللامساواة وحماية البيئة وسيادة الدول على ثرواتها الطبيعية وإلى إصلاح الأمم المتحدة والمطالبة بنظام اقتصادي جديد أكثر عدالة، من حيث المبادلات التجارية والمنظومات المالية، شكلت دائما محاور رئيسية في كل القمم التي عقدتها الحركة منذ إنشائها وعودة هذه المشاكل إلى الواجهة في كل قمة تعقد، تؤكد أنها لم تجد طريقها إلى الحل، الشيء الذي يفرض على هذه الكتلة إعادة النظر في الأساليب والاستراتيجيات المنتهجة لتكون فعاليتها تتناسب مع حجمها. علما أنها تشكل 77 من المائة من سكان الأرض أي السواد الأعظم، كما تحتل 43 من المائة من الاقتصاد العالمي.
إن محاربة الفقر وتحقيق أهداف الألفية تمر أساسا بإعادة النظر في الاقتصاد العالمي السائد الذي يكرس إفقار الفقراء أكثر وما الحديث حول القضاء على آفة الفقر في العالم إلا هروبا إلى الإمام من معضلة حقيقية وهي أن الاقتصاد السائد في هذا العالم هو ما سيجهض كل مجهودات القضاء على هذه الآفة، التي يكرسها ويعمل على بقائها، وهنا تبدو الأولوية ليس في مكافحة الفقر ولكن في تغيير الاقتصاد العالمي السائد أولا.
محاربة الفقر يتحقق بتغيــير النظـام الاقتصادي العالمي
أمين بلعمري
شوهد:636 مرة