أصبح ملف المقاتلين الأجانب في سوريا معضلة حقيقية تقضّ مضجع الدول الأوربية، خاصة بعد بداية توافد أولئك المقاتلين على بلدانهم الأصلية، علما أن الكثير منهم من جنسيات أوروبية مختلفة، ما يعني أن كل الدول الأوربية معنية بالتهديد الذي يشكله أولئك (العائدون) على الأمن في بلدانهم، خاصة وأن الكثير منهم تلقوا تكوينا عسكريا مكثفا في مراكز التدريب التي أقامتها الدول الغربية نفسها في الدول التي لديها حدود مع سورية، وخاصة تركيا، وتشبعوا بعد ذلك بالأفكار الأكثر راديكالية بعد الزّج بهم في الداخل السوري لمحاربة النظام في صفوف الحركات الإرهابية الأكثر عنفا ودموية.
الاتحاد الأوربي وأمام هذا المعطى، عقد الخميس اجتماعا في لكسمبورغ، بهدف تضييق الخناق على التهديدات الإرهابية المحتملة التي يشكلها المواطنون الأوربيون العائدون من معسكرات الجماعات الإرهابية المقاتلة في سوريا، وخاصة جماعة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروفة اختصارا بـ«داعش” والمرتبطتان عضويا بتنظيم القاعدة. وقد شكلت حادثة الهجوم الذي استهدف المتحف اليهودي ـ وسط العاصمة البلجيكية بروكسل مؤخرا ـ والتي اتهم فيه الفرنسي محمد نموش، وهو أحد العائدين من سوريا بعد أن قضى أكثر من سنة هناك، وهذا حسب ما أكده جيل دوكورشوف، المنسق الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب.
هذا، وخلال اجتماع ضم تسعة وزراء داخلية لدول الاتحاد الأوروبي، وهي: فرنسا، بلجيكا، ألمانيا، المملكة المتحدة، إسبانيا، إيطاليا، السويد، الدانمارك والنمسا اتخذ وزراء داخليتها خلاله تدابير تتعلق على وجه الخصوص بتحديد أولئك الأفراد واتخاذ إجراءات وقائية في هذا الشأن وتبني أساليب ردعية، وهي تدابير من شأنها تعزيز احتمالات التعرف على الأفراد الذين يحتمل التحاقهم بسوريا وعرقلة ذلك بكل الوسائل وإشعار الدول الأخرى للاتحاد بذلك، كما تتضمن الإجراءات المتخذة متابعة ومراقبة أولئك العائدين والتحقيق معهم لدى عودته.
الأكيد أن أولئك العائدين لم يعد تهديدهم يقتصر على سلم أوروبا وحدها، ولكن السلم الدولي كذلك، بالنظر إلى العدد الهائل للذين دخلوا إلى سوريا لمحاربة النظام في صفوف المعارضة التي سيطرت عليها الجماعات الإرهابية، الشيء الذي جعل الدول الغربية نفسها تعيد النظر في دعمها لتلك المعارضة ـ التي تحولت إلى معارضة متعددة الجنسيات ـ كما أعادت النظر في معسكرات التدريب التي أقامتها أجهزتها الاستخباراتية في تركيا لشباب تم تجنيدهم عبر أنحاء العالم، تمّ الزج بهم في أتون الحرب السورية كوقود من أجل خدمة أجندات جيوإستراتيجية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، خاصة وأن عدد أولئك المقاتلين الأجانب في سوريا يقدر بالآلاف، وهنا يظهر ـ بوضوح ـ نفاق الدول الأوروبية التي كان بمقدورها تفادي هذه المعضلة، لو أنها اتخذت هذه الإجراءات في وقتها المناسب والجميع يتذكر كيف أن هذه الدول نفسها غضت الطرف على الخلايا النشطة والنائمة في أوربا سنوات التسعينات، عندما كانت تدعم سرا وعلنا المجازر التي كانت ترتكبها الجماعات الدموية في الجزائر، وكان ذلك بمبرر الديمقراطية والحرية.