بعد التصويت على السلطة التنفيذية الليبية الجديدة يكون الفرقاء قد أنهوا معركة طويلة في مسار حل الأزمة السياسية، وتأكد أن مقاربة الحل كانت في حوار ليبي-ليبي. وقبل عشرين يوما أمام المسؤولين الجدد وقت قصير لمواجهة التحديات الراهنة، وعلى رأسها إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة.
أولويات كبيرة تقف أمام السلطة التنفيذية الليبية المؤقتة لتعبيد الطريق نحو آخر محطة لإنهاء الأزمة بتنظيم الانتخابات نهاية العام الجاري. ويعتبر ملف تفكيك الميليشيات وإخراج المرتزقة أكبر امتحان للمجلس الرئاسي ورئيس الحكومة، اللذين لقيا ترحيبا محليا ودولي واسعا، نظير المسؤولية في تولي هذه المرحلة من تحقيق سلام نهائي.
وتتبادر إلى الأذهان أسئلة عديدة تتعلق أساسا بترتيبات السلام المنشود، الذي طال أمده وأرق الوصول إليه مضاجع الليبيين. ومن بين الاشكاليات التي تطرح اليوم تلك المتعلقة بمصير الميليشيات المتناحرة المدججة بكافة أنواع الأسلحة، والتي اعتادت عناصرها على نمط معين من الحياة طيلة ما يقارب العقد من الزمان.
ومن المؤكّد أن تبحث السلطة التنفيذية الجديدة كيفية التعامل مع القوات الأجنبية والمرتزقة، وتسعى إلى تحقيق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر الماضي في سويسرا، كما أن اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 دعت إلى تنفيذ بند خروج القوات الأجنبية بشكل عاجل في اجتماعها الأخير الجمعة، وتزامن ذلك مع مصادقة مجلس الأمن الدولي على مقترح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تشكيل ونشرالمراقبين الدوليين.
مصالحة وضمانات أولية
أكّد رئيس الحكومة الانتقالية عبد الحميد دبيبة على تمسكه بمبدأ الشفافية والوضوح ومنع الإقصاء والتهميش، ودعم أدوات الحكم المحلي وإشاعة ثقافة حرية الرأي والتعبير، ونبذ خطاب الكراهية والتحريض.
وشدّد دبيبة، في أول كلمة مسجلة له بعد الفوز، على التزامه بتوثيق علاقات التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، وتطوير علاقات الأخوة مع دول الجوار في كنف الاحترام، بما يخدم المصلحة الوطنية وتحقيق مستهدفات المرحلة وتعزيز السيادة على القرار الوطني، داعيا كافة الدول دون استثناء لتكون شريكا في تحقيق الاستقرار في المنطقة من خلال المساهمة في وجود ليبيا كدولة مستقرة سياسيا وأمنيا واقتصاديا.
خارطة الطّريق
تقدّم دبيبة بالتهنئة لكل الليبيين على التوافق على خارطة طريق سياسية جديدة، لكي تكون مسارا لإنهاء النزاع والوصول لانتخابات على أسس ديمقراطية تنهي المراحل الانتقالية وحالة الانسداد السياسي والانقسامات التي أنهكت الدولة الليبية، وفق تعبيره.
كما تقدّم رئيس الحكومة الانتقالية بالشكر لكل من ساهم في هذا الاستحقاق، وعلى رأسهم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وأعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي. وقال «إنّ فوزنا يتجاوز مسألة انتصار قائمة بذاتها إلى ما هو أكبر، إذ يمثل رمزية لانتصار الوحدة الوطنية ولم الشتات وبناء السلام وتحقيق الديمقراطية المنشودة».
وأضاف دبيبة «لقد ترشّحت لمنصب رئيس الحكومة لأنني على يقين أننا قادرون بسواعد شبابنا ونسائنا ورجالنا على الرقي بالوطن ومعيشة المواطن، وطي صفحة الماضي، والتأسيس لدولة المستقبل». وأكّد استعداده للاستماع للجميع والعمل مع الجميع باختلاف أفكارهم ومكوناتهم وأطيافهم ومناطقهم من أجل الوطن، قائلا «إنّ الوطن يستحق منا هذا التعاون». وأكد التزامه التعاون بإيجابية مع المجلس الرئاسي وكل مؤسسات الدولة السيادية من أجل رفع المعاناة عن المواطن وتحسين جودة الخدمات، وفق قوله، وشدّد على حرصه الإيفاء بالتزاماتهم تجاه الاستحقاق الانتخابي والدستوري كما تنص عليه خارطة طريق المرحلة التمهيدية، مشيرا إلى سعيهم لدعم دور المرأة وإتاحة الفرصة أمام الشباب للإسهام في جهود بناء الدولة.
وخاطب دبيبة الشعب بلغة شفافة وصريحة بأنّ الفشل في هذه المرحلة ليس خيارا، فالوطن أمانة الشهداء والأبرار والآباء المؤسّسين، ونحن مسؤولون عنها جميعا، داعيا الجميع دون استثناء إلى الالتفاف حول الحكومة وبداية العمل الجاد لإعادة بناء البلاد على أساس صلب يرتقي لطموحات وتضحيات الشعب الليبي».
وأمام دبيبة 20 يوما لتقديم تشكيلة حكومته إلى مجلس النواب من أجل منحها الثقة، وفي حالة تعذر ذلك يتم تقديمها لملتقى الحوار الوطني. وستتولى القائمة الفائزة في التصويت، إدارة شؤون البلاد مؤقتا، حتى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر.
كما أنّ رعاة الحوار الليبي أمامهم تجارب عديدة سابقة في التعامل مع الميليشيات، يمكن الإستئناس بها في عملية حل مشكلة الميليشيات المسلحة. وتثبت التجارب المقارنة أنه وخلافا للأفراد المنتمين إلى هذه التنظيمات المسلحة، فإن زعماء الميليشيات يمكن الحسم معهم بسهولة اعتبارا لمحدودية أعدادهم، وأيضا لأن الأطراف الخارجية التي يوالونها والتي ستكون طرفا فاعلا في المفاوضات ستضمن لهم مواقع في المشهد السياسي المتشكل وامتيازات عديدة، وسيؤمنون هم بالمقابل لهذه القوى مصالحها السياسية والاقتصادية.
عبد الحميد دبيبة..في سطور
ولد المهندس ورجل الأعمال الثري عبد الحميد دبيبة عام 1959 في مصراتة الواقعة على بعد 200 كلم شرق طرابلس، وانتُخب دبيبة البالغ من العمر 61 عاما رئيسا للوزراء للفترة الانتقالية في ليبيا، وسيقود بلاده إلى غاية تنظيم انتخابات عامة مقررة نهاية العام. يذكر أن عبد الحميد دبيبة متزوج وأب لستة أبناء، ويحمل شهادة ماجستير في تقنيات التخطيط والبناء من جامعة تورونتو الكندية.
وتولى إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار، وبنى دبيبة ثروته من مجال البناء ليصبح أحد أنجح رجال أعمال مصراتة، وترأّس عبد الحميد دبيبة أيضا جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، وهي هيئة استثمار عامة ضخمة مكلفة تحديث البنى التحتية الليبية، بعد أحداث2011، أسّس عبد الحميد دبيبة حركة ليبيا المستقبل مقتحما الساحة السياسية.
وينظر إلى البرنامج الذي اقترحه قبيل انتخابه، طموحا بالنسبة لفترة انتقالية ستدوم عشرة أشهر، وينتظر أن تخرج البلاد من عشرة أعوام من الفوضى وصولا إلى انتخابات تشريعية ورئاسية في شهر ديسمبر المقبل.