عمليـة نزع سـلاح المجموعـات المسلّحـة لم تتـم بالشّكل الصّحيـح والتّـوتر سيـــّد المــوقف
اعتلت جمهورية إفريقيا الوسطى صدارة المآسي الإنسانية في السنتين الأخيرتين، وانحدرت إلى أسفل درجات التخلف والفقر بالاضافة إلى ندرة الأغذية والنمو الاقتصادي الضعيف. لقد عرفت هذه الدولة انهيارا كليا وسويت جميع مقوماتها وأركانها بالأرض، ولم يعد هاجس الخوف من الانقسام قائما وإنما بات الخوف كله على مصير شعب بأكمله مشتّت ومشرّد.
قدّرت الرئيسة الانتقالية لجمهورية إفريقيا الوسطى، كاترين سامبا بانزا، أنّ عملية نزع سلاح المجموعات المسلحة ببلادها من طرف القوات الدولية لم تتم بالشكل اللازم، متفادية بذلك القول بصريح العبارة، أنّها «باءت بالفشل الذريع»، والحقيقة، أنها كانت عديمة النفع والفائدة منذ اليوم الأول الذي وطأت فيه أقدام 1600 جندي فرنسي العاصمة بانغي، شهر ديسمبر الماضي في إطار مهمة «سنجاري».
قبل التدخل العسكري قال رئيس الدبلوماسية الفرنسية، لوران فابيوس، أنّ باريس تريد التصدي لعمليات تطهير عرقي، وسطّر إعادة العمل بالدستور ونزع أسلحة المليشيات كهدفين رئيسيين. لكن النجاح الوحيد لهذه القوات كان بتاريخ 28 أفريل 2014، عندما أمّنت عملية ترحيل أزيد من 1200 مسلم من ديارهم ببابغي إلى وجهة تقيهم بطش المسيحيّين، مؤمّنة بذلك يوم الفصل التام بين المسلمين والمسحيين، بعدما عاشوا بسلام جنب إلى جنب وتعايش لسنوات وعقود طويلة، وتنذر كل المؤشّرات العالية للضغينة والكراهية باستمرار النزاع والاقتتال الجماعي، على الرغم من أنّه نتج عن عوامل أخرى لا علاقة لها بالدين.
إنّ من يقلّب صفحات تاريخ جمهورية إفريقيا الوسطى، منذ تحررها من الاستعمار الفرنسي عام 1962، يجد ترسيخا لأسوء عادات التنافس على السلطة، فالانقلابات العسكرية كانت الوسيلة الوحيدة لاستبدال زعيم بآخر بداية من منجون بيدل بوكاسا (1964)، دافيد داكو (1979)، آندري كوليغبا (1981) وصولا إلى فرنسوا بوزيزي (2003) والذي أطيح به بانقلاب في 2012 من قبل تنظيم السيليكا، ولم تعرف سوى رئيسا منتخبا واحدا هو آنج فيليكس باتاسي (1993).
ظلّت الميلشيات المسلّحة والمرتزقة والعصابات المسيطرة على النّشاطات المنجمية، لسنوات طويلة وإلى غاية الآن الحاكم الفعلي للبلاد، وأحد العوامل الرئيسية في حدوث الانقلابات العسكرية، وضيّعت البلاد على نفسها فرص بناء إقتصاد قوي، بدليل غياب البنى التحتية ووسائل المواصلات لاستغلال الموارد الباطنية كالألماس واليورانيوم والنفط. وتفيد بعض التقارير أن أزيد من 100 ألف عامل في التنقيب عن الذهب والأحجار الكريمة، يعملون تحت إشراف المرتزقة الذين تحولوا إلى رجال أعمال، وساسة نافذون من داخل وخارج البلاد، وعصابات المتمردين الذي يشتكون من التهميش وغياب العدالة في توزيع الريع في شمال البلاد الذي يزخر بهذه الموارد.
كما أضاعت البلاد على نفسها فرصة بناء جيش وطني قوي يسهر على تأمين الحدود والتصدي لكل التّهديدات الأمنية، وتمّ إضعافه وتكوينه على أسس عرقية تفاديا للانقلابات التي لا مناص منها، وتستند غالبا مهام تسيير الملفّات الأمنية لفرنسا التي تحرص على سلامة رعاياها ومصالحها، فاستشراء النظام المافياوي المنتهج في التسيير جعلها تحتل ذيل التّرتيب العالمي ضمن أفقر الدّول، وتملك ما يزيد عن 55 بالمائة كنسبة الأمية من أصل 4 ملايين مواطن ولا يزيد معدل العمر عن 50 سنة.
وتكالبت عليها في المقابل عوامل خارجية، كالجوار الإقليمي المضطرب، واتّهام أطراف أجنبية بتمويل متمرّدي السيلكا، ومحاولة السيطرة على مداخيل الموارد الباطنية، كل هذه العوامل كانت وقودا للأزمة الخطيرة الأخيرة التي امتدت إلى النسيج الاجتماعي، فدمّرته وأجّجت الضّغينة والبغضاء بين المسلمين والمسيحيين.
وأصبحت بذلك جمهورية إفريقيا الوسطى نقطة سوداء في قلب القارة، تبدو خيوط الحل فيها بالية جدا بالنظر إلى الأبعاد المتعددة والمعقّدة التي أخذها الصّراع، فبعد كل الذي حدث هل يمكن أن تنجح مصالحة وطنية؟ وهل يمكن فعلا بناء نظام ديمقراطي بالبلاد؟ وكيف يتم التخلص من العوامل الدّخيلة والمافياوية التي تسيطر على مصادر الموارد الأولية؟
كلّها أسئلة عن تحديات حقيقية تواجهها البلاد، وتتطلّب جهود جبّارة من قبل المجموعة الدولية.