يقيّم د ـ فيليب هيغون مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والاستراتيجية، مدى نجاعة تدخل فرنسا عسكريا في جمهورية إفريقيا الوسطى، ويعتقد أنّ الصّراع على الموارد الباطنية من بين العوامل المسبّبة للأزمة، ويتفاءل بامكانية تحقيق مصالحة بين المسلمين والمسيحيين في البلاد.
❊ «الشعب»: استمرت أعمال العنف والاقتتال الطّائفي في جمهورية إفريقيا الوسطى، رغم نشر ما يقارب 2000 جندي فرنسي و6000 عنصر تابع لقوات حفظ السلام (ميسكا)، هل يمكن القول أنّ التدخل العسكري فشل في تحقيق الأهداف المسطّرة؟
❊❊ د ـ فيليب هيغون: أعتقد أنّ قيام فرنسا بعملية «سنجاري» ونشر 2000 جندي في العاصمة بانغي، إلى جانب القوات الإفريقية التي وضعت في إطار مهمة أممية، قلّل من حجم الكارثة الإنسانية النّاجمة عن الاقتتال العرقي والديني، ولو لم يكن هناك تدخلا لكانت الحالة أكثر سوءا ربما، لكن علينا القول عجزت عن معالجة القضية والتكفل برهان الأمن، ووجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع قوات الآنتي-بالاكا، بعدما كانت منوطة بمهمة بسط السلام ونزع الأسلحة، ومساعدة البلاد على إعادة ترتيب أوضاعها.
ويمكن إرجاع هذا الفشل النّسبي إلى صعوبة السّيطرة على المليشيات المسلّحة المتموقعة في الشمال، في ظل الحديث عن دعم التشاد لها، وتشكلّها من عناصر قادمة من السودان والتشاد وغيرها من الدول الشمالية، فنقول أنّ فرنسا خاصة قلّلت الأضرار ولم تعالج المشكلة. وحتى لو تمّ نشر 10 ألاف عنصر من قوات الأمم المتحدة لن تنجح لأنّ الأوضاع في غاية التّعقيد.
❊ من بين ما يتحدّث عنه في تشخيص مسبّبات الأزمة في جمهورية إفريقيا الوسطى في ظل سيطرة المرتزقة والمتمردين على مصادر استغلال الموارد الأولية، من داخل وخارج البلاد، ألا ترون أنّها دولة إفريقية أخرى تذهب ضحية تكالب خارجي على الموارد؟
❊❊ غالبا ما كانت الانقلابات العسكرية في هذه البلاد السبب الرئيسي في دوامة عنف تمتد لسنوات طويلة، وصحيح هناك صراع على الموارد الباطنية ومحاولة تأمين الشريط الحدودي مع التشاد الغني بالبترول، من قبل عناصر متمرّدة تلقى دعما سياسيا من بعض الأطراف الخارجية، غير أنه واحد من عوامل الأزمة وليس الرئيسي، إلاّ أنّ الصفقات المبرمة لاستغلال المناجم لعبت دورا هاما في قلب موازين الحكم.
❊ بالحديث عن الصّفقات المبرمة، نجد أن فرنسا تحاول دائما الظفر بحصة الأسد فيها، ووقفت دائما إلى جانب قادة الانقلابات، ومؤخرا رأينا أنّها ساندت انقلاب جوتوديا واستقبلت في ذات الوقت الرئيس الفار بوزيزي على أرضها طالبا دعمها، كيف تقرؤؤن هذه المواقف الفرنسية؟
❊❊ فرنسا معروفة تاريخيا أنها دركي المنطقة، ودولة إفريقيا الوسطى منطقة نفوذ تاريخية بالنسبة لها، وعملت دائما على الحرص والحفاظ على مصالحها من الموارد هناك، وتضع شركة أريفا المختصة في استغلال اليورانيوم في الواجهة. صحيح ساندت دائما الرؤساء الذي يصلون إلى الحكم عبر الانقلابات، لكنها تحاول دوما الموازنة بين المصالح ومصير البلاد، عبر دعم تنظيم الانتخابات والعودة إلى الشرعية.
❊ وصلت الأزمة إلى وضع جدّ متعفّن، بعد عمليات التّطهير العرقي التي تعرض لها المسلمون على يد المسيحيّين، إلى جانب انهيار النّسيج الاقتصادي، هلى يمكن التفاؤل بإعادة بناء البلاد وإحداث المصالحة؟
❊❊ من الضروري الاحتفاظ بالتفاؤل حول مستقبل البلاد، والأزمة ليس دينية في الأصل كما يصوّر حاليا وإنما كان لها امتداد ديني-عرقي، والمسيحيون الذين يطاردون المسلمين، لا يمثلون الأغلبية المسيحية ولكنهم أتباع الرئيس فرنسوا بوزيزين، يعتقدون أن السيليكا ذات الأغلبية المسلمة هي المسؤولة عن العنف ويظنون بتواطؤ المسلمين معها، لذلك فالتسوية السياسية تبقى ممكنة رغم خطورة وتعقيد الوضع، ولابد من الشروع في إعادة بناء الدولة سياسيا وخاصة اقتصادية، بتضافر جهود المجموعة الدولية.