تمر جمهورية افريقيا الوسطى، بواحدة من أشد أزماتها السياسية منذ قيامها كدولة مستقلة، بعدما تحولت منذ مارس من العام الماضي إلى ساحة حرب يقتتل فيها عديد الأطراف من قوات نظامية ومليشيات انقلابية، وجماعات مسيحية تصطاد رقاب وممتلكات المسلمين أينما وجدو، وكان لذلك انعكاسات كارثية على الوضع الانساني والنسيج الاجتماعي والقطاع الاقتصادي. هذا الاخير وحتى وإن لم يقم يوما على أسس صحيحة غير أنه نزل إلى درجات سلفى جعلت البلاد في حاجة ماسة إلى قروض ومساعدات عاجلة.
يعد انتكاس الاقتصادي وركوده من الانعكاسات الآلية، لأي حرب أو صراع أو اضطراب سياسي داخل دولة ما، ويدفع المواطنون البسطاء ثمن ذلك غاليا، كما يدفع السلطات التي تكون دوما انتقالية إلى طرق أبواب الدولة الأجنبية للحصول على مساعدات وقروض لإعادة توجيه ورسكلة اقتصادها، او تعقد مؤتمرات دولية تجمع البلدان المناحة لرصد مبالغ لترميم ما أفسدته الحرب والقضاء على مبرراتها من الفقر والتهميش.
ينطبق هذا الواقع على جمهورية افريقيا الوسطى، منذ قيام تنظيم «السيليكا» بانقلاب على الرئيس السابق فرنسوا بوزيزي. ولم يستطيع زعيم الانقلابين ميشال جوتوديا من بسط سلطته وفرض الأمن العام، ووجد نفسه مجبرا على الاستقالة تحت ضغط المجتمع الدولي تاركا البلاد غارقة في حرب أهلية وأعمال تطهير عرقي ضد المسلمين، انتقاما من تشكليهم الأغلبية في حكومته السابقة، وظهرت انعكاسات ذلك سريعا على الواقع المعيشي للمواطنين وآلاف اللاجئين الفارين إلى الحدود التشادية، الكاميرونية والكونغولية، لتقلي بذلك الأزمة بظلالها على اقتصاد البلاد والدول المجاورة.
والقطاع التجاري كان أول وأكثر المتضررين، بفعل ندرة المواد الغذائية وغلق متاجر المسلمين وتعرضها للنهب والتخريب، وانعدام الأمن عبر الطرق التجارية مع دول الجوار، ونقلت إحدى الصحف الكبرى في افريقيا الوسطى شهادة أحد المواطنين بمدينة بانغي، يقول فيها « الآن لقد بدأ الأصعب، كل محلات المسلمين تم تخريبها ونهبها لقد ارتفعت الاسعار بشكل مذهل»، وأكدت معظم التقارير الإعلامية أن أسعار المواد الاساسية ارتفعت بنسبة 25 ٪، بسبب تعثر نشاط التوزيع وظهور ندرة حدة، بينما انخفضت أعمال التجار بـ 80 و90 ٪ خاصة المسلمين منهم خوفا من التعرض للقتل والتنكيل كما حدث لاحدهم، حين مزق إلى أشلاء أمام سوق.
واضطرت منظمة غير حكومية تنشط ضد المجاعة، إلى قرع ناقوس الخطر محذرة من أزمة غدائية كبرى خلال الشهرين المقبلين تستدعي مساعدات عاجلة، ونجحت القوات الافريقية (ميسكا) قبل يومين من تامين طريق قافلة تضم 23 شاحنة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي كانت متوقفة عند الحدود الكاميرونية من 06 جانفي الماضي، ووعد قائد هذه القوات بمواصلة تأمين الطرق الاستراتيجية لفك العزلة.
وبشكل عام فإن الوضع الاقتصادي في جمهورية الالماس يحتضر، فقد تراجعت مداخيل الدول نهاية السنة المنصرمة بـ45 ٪ وانخفض انتاجها الوطني بـ 20 بالمائة، ولم تكف الـ 50 مليون اورو التي أفرج عنها الاتحاد الاوروبي لصالح السلطة الانتقالية عقب التدخل العسكري الفرنسي في ديسمبر الماضي، من إعطاء أية جرعة اكسجين لاستمرار أعمال العنف والنزوح الجماعي، وكان الوزير الاول السابق في حكومة جوتوديا، قبل سقوطها بأيام قد أعلن أن بلاده في حاجة إلى 670 مليون اورو كدعم خارجي كي تعيد ترتيب أوراق اقتصادها، ولا شك أن الرقم ارتفع إلى الضعف.
فكيف يكون الاقتصاد في بلاد، اعترفت رئيستها المؤقتة كاثرين سامبا بانزا، قبل يومين في حوار لقناتين فرنسيتين، أن مظاهر الدولة غائبة تماما ومعطلة، فالقضاة فروا جميعا الى العاصمة والشرطة والدرك غادروا مقراتهم والبلديات معطلة وكذلك الدوائر، وطالبت برفع القوات الدولية الى 10 آلاف عنصر لبسط السلم.
بل خلفت هذه الجمهورية، أعباء اقتصادية على دول الجوار فالتشاد في حاجة الى 16.3 مليون دولار لايواء 70 الف لاجئ، ولابد للكونغو من 12 مليون دولار للعامل مع 62 الف لاجئ وضحايا نزاعه الداخلي، والكاميرون يريد 1.5 مليون دولار لتسيير شؤون 28 الف لاجئ، حسب ما أكده التقرير الاخير لبرنامج الغذاء العالمي. هذا وكان البنك الدولي قد اعلن في فيفري المنقضي تخصيص 100 مليون دولار لإعادة احياء الخدمات العمومية وتوفير الغذاء والصحة والخدمات الحيوية الاخرى ومساعدة 1.25 مليون شخص، ويتوقع أن تناهز الاحتياجات المليار دولار لإعادة النهوض، بينما لازالت ثروات الالماس واليورانيون تراوح مكانها في الارض ويستفيد منها الاجانب.