طيلة قرون وعقود خلت، ظل وصف قارة التناقضات ينطبق تماما على إفريقيا، فأرضها غنية وافرة بالمواد الطاقوية والمنجمية، وذات تنوع ثقافي وجغرافي مهم، لكن الواقع المعيشي لشعبها يختلف تماما عن ذلك، وظلت أرضا للحروب والمآسي الإنسانية، قد تكون كما قال الدكتور بكاري صامب في الحوار أعلاه، ليست استثناءا عالميا فكل الأمم والقارات عرفت مراحل صعبة وفترات حالكة.
كما قد تكون كذلك ضحية أخطاء وسياسات كارثية، وقفت خلفها مصالح شخصية وضيقة تخدم أصحاب المعالي والمستعمر القديم، لكن ذلك لا يمكن أن يكون مبررا للبقاء على هذه الحال، فالعالم يتغير وإفريقيا أيضا قادرة على أن تتغير نحو الأفضل، وتستطيع محو الصورة السوداء الأليمة، وتبدل أشرطة الحروب الأهلية، بأشرطة أخرى عن التقدم بثبات على أسس سليمة نحو الحداثة مع الحفاظ على هويتها وتنوعها الإثني.
الآن وقد أجمع العالم والقادة الأفارقة على أنها قارة المستقبل، فالعمل الذي نبغي انجازه يتركز على الموارد البشرية ولا شيء سواها، والبداية بتكوين وتعليم الشباب الإفريقي الحالي وإعداده لقيادة مراحل النمو والبناء، والعمل على إشراك الكفاءات الموجودة بالخارج في المسار التنموي واستغلال كل فرد إفريقي قادر على أن يقدم إضافة لقارته أو بلده.
إفريقيا هي القارة الوحيدة التي يتحدث شعبها عن المشاكل والأهداف المشتركة رغم شساعتها وتنوعها، لا لشيء سوى أن الجميع عانى في الحقب الماضية من الآلام والمصاعب ذاتها، ومن الطبيعي اليوم أن يضع تصورات مشتركة للغد، بالاعتماد على الذات والكفاءات المحلية.
الورشة القادمة الكبرى التي يجب أن تفتح، ليست مشاريع البنى التحتية وحدها، وإنما الاستثمار وبأكبر قيمة ممكنة في العنصر البشري، لأن الفرد الإفريقي ليس أقل قدرة من غيره، بل يستطيع أن يحقق أشياء جديدة ومفيدة لوطنه وقارته بتصوراته ورغبته في الانتقال إلى مرحلة لا تعني الانتصار في حرب أو فوز في انتخابات، ولكن تعني التفوق على الفقر، البطالة والموت جوعا.
ما تحتاجه الدول الإفريقية، هو فتح نقاشات واسعة، عن السلوكيات المعيشية وأنماط التفاعل مع المشاكل، والبحث عن أساليب ليست مثالية ولكن حضارية، لتغيير النظرة السلبية التي يحملها العالم عنها، وهي بحاجة أيضا إلى رؤية ثاقبة للمستقبل والوعي بما تريده والدفاع عنه، رغم ما قد تتعرض له من مساومات في إطار الحسابات الجيو-استرتيجية.
الكل يردد من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب أن المستقبل لإفريقيا، ولابد أن يصنع الأفارقة هذا المستقبل بأيديهم وبما يفيدهم وليس ما يراه الآخرون.