يشير اعتراف الرئيس الأمريكي بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل إلى أنه ذهب بعيدا في اختراق الخطوط الحمراء، وفي هذه المرة انقلب على الأمم المتحدة برمتها وعلى القانون الدولي. لم ير ترامب في إعلانه عن هذا القرار الخطير ما يقلق، واكتفى بالإشارة إلى أن «الوقت حان» لتعترف بلاده بشكل كامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي احتلتها في حرب عام 1967. هكذا تحول الوضع حول هضبة الجولان السورية من احتلال مرفوض بقوة «القانون الدولي» والإنساني، إلى إجراء روتيني حان وقته، كما يرى الرئيس الأمريكي.
لاحقا، قال الرئيس الأمريكي ببساطة إن ما يمكن وصفه بإهداء الجولان لإسرائيل، «كان قرارا صعبا بالنسبة لكل الرؤساء الأمريكيين، ولم يقم أي أحد منهم بذلك، وهذا يشبه مسألة القدس، وأنا قمت بذلك».
تبعا لذلك أصبحت هذه الخطوة بمثابة «إنجاز» بل وعمل بطولي في عرف ترامب، عجز عنه الرؤساء الأمريكيون الآخرون، لتضمحل في لحظات قوة القانون الدولي وتتبخر في رمشة عين، أو بالأصح في «تغريدة» عابرة.
سابقة خطيرة
خطورة ما أقدم عليه الرئيس الأمريكي من الاعتراف بالاحتلال وضرب القانون الدولي بعرض الحائط، أنه يقدم سابقة يداس فيها على سيادة دولة لصالح أخرى بذرائع واهية عبّر عنها الرئيس الأمريكي بقوله إن مرتفعات الجولان «منطقة تتميز بأهمية استراتيجية وأمنية حيوية لإسرائيل، ولاستقرار المنطقة»، ما يعني أن هذه الأرض السورية المحتلة صارت قربانا «لأمن إسرائيل» الذي لا يهدده أحد حاليا تقريبا.
اللافت أيضا أن ترامب بعد أن وصف الأمم المتحدة بعد انتخابه عام 2016 بأنها «ناد لتمضية الوقت»، ورأى أنها مجرد «مجموعة من الأشخاص يلتقون ويتحدثون ويقضون أوقاتا ممتعة»، أهانها باختراق المحرمات والاعتراف بسيادة محتل ومكافأته على ما سلب بتشريع غنيمته بالقانون الأمريكي الذي يزداد تكريسه يوما بعد آخر ليصبح فوق القوانين الأخرى، بما في ذلك الدولية الجامعة.
ضربة سادسة للأمم المتحدة
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجه بذلك عمليا ضربته السادسة للأمم المتحدة منذ انتخابه، بعد أن انسحبت واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ، ومن المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو»، ومن الاتفاق النووي الدولي مع إيران، ومن مجلس حقوق الإنسان الأممي، وبتجميدها أموالا إضافية كانت مخصصة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا».
يبدو أن ترامب يعمل بطريقة أحادية لما وصفه في وقت سابق بضرورة «إصلاح الأمم المتحدة وجعلها أكثر كفاءة لمواجهة التحديات الهائلة التي تواجهها الدنيا اليوم»، لكن بطريقة عكسية يبطل من خلالها قوانينها ويفرغها من محتواها تماما وبصورة مفجعة ومأساوية.
على الرغم من صعوبة التكهن بالتبعات التي قد تنجم عن مثل هذا القرار الخطير على منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، إلا أنه من المؤكد أن العالم بعد انتهاء ولاية ترامب الرئاسية سيكون مختلفا عما كان عليه قبلها. وضمّت إسرائيل الجولان الذي احتلته سنة 1967 عام 1981 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.