إعتبر الدكتور علي ربيج، أستاذ العلوم السياسية، بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، أن الذي يحدث في فنزويلا هو عنوان كبير لاستمرار سياسة التدخل في شؤون الدول، تحت غطاء نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان ومزاعم القضاء على الأنظمة الفاسدة والديكتاتورية والوقوف إلى جانب المعارضة. وقال “إن فنزويلا بصدد دفع ثمن مواقفها المعارضة للسياسات الغربية والرافضة للتبعية لها، وهذا منذ عهد الرئيس السابق هوغو شافاز والحالي نيكولاس مادورو”.
بحسب الدكتور علي ربيج ، إن الوضع معقد جدا في فنزويلا هذه المرة وهذا لعدة اعتبارات داخلية وخارجية تتعلق بالوضعية الاقتصادية وتراجع مداخيل النفط بالنسبة للحكومة الفنزويلية، ما يشكل عامل ضغط وعبء كبير تسبب في موجة من المظاهرات والاحتجاجات للمطالبة بإيجاد حلول سريعة للأزمة الاقتصادية الحالية الامر الذي يضع الرئيس مادورو أمام تحد كبير في ظل الحصار المطبق الذي تعلنه الولايات المتحدة الأمريكية.
من جهة ثانية، هناك اعتبارات سياسية أيضا، حيث يعاني الرئيس مادورو من حصار دولي وعدم اعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية السابقة والتي أسفرت عن فوزه بمنصب الرئيس، حيث أعربت الكثير من الدول الغربية عن رفضها الاعتراف بنتائج وهذا قد يعقد مهمة الرئيس مادورو في ظل خذلان الكثير من الدول له ورفض تقديم أي نوع من المساعدات، ولهذا فهو يعوّل على بعض الدول الفاعلة، مثل روسيا والصين، على أمل أن تلعب دورا في اتجاه تخفيف الحصار عليه.
أما خارجيا فيمكن القول أن الأزمة في فنزويلا هذه المرة هي قضية شخصية للرئيس الأمريكي ترامب الذي يمر بفترة صعبة وحرجة بسبب الأزمات السياسية التي تعترضه في الداخل الأمريكي، مثل رفض نواب الحزب الديمقراطي تمويل بناء الجدار العازل على الحدود المكسيكية ، وإعلان الانسحاب من سوريا والرفض الذي قوبل به من طرف الإدارة الأمريكية، تراجع شعبيته كذلك في الداخل الأمريكي ومسألة التحقيق وإمكانية اتهامه بتهمة التخابر مع روسيا، كلها عوامل ستدفع بالرئيس الأمريكي الحالي إلى البحث عن تحقيق انجاز تاريخي على غرار قرار نقله لمقر السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
والآن مشروع إسقاط النظام السياسي الشرعي في فنزويلا، بل والتهديد باستعمال كل الخيارات بما فيها العسكرية، وهذا تصعيد خطير في العلاقات الأمريكية الفنزويلية.
حول مستقبل الأزمة وأهم السيناريوهات التي قد تعتمد لرسم المشهد القادم في فنزويلا ،أوضح الدكتور علي ربيج أن الأمر صعب التنبؤ به، لأننا نشهد تسارعا في الأحداث والمواقف خلال فترة قصيرة، وهذا يجعل الجميع في حالة ترقب ومحاولة فهم لطبيعة وأسباب الأزمة، ومع هذا، المجتمع الدولي والشرعية الدولية ممثلة في الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن أمام امتحان صعب، لأن محاولة إسقاط نظام شرعي قائم سيكون بمثابة تعد صارخ على القانون الدولي والشرعية الدولية، وهنا سيكون موقف الدول التي تنادي بحماية سيادة واستقلال الدول مهتزا وضعيفا، لهذا أتوقع مقاومة من طرفهم لمنع أي مغامرة عسكرية ضد فنزويلا وفي مقدمتهم روسيا والصين، ولكن في المقابل إذا استطاع الرئيس مادورو الصمود أمام هذه الأزمة، فهذا سيمثل ضربة قاصمة ومحرجة للذين يحاولون الاطاحة به والذين سيكونون مضطرين للتراجع وإعلان فشلهم بإسقاط حكم الرئيس مادورو، وعليه ستكون انعكاسات هذا الفشل والتراجع كبيرة على شخص الرئيس ترامب وسياساته الخارجية، مما سيؤثر على شعبيته وتراجع حظوظه في الفوز بفترة رئاسية ثانية أو قد تعجل برحيله عن الحكم.