ضمن فعاليات الأيام المسرحية الثامنة للجنوب

أكاديميون يناقشون «المسرح الذي نريد»

المسرح الوطني: أسامة إفراح

في إطار فعاليات الدورة الثامنة للأيام المسرحية للجنوب، التي تتواصل فعالياتها إلى غاية، اليوم الخميس، بالمسرح الوطني الجزائري محيي الدين باشتارزي، احتضن فضاء امحمد بن قطاف، الثلاثاء، ندوة تحت عنوان «المسرح الذي نريد»، أدارتها د.جميلة الزقاي.
تطرق المداخلون، الذين صادف نشاطهم اليوم العالمي للمسرح، إلى أهمية البحث العلمي في النهوض بالفن الرابع، كما بحثوا السبل المثلى لإعادة بناء العلاقة بين المسرح وجمهوره.
من الإشكاليات التي طرحتها الندوة، إشكالية «كيف يكتسب الجمهور الفاعلية من خلال المسرح؟»، وفي محاولة للإجابة على ذلك، جاءت مداخلة الأستاذ محمد بوكراس متميزة متفرّدة، حيث وظف علم الاجتماع في الاقتراب من ظاهرة عزوف الجمهور عن المسارح، دون أن يقدّم مداخلته على أنها حمّالة للحلول السحرية، بل اعتبر أن المقاربة السوسيولوجية «مجرّد وجهة نظر».
وحاول بوكراس في مداخلته تصحيح بعض الرؤى والأفكار الجاهزة، مؤكدا أن ظاهرة القاعات الفارغة ليس إشكالا محليا ولا إقليميا فقط بل هو عالمي أيضا، إلا أن الفرق بين معالجتنا لهذه الظاهرة ومعالجة التجارب المتقدمة لها، هو أن هذه الأخيرة «تقترب من هذه الإشكالية بشكل علمي، فيما نقترب نحن منها من خلال انطباعات».
وذكّر بوكرّاس بالمحاولات والمساعي السابقة لتشخيص ظاهرة العزوف، بما في ذلك الحديث ذات 25 سبتمبر 2016 عن وضع استراتيجية لجلب الجمهور إلى المسرح، ولكن «أين هذه الاستراتيجية اليوم؟»، يتساءل، مضيفا أن المناهج التي نقترب بها اليوم لفهم الظواهر الاجتماعية هي مناهج كلاسيكية، بل إن «طلبتنا في الجامعات إنما يدرسون تاريخ العلوم وليس العلوم التي تتطور بشكل يومي».
إعادة صياغة الفرضيات
ومن الفرضيات التي قلبها بوكراس رأسا على عقب فرضية «غياب الجمهور»، حيث اعتبر أن الأمثل هو القول إن «الجمهور موجود ولكنه لا يحضر»، ما يعني ضرورة تقصّي أسباب عدم حضوره. واستدلّ على صحة هذا الرأي بحضور الجمهور بشكل يومي إلى فعاليات مهرجان المسرح المحترف، ومهرجان الضحك بالمدية، وأعمال مسرحية على غرار تجربة «طرشاقة»، وكلها أدلة على وجود جمهور للمسرح.
أما النقطة الثانية التي أكد عليها فهي «نخبوية المسرح»، وحينما نقول إن المسرح نخبوي فنحن لا نعني اقتصاره على طبقة اجتماعية معينة، فالمقصود بالنخبة هي الفئة التي تتساءل، وعلى سبيل المثال إذا كان أستاذ جامعي لا يطرح الأسئلة فهو ليس من النخبة. وبعملية حسابية بسيطة، تنتفي من مخيلة المرء إمكانية أن يكون الشعب كله محبا للمسرح، ببساطة لأن أكثر المسرحيات رواجا، حتى وإن عُرضت بشكل يومي على مدى سنوات متتالية، فلن تطال سوى جمهور يشكل نسبة ضئيلة من مجموع المواطنين.
وأشار بوكراس في مداخلته إلى تقنيات تستعمل مع الجماهير، كانت أولاها تقنية «العدوى»، بحيث أن الجمهور يمكن أن يأتي إلى المسرح عن طريق العدوى، لأن المتلقي الذي يحضر مسرحية ويُعجب بما يقدّم له سيأتي بغيره، والعكس بالعكس.
أما التقنية الثانية فهي «النواة الأولى»، وتعني في هذه الحالة تلك النخبة التي تواظب على المسرح وتحضر العروض باستمرار، وبدون هذه النواة لا يمكن أن يكون هنالك العدوى التي تحدثنا عنها. ومن المفترض أن تكون العائلة الفنية هي النواة في حالة المسرح، وهنا يكمن الخلل، إذ أن النواة هنا غائبة وغير موجودة: فالمسرحيون والتشكيليون والشعراء وغيرهم من الفنانين لا يحضرون المسرحيات، ولا العروض الفنية الأخرى، ويجدر بنا الحديث عن هذا الجمهور من الفنانين قبل الحديث عن الجمهور العريض.
بعد ذلك، تطرق الأستاذ بوكراس إلى تقنية «التكرار»، فإن لم نقترح على الجمهور الذي يأتي إلى المسرح عروضا متواصلة، فإننا سنفقده في آخر المطاف.
أما التقنية الرابعة فهي «التأكيد»، وهذه هي مهمة وسائل الإعلام التي تخلق لهذا النشاط المسرحي أو ذاك حيّزا في أجندة الناس الممتلئة حدّ الاكتظاظ.
ولخّص بوكراس الجماهير في 5 أجيال: الجمهور الطقسي الذي يجتمع حول الطقوس ويمتاز بكونه مشاركا، وجمهور ما بعد الطباعة الذي واكب توسع النشر والقراءة، وجمهور ما بعد الثورة الصناعية بظهور طبقة العمال والنقابات وغيرها من النخب الجديدة، وجمهور التلفزيون والإذاعة وهم المشاهدون والمستمعون الذين يرون ويسمعون نفس الشيء ولكن ليس في نفس المكان، وأخيرا جمهور جيل الرقمنة، وهو جمهور يمتاز باللازمكانية، وبالسلطة والتحكم (أي أنه يتحكم فيما يتلقاه من مادة)، وكذا بالمشاركة والتفاعل.
وفي تصريح لـ «الشعب»، أكد أ.محمد بوكراس، أن راهن البحث العلمي يفرض تقاطع مختلف الرؤى، وبات التداخل بين التخصصات العلمية الطريقة الأمثل لدراسة الظواهر على تعددها.
العرض المتميز يصنع جمهورا متميزا
بطبيعة الحال، لم تكن مداخلة الأستاذ بوكراس الوحيدة في هذه الندوة، حيث سبقته مداخلة الدكتور لخضر منصوري الذي قسّم مقاربته إلى شقين: شق تقني لاحظ فيه أن المسرح الجزائري «قتل الكثير من المهن»، وأنه ابتعد عن الاحترافية في مجالات تعتبر علما في حد ذاتها (الإضاءة مثلا).
أما الشق الثاني وهو الثيمات والمواضيع، فيطرح سؤال «ماذا نقدم للجمهور؟»، فالعمل المتميز يصنع حتما جمهورا متميزا، فيما لا يعلق بذاكرتنا على مدى سنوات سوى عملين مسرحيين أو ثلاثة، ببساطة لأنها لم تنتج بشكل احترافي. «علولة هو الذي كان يذهب إلى الجمهور وقدّم أعماله في الإقامات الجامعية والمصانع»، قال منصوري بعدما تساءل عن السبب وراء عدم تطور تجربة مسرح الشارع في الجزائر.
وإلى جانب هاتين المداخلتين، استمع الحضور إلى مداخلتي د.جلولي العيد عميد كلية الآداب بورقلة، ود.حميد علاوي، اللذين حاولا الإجابة على إشكالية «كيف يتأسس المسرح على البحث العلمي؟».
وتواصلت اللقاءات الفكرية بلقاء، أمس، الذي يديره د.حميد علاوي حول «نماذج من المسرح الملتزم في الجنوب»، قبل أن تختتم التظاهرة اليوم الخميس.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024