الملتقى الدولي «المعالجة الإعلامية للتراث» بالمكتبة الوطنية

الانتقال بالتراث من الماضي إلى الواقع اليومي

المكتبة الوطنية: أسامة إفراح

احتضنت المكتبة الوطنية الجزائرية بالحامة أمس الثلاثاء الملتقى الدولي «التراث في الواجهة: المعالجة الإعلامية للتراث»، الذي نظم بالتعاون بين وزارة الثقافة والاتحاد الأوروبي في إطار برنامج دعم وحماية وتثمين التراث الثقافي في الجزائر. وأكد المشاركون في هذا الملتقى، الذي افتتحه كل من وزير الثقافة ميهوبي وسفير الاتحاد الأوروبي بالجزائر جون أورورك، على أهمية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في التعريف بالتراث، وأكثر من ذلك جعله جزءً من الحاضر والمستقبل وليس الماضي فحسب.
في كلمته الافتتاحية، أكد وزير الثقافة عز الدين ميهوبي على أهمية التراث الثقافي بمختلف أشكاله، وكذا الفرص التنموية التي يخلقها إذا ما عرفنا استغلاله والترويج له على أكمل وجه. وأعطى الوزير مثالا بالآثار الرومانية، حيث تتوفر تيمقاد لوحدها على 86 فسيفساء، وتبقى الأرقام مرشحة للارتفاع في انتظار القيام بالحفريات اللازمة، مع ضرورة تسليط الضوء على نتائج الحفريات كنوع من الترويج.
كما أن هنالك تاريخا آخر للجزائر هو التراث غير المادي، يقول الوزير، مستشهدا بإحياء مئوية مولود معمري الذي قام بعمل كبير في هذا الصدد. ومن أدلة اهتمام الدولة الجزائرية الكبير بالتراث، ذكر المادة 45 من الدستور التي تضمن حق الثقافة للمواطن وتؤكد أيضا على أن الحفاظ على التراث أمر تكفله الدولة. ودعا ميهوبي إلى عدم الاكتفاء بالحفظ والترميم بل العمل على الترويج، و»شركاؤنا في ذلك وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، من خلال تعاون إيجابي من قبل المؤسسات الثقافية والمتاحف للتعريف بما تتوفر عليه من كنوز».
أما عن حادثة الاعتداء على تمثال عين الفوارة بسطيف، فقد وصف الوزير ذلك بأنه أمر مروع ولاقى استنكارا في الأوساط الشعبية قبل الرسمية، كما أن «عين الفوارة» هي رمز من رموز هوية المدينة. وقد حظي هذا الاعتداء بتغطية إعلامية واسعة، وهو دليل على اهتمام الإعلام بالتراث. وأكد الوزير على الشروع في ترميم هذا المعلم في القريب العاجل.
من جهته، اعتبر سفير الاتحاد الأوروبي بالجزائر جون أورورك أن الملتقى دليل على الأهمية التي يوليها كل من الجزائر والاتحاد الأوروبي لحماية التراث، وهو ما يتجسد في هذا البرنامج الطموح بدليل غلافه المالي الذي يبلغ 20 مليون أورو. كما أنه طموح في جانبه الموضوعاتي الإنساني، الرامي إلى تجاوز الأفكار المسبقة وترقية الحوار والتعايش واحترام الآخر سواء بين الأمم أو داخل المجتمع الواحد.
كما اعتبر أورورك أن الثقافة هي من عوامل التنمية الاقتصادية من خلال السياحة الثقافية وخلق فرص العمل، وهذا الأمر يمكن أن ينطبق على الجزائر بتراثها الضخم الذي يمكن تثمينه. كما أن برنامج «تراث» يرافق الوزارة لجعل التراث عاملا للتنمية البشرية، من خلال حمايته وتثمينه عن طريق مشاريع ميدانية، ودعم قدرات مختلف الفاعلين في المجال، عن طريق التكوين المتواصل بما في ذلك تكوين الصحافيين، هذا الأخير يسمح بحماية التراث وإيصال معلومات ذات مصداقية وتكريس التراث كقيمة هامة للمجتمع الجزائري. وإذا كان برنامج «تراث» قد بلغ من العمر قرابة 4 سنوات، يقول أورورك، فإن المرحلة القادمة تتطلب تعبئة أهم وبذل جهود أكبر.
من جهته، تحدث المدير الوطني لبرنامج «تراث» فيصل وارث، عن وجود مجهود هام يبذل حتى يتقدم هذا البرنامج بأسرع شكل ممكن، يضاف إليه رهان آخر هو التعريف بالبرنامج وما يتم إنجازه في هذا الصدد.
الصفحات الثقافية.. الحلقة الأضعف
وكانت أولى المداخلات تحت عنوان «الاتصال المؤسساتي: تثمين وحماية التراث»، من تقديم جهيدة ميهوبي، المستشارة الإعلامية بديوان وزير الثقافة والصحفية الإذاعية السابقة، التي اعتبرت بأن نجاعة العملية الاتصالية المتعلقة بالتراث تتطلب توفر الإمكانيات والوسائط الملائمة، حسب الجمهور المستهدف والرسائل التي يراد إيصالها.
وأشارت جهيدة ميهوبي إلى مجموعة رهانات، أولها يتعلق بفهم أهمية العملية الاتصالية المتعلقة بالتراث، التي تتطلب فهم أهمية التراث في حد ذاته، خاصة وأن الثقافة هي جوهر الهوية، وأنها رفقة التراث في قلب عملية بناء الأمة وتطورها. أما الرهان الثاني فهو الأهمية الاقتصادية للتراث، ودوره في عملية التنمية.
ودعت ميهوبي إلى إيلاء الصحافة الثقافة اهتماما أكبر في المؤسسات الصحفية، خاصة من حيث التكوين، إذ قليلا جدا ما عملت وسائل الإعلام على تكوين صحفييها الثقافيين. كما أكدت المتحدثة أن وزير الثقافة يقدم دائما تعليماته بالتعامل مع وسائل الإعلام والانفتاح عليها، إيمانا منه بمحوريتها وأهميتها، خاصة وأنه ابن قطاع الصحافة.
أما عن مسار الرقمنة الذي يشهده القطاع، فإن ذلك سيسهل الاطلاع على الأرشيف والمراجع، ومختلف متطلبات العمل الإعلامي.
من جهته، قدم أمزيان فرحاني، رئيس تحرير الملحق الثقافي لجريدة «الوطن»، مداخلة عنوانها «التراث في الصفحات الأولى: الخيال، الواقع والأفكار»، قال فيها إن التراث لا يحظى بحقه من الحضور في الإعلام، وأن الكتابات الصحفية عن التراث هي في الغالب ثمرة اهتمام أو مجهود شخصي، ولا تنخرط في مسار متخصص، وهو وضع عام في وسائل الإعلام العالمية وليس فقط الوطنية، مع تفاوت نسبي. كما ان وسائل الإعلام تركز على ما يريده المتلقي، وتركز بذلك على الحاضر والآني وليس على الماضي، يقول فرحاني، معتبرا أن الصعوبة تكمن في الإقناع بأن لهذا الماضي مستقبل، وبأن التراث ينتمي إلى مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، كما أن التراث رهان ثقافي وسياسي أيضا، لأنه هو الذي يجمع بين مختلف مكونات المجتمع.
فيما تطرق آرنو كونتريراس، وهو صحفي فرنسي متخصص في التراث، خلال محاضرته «تثمين التراث الصحراوي، الرهانات والآفاق»، إلى تجربته بالصحراء الجزائرية، قائلا إن التراث لا يجب أن يحاصر داخل الصفحة الثقافية، بل يجب أن يمس كل الأقسام الصحفية. كما أشار إلى وجود مصورين جزائريين شباب ذوي مستوى عال جدا في هذا المجال، وأحسن طريقة للترويج للتراث هي توظيف الصورة في الإعلام، يقول كونتريراس.
وكان الملتقى فرصة للاستماع إلى مداخلات أخرى على غرار «بحوث في التراث اللامادي للإمارات العربية المتحدة» لعياش يحياوي، «الصحفي المختص في التراث، أي رهانات؟» لإيفلين توماس، «التراث الثقافي والسياحة البديلة: دور الصحفي مجسدا في تجارب ميدانية» لطاهر عياشي.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024