حـــال المســرح.....ما بعد البحبوحــة

بقلم / خيرة بوعتو

حين نتحدّث عن الإنتاج المسرحي، فإنّنا بالضّرورة ملزمين بتناول جل عناصر الإنتاج من نص درامي ومسرحي، تمثيل، سينوغرافيا، مؤثرات صوتية بما فيها التأليف الموسيقي، تقنيين، إضافة إلى شركات الإنتاج والتوزيع، قاعات العرض، الأنواع المسرحية الموجودة والمتعامل معها من مسرح الدولة إلى الخاص، إلى الهاوي، إلى مسرح الشارع، المسرح الطلابي أو الجامعي، المسرح المدرسي، مسرح الطفل...كما نجد النقد في الوجهة الأخرى الإعلام العام والخاص بمختلف أنواعه.
 هذا ما يجب التعاطي معه أو هذا ما يدرسه الطلاب في أقسام الفنون، لكن الواقع شيء آخر. وأولى الإجابات فيما يخص هذا الواقع ستكون إنّنا دولة حديثة التأسيس، وأنّنا في بداية الطريق، ليتوقف التاريخ مع العشرية السوداء. هذا التوقف الذي أحدث الفجوة الأكبر في مسار المجتمع الجزائري، وبالتالي في الحركة الثقافية للبلد، وتغير سلم ومعايير العديد من القيم والمفاهيم. لكنها ليست السبب الوحيد، فقد مرت عشرين سنة على ذلك، لا يجب أن نعلق الأمر حول ذلك، بل أن نتفقد الأسباب.
 بعدها عرف الإنتاج المسرحي حالة البحبوحة المالية، وكثرت الأعمال المسرحية المنتجة من طرف الدولة، في حين أن هاته السياسية المتبعة لم تكن لها أية أفاق بدليل أن اغلب العروض كانت تعرض مجانا، خصوصا في المهرجانات المنظمة في مختلف الولايات، والتي كان يحضرها المشاركين فقط، فلا وجود للجمهور. أنتجت أعمال كثيرة بدون مراقبة العمل، بدون وجود لجان مختصة، بدون آفاق، وقد لعبت العلاقات الشخصية الدور الأكبر في عملية اختيار النصوص، في اختيار المخرجين، في اختيار الممثلين..الخ، فغابت المصداقية وطغى التعامل الشخصي بتغليب المصالح الشخصية على الجانب الفني.
كما عرف الإنتاج المسرحي آنذاك ظاهرة تناسب الوضع السائد، بلجوء بعض الفنانين إن لم تصح العبارة آو بعض أشباه الفنانين أو تجار الربح السريع بتقليص عدد الشخصيات الموجودة  في النص المسرحي، ومحاولة الاعتماد على ثلاثة ممثلين آو أربعة على الأكثر، وهذا بهدف تقليص الميزانية، والكسب الكافي من ميزانية العمل. كما احتاج البعض من المخرجين للاستعانة بزوجته أو احد المقربين سواء في المعالجة الدرامية كما يدعون أو في مجال تقني آخر.
وهكذا غاب الفن والفكر وغابت النوعية، وسيطر المال..وتنفس الجميع مالا..لكن ماذا سيحدث حين تطول الأزمة، ويتقدم التقشف ببطء إلينا..فمن سيبقى على الركح؟
سنتحدّث عن بعض الحالات الفنية التي أبرزت مستوى مهما، في محاولة لإبعاد النظرة التشاؤمية للوضع، لكن هذه الحالات لا تمثل الوضع العام بالبلد، فلا داعي للإشارة إلى إبداعات بعض المخرجين والسينوغرافيين أو حتى تفوق بعض الممثلين..بل يجب وضع اليد على الجرح والحديث عن حركة مسرحية عامة، فالشاذ لا يقاس عليه كما هو معروف، وللنهوض بالإنتاج المسرحي كما ونوعا، من الضروري إعادة التفكير وبجدية في سيرورة العملية، ورسم آفاق مستقبلية واضحة دون أي ملابسات أو مساومات، فحتى ظاهرة المسارح الجهوية المنتشرة هنا وهناك في ولايات الوطن، ليست سليمة، لان الأساس الذي تبنى عليه العملية غير موجود أساسا، فوجود هذه المسارح ما هو إلا نوع من التزيين الخارجي للقطاع، ثم التفكير في حلول استراتيجية لإعادة الجمهور للمسرح، وخصوصا النظر في اللغة المسرحية المستعملة، والقضاء تماما على ظاهرة العروض المجانية، فغياب شباك بيع التذاكر يقتل الاهتمام بالثقافة لدى أفراد المجتمع، بل وأكثر من ذلك تفقد روحها.
للأسف المسرحي الجزائري غير حر، أو أنه غير واع، لا يدرك مساحة الحرية التي يجب أن يخلقها لنفسه، قتلت فيه حرية التعبير والفكر، غير قادر على تجاوز الطابوهات والخطوط الحمراء سواء في السياسية أو المقدسات الدينية او اجتماعيا..أو نجد في الحالة المقابلة أنه يخاف من المواجهة ويفضّل نفاق الأقوى. ورغم ذلك يوجد بعض الفنانين لكن تبقى قلة، فمثلا المخرجة تونس أيت عليالتي تحاول الالتزام في المسرح، إذ جعلت قضيتها المرأة بكشف النقاب عن وضعيتها في المجتمع، لكنها بحاجة إلى نصوص قوية لخدمة توجهها، وإلى ممثلين وممثلات مؤمنين بقضيتها.

 أستاذة بجامعة مستغانم

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024