55 سنة على استقلال الجزائر

مسيرة مجاهد من الشفة إلى الكتيبة الحمدانية

البليدة: لينة ياسمين

« مسيرة مجاهد ، من الشفة الى الكتبية الحمدانية « ،  عنوان لكتاب حي عن تجربة مجاهد ، نال شرف الجهاد بمنطقة البليدة ، أرادت ابنته و زوجته و صديقه بلقاسم المتيجي، الذي تحمل ثقل تدوين معلومات تاريخية غنية، عن سيرته و شاهد عيان لفترة قضاها بين المجاهدين الأشاوس بمنطقة الولاية الرابعة ، إبان ثورة نوفمبر المقدسة ، لتكون مرجعا توثيقيا يخلد للأجيال ، ويفصل في دقائق الامور عن الأحداث التي شهدتها المنطقة ،  خاصة و أن المجاهد رحل فجأة  بأيام فقط قبل ميلاد مؤلفه.

 أطفال الجزائر والتربية الوطنية والروحية
يتناول الكتاب المطروح بالمكتبات بـ«المجان « ، و الذي أهدت ابنة المجاهد سي بن عيشة ( اسمه الكامل عبدالقادر زواوي ) نسخة منه لـ « الشعب « ، عرفانا للجريدة التي تعتبرها و لا تزال « خزانة « تضم بين رفوفها كنوزا ، تخص مسيرة الرجال و حياة الوطن  في كل الحقبات التي مرت على الجزائر، حيث أن الكتاب جاء في 160 صفحة ، مزين بصور شاهدة على حديث المجاهد « سي بن عيشة « ، في رواية نقلها عنه صديقه بلقاسم المتيجي ، و جاء في فصول الكتاب المدون بلغة جميلة و أسلوب بسيط يدل على أن كاتبه من أصحاب السهل الممتنع، حديث عن نشأة المجاهد سي بن عيشة  و عن طفولته وسط أسرة بسيطة من عامة الناس بمنطقة وادي جر غرب البليدة ، ثم تنقل رفقة بقية أفراد أسرته إلى  الشفة ، حياة طفولته صورها أنها كانت شبيهة بحياة « أطفال الجزائر « ،  لم ينعم و ينعموا بالرفاه و التعليم الجيد، و الملبس الجميل و المطعم اللذيذ و المسكن المريح ، مثل ابناء المستعمر من «الفرنسيس «، بل كان الفقر و الحرمان و الخوف و الترهيب و الجوع و العري ، هي الظروف التي كان « أطفال الجزائر « يحيونها ، و المحظوظ منهم فقط يحظى بفرصة بمناسبة ٥٥  سنة على استقلال الجزائر لحفظ القرآن الكريم و ممارسة النشاط  الكشفي ، و العمل كأجير مؤقت أو فلاح لدى المعمرين  مغتصبي الارض و الخيرات ، و في 8 ماي 1945 ، يذكر « سي بن عيشة « ، انه كان يبلغ من العمر 9 سنوات ، و شعر و أحس وقتها بحجم الظلم و الكراهية ضد بطش المستعمر و خيانته لوعوده ، و أن فرنسا الاستعمار لا تؤتمن حتى و إن قالت و قطعت عهدا ،  لأن ظروف العيش كانت صعبة ، تحمل و هو ابن 13 عاما مسؤولية مساعدة شقيقه الاكبر ، و تدبروا أمورهم لاعالة الاسرة  لأن الوالد مريض ، و كانت الفترة بين 1948 و 1954 ، حقلا و فضاء نضج خلالها و فهم حقائق الأمور وواقع الاحداث المتسارعة ، كان والده و شقيقه الاكبر يلهمهانه و يقتدي بهما، زادت الكتاتيب و دروس الامام و بث الروح الوطنية في الناس ، مصدر الهام باطني لا شعوري، يكبر فيه و ينمو و هو يغترف من ذلك الكلام و الاحداث السياسية و يخزنها، و لم يكن يدرك تأثيرها فيه  الى بعد أن تفجرت الثورة و فجر تلك المكنونات و المكبوتات المغروسة فيه، و التحق بصفوف المجاهدين مثل ما فعل شقيقه الشهيد الاكبر.
 النضج و قرار الانضمام الى صفوف المجاهدين  
لم يكن قرار الالتحاق بحسب رواية « سي بن عيشة « بالصعب و لم يكن فيه تردد ، و يضيف على لسان الراوي أن اسماء لشخصيات ثورية بدأت تنتشر وسط  الناس ، و كانت تردد مثل ما يرددون الذكر ، و حفظ اسم محمد بلوزداد و أحمد بن بلة و محمد بوضياف  و أحمد محساس و سويداني بوجمعة و العربي بن مهيدي و محمد ماروك ، و حسين آيت أحمد و عبدالقادر بلحاج جيلالي ، و مصطفى بن بوالعيد و  كريم بلقاسم و رابح بيطاط   والقائمة تطول و أنشئت معسكرات  و تنظمت الثورة و الثوار أكثر بعد مؤتمر الصومام 1956 ، و ردت فرنسا الاستعمار بالتضييق و الخناق و الترهيب و النار ، و انضم « سي بن عيشة « على غرار مجاهدين آخرين الى « مجموعة من الفدائيين « ، و شن رفقتهم عمليات فدائية ضد معمرين و عملاء لفرنسا الاستعمار بمنطقة الشفة ، كونها كانت جغرافيا منطقة عبور من جهة ،  و تتميز بإستراتيجيتها كمحور رابط بين المدن الساحلية و الغربية و الجنوبية  بالخصوص ، و توسعت « مجموعة الفدائيين « و نجحت في تنفيذ 15 عملية فدائية في سنة واحدة .
   «الكتيبة الحمدانية » المولد و الميلاد  
أطلق عليها قائد الولاية الرابعة أمحمد بوقرة اسم كتيبة « الصبر و الايمان « ، يقول صاحب المؤلف « سي بن عيشة « ، أنها تكونت من فصيلتين ، و كل فصيل يضم 35 مجاهدا ، و هي تنسب في التسمية الى « سي حمدان « أحد ابطال منطقة العفرون الى الغرب ، و  لم يكونوا مثل افراد الجيش الذين يعرفون حاليا في غالبية دول العالم،ملبس نظامي و قبعة و درجات و أوسمة و أحذية تلمع و سلاح مخيف، و حلق للحية،  بل كانوا جنودا  يفتقدون للباس النظامي و الذي يحميهم حتى من البرد و البلل، و أحذيتهم في وصفه مثقوبة ينتعلونها دون جوارب، و و و و و ...، لكن قلوبهم كانت دافئة يسكنها الايمان و الوطن « الجزائر «،  فلا يشعرون لا بالبرد و لا بعقدة النقص ، بل كانوا يرهبون جند فرنسا، حينما يذكر اسم المجاهدين أو كما تنعتهم فرنسا بـ « الفلاقة « ، و كانت الكتيبة في عملياتها الفدائية ناجحة و استطاعت ان تنقل نشاطها الى عدة مناطق بعيدة ، في شرشال بتيبازة و بومدفع بعين الدفلى ، و يروي في سياق شهادته ، ان الثورة بعد مؤتمر الصومام بالمنطقة الرابعة ، استطاعت ان تجلب عددا من الطلبة و الطالبات ، و رغم ان فرنسا قضت على عدد منهم ، الا أن كثيرا منهم زاد تكوينه و اصبحوا قادة عسكريين محنكين، يحسب لهم ألف حساب قبل أي قرار تتخذه سلطات عسكر فرنسا.
الوطن والشجاعة و رسالة الى الاجيال  ..
يواصل «سي بن عيشة « مذكراته ، و يقول انه في العام 1960 ، غادر كتيبة الحمدانية ، و تحول الى منطقة الساحل بتيبازة اليوم ، و عين كمحافظ سياسي ، و تولى القائد سي حسان ( يوسف الخطيب ) قيادة الولاية الرابعة بمساعدة محمد بوسماحة و مجموعة أخرى من القادة ، منهم من قضى نحبه و منهم من أطال الله في عمره ، و يقول أن تكتيك ضرب العدو مثل ما كانت تفعله العصابات تواصل و لم يتوقف ، و في المقابل كانت فرنسا ترد بالنار و تحاول بأبشع الطرق ان تتحصل على المعلومات و تتعقب المجاهدين و أثارهم ، و كانت تستعمل « التعذيب « لانتزاع الاعترافات و المعلومات ، و انتشرت مراكز التعذيب و السجون ، التي خرقت كل القيم الانسانية و الدينية و الأخلاقية ، و ناقضت الأعراف و القوانين الدولية و داست عليها ، و لكن ذلك لم يثن المجاهدين و لم ينقص من عزائمهم ، بل تنظمت الثورة أكثر ، و أصبح الجنود المجاهدون لديهم أسلحة جيدة ، و ملبس ، بعد أن تمكنوا من إنشاء ورشات خياطة ، و أصبح  صيت الثورة خارج الحدود و الأسوار ، و لم تعد فرنسا تملك من العيون و العملاء و القوة ، لإسكات صوت الجزائر و مجاهديها، و رضخت و انتصر الحق على الباطل ، و رفرفت راية الأبيض و الأحمر و الأخضر ،  و في قلب تلك الالوان نجمة و هلال ، و قال الراوي أن الثورة نجحت بالجميع ، من شعب و مجاهدين و قياديين ، و استسمح من لم يذكرهم في شهادته ، لسهو وقع أو للنسيان ، وختم في رسالة الى الاجيال بوصية ، أن يقدروا تلك التضحيات من الشهداء الذين سقطوا ، و من كل شخص قدم و لم يبخل في واحدة من أقدس الثورات في العالم ، و يشيدوا بإخلاصهم للوطن، و ان لا ننسى خلال الاحتفالات المخلدة للمناسبات الوطنية ، قراءة الفاتحة و الترحم على أرواح الشهداء ، و ذلك أقل واجب و ختم  سي بن عيشة « .

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024