الكاتب مـراد عمـرون لـ «الشعب»

المبــدع مـن يسمـو بقيــم الإنسـان و أخلاقــــه

أجرت الحوار: حبيبة غريب

التفتـح علـى ثقافـات الأمم بـــاب مشـروع للتعـايش مــع الآخــــر

 خريج جامعة مولود معمري بتيزي وزو بشهادة ليسانس الحقوق والعلوم الإدارية، ثم شهادة الكفاءة في المحاماة، وبعدها ماستير في التسيير والمناجمانت من المعهد الدولي للماناجمانت ببجاية، وإطار دولة في مؤسسة عمومية، هوايته الكبرى الكتابة التي أتقنها على مر السنين بشغف كبير وترجمها من خلال مساهماته في الكثير من الصحف الجزائرية وكذا من خلال العديد من الإصدارات التي  يتأرجح فيها أسلوبه بين الخاطرة والشعر والرواية والأبحاث والتحاليل التقنية وكذا الأرشفة لتاريخ الجزائر والتعريف بأعلامها ومراجعها، إنه الكاتب مراد عمرون، الذي  يكشف لنا من خلال هذا الحوار  قصته مع عالم الكتابة والإبداع وآرائه حول الساحة الثقافية وكذا جديده الأدبي.

الشعب: كيف جاء مراد عمرون إلى عالم كتابة؟
مراد  عمرون: جئت إلى الكتابة بكل عفوية لأنني شخص يهوى فسحات العقل وتمايل الكلمات وأحب أن أمارس الصراخ على الورق و ذلك لما فيه من حرية تعبير. أنا أعتبر  بياض الورق عالما يصغي إلي دون تردد ومن بعد أجد نفسي ألبسه كلمات وأفكار وبه أذهب نحو ما أصبو إليه.
- ما هو نتاجك الأدبي لحد اليوم و كيف يتم اختيار مواضيع إصداراتك؟
 صدر لي عام 2007 رواية باللغة الفرنسية وهي « الدمعة الجامدة» كتبتها وعمري لا يتجاوز 22 سنة ثم تلاه « نسيج خواطري» ديوان شعري عام 2010 وكتاب حول العلامة « الفضيل الورثلاني، الجزائر معدن الأبطال» عام 2012، وبعده صدر لي كتاب حول حياة الفنان القدير مصطفى زميرلي عام 2014 تناولت فيه حياته الفنية ثم جاء دور «مشاهير الجزائر» في أربع أجزاء عام 2015 وفي مجال التسيير صدر لي كتاب « الماجمانت بين المفهوم الكلاسيكي والمفهوم الإسلامي» عام 2015 ، ومؤخرا صدر لي ديوان شعر « أنا من فلسطين و صحراوي مرفوع الجبين» وكذلك رواية « عين الفوارة» عام 2016.
فيما يتعلق بالشق الثاني للسؤال، لا بأس إن اكتفيت بالقول أنني أحب مداعبة الفكر والشعر والأدب ، فأنا أعشق الحديث مع الورق باختلاف لهجاته وصفاته، فأحيانا أروي قصصا وحينا آخر شعرا وأحيانا أخرى أبحر في مواضيع وأرمي بنفسي بين أحضان أمواج الفكر والمعرفة والعلم. فليس لي مجال معين أكتب فيه وأتخصص فيه.
- تعدد الاهتمامات في كتاباتك بين الخاطرة والرواية و البورتيرهات والكتب التقنية هناك أسلوب متميز فلماذا هذا التنوع في المواضيع؟
 إن الحراك الثقافي لا حدود له والمشهد الاجتماعي هو أهم منبع للمسائلة ولعل سر تعدد المواضيع التي أعالجها هو ذلك الحي الشعبي الذي كبرت فيه وكذا القرية التي أحببتها منذ صغري دون أن أنسى والدي رحمهما لله اللذان كانا بمثابة المحرك النفسي الذي كان له تأثير كبير في حياتي.
كتبت في عدة أجناس العمل الأدبي من الرواية إلى الشعر إلى التاريخ وغيرها، وأتفاعل مع المجتمع وفق ما تمليه قريحتي فأجد نفسي أزرع أفكاري سوادا على بياض الورق رواية أو شعرا أو مسرحية لأن فهم المجتمع وفهم محاور بنيانه يفرض أحيانا اختيار القالب المناسب لتناول الموضوع المطروح.
-  ما هي رسالتك تجاه الأحداث المترابطة اليوم؟
 إن للأديب والصحافي، الكاتب، الشاعر والمثقف رسالة لابد أن يؤديها على أحسن وجه .بالرغم من أن الأديب قلمت أظافره وأصبح مقيدا بلقمة عيشه، وبالرغم من كل العقبات والصعاب التي يواجهها، يبقى أنه مسؤول عما ينتجه و يضعه بين أيادي القارئ.    
الأديب عندما يكتب نصا أدبيا أو مسرحية، فإنه يحمل فكرة وهاجة يريد إيصالها بطريقة ما، والفكرة لابد أن تكون تربوية وحكيمة لينير بها العقول لذا لابد عليه أن يسخر قلمه وكل ما يملك من طاقات للدفاع عن الحق والبسطاء والمظلومين والمحتاجين وكل قضية عادلة، عكس ما نراه عند العديد من المؤلفين مع الأسف الذين تفننوا في مواضيع هابطة ومظلمة صار العالم العربي ينشر كل شيء بما فيه البذيء والرديء تحت طائلة شعار حرية التعبير والجرأة الأدبية.
المبدع هو ذلك الذي يسمو بقيم الإنسان وأخلاقه وهو ذلك الذي يربي المجتمع ويؤدبه لا ذلك الذي يذهب به إلى الحضيض.
- يكثر الحديث حاليا في الساحة الثقافية العربية والوطنية عن ضرورة التواصل والتفتح على الآخر وكذا الاستشراف واليقظة في الثقافة، هل لك رأي حول الموضوع؟
 لم يكن يوما الأدب وسيلة للانغلاق بل عكس ذلك تماما، فالعلم مثل العسل الذي تنهله النحل من رحيق الورود والأزهار بكل أنواعها. وإن لدغتك نحلة لا يعني ذلك أنك تستغني عن عسلها، فالعلم أينما وجد لم يوجد سوى لخدمة وإسعاد الإنسانية جمعاء وإذا قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم « أطلبوا العلم ولو في الصين» هذا يؤكد الكلام السالف الذكر.
إن التفتح على ثقافات الأمم مؤشر جيد وباب مشروع و فعال للتعايش مع الغير بما فيه من إقدام للتعرف على ثقافات العالم المختلفة وفتح المجالات للتنافس والتعاون الثقافي بما يخدم الشعوب وما الكتب أو المسرحيات الشهيرة التي صار لها رواج كبير وسمعة عالمية والتي بلغت القمة سوى دليل على عبور الفعل الأدبي والفني للحدود الإدارية التي اصطنعتها الحكومات وذلك بالرغم أنه من حين إلى آخر تتعكر العلاقات الدبلوماسية بين الحكومات إلا أنه لا يمكن للفكر الأدبي أو الفعل الثقافي التأثر أو الاضمحلال في هذه الخلافات الآنية.
- كيف هي علاقتك بالنشر وهل التوزيع يعيق حقا الكتابة الأدبية وغيرها في الجزائر؟
 أنا كالعديد من المؤلفين غير المعروفين على الساحة الأدبية أنشر على حسابي الشخصي ولقد اجتزت عدة عقبات للوصول إلى نشر كتبي المختلفة ولم يكن ذلك بالأمر الهين. لو لم يكن عزمي وإرادتي فولاذية لما نشرت أي كتاب ولفقدت الأمل.
وهذا ما جعلني أتطرق إلى معضلة يعيشها العديد من المؤلفين وهي متعلقة بدور النشر التي يصعب الوصول إليها وإن تعددت ولا سيما من طرف مؤلفين من أمثالي الذين لم ينالوا أي  شهرة لكي يتعاملوا أصحاب دور النشر معهم.
من المفروض أن أصحاب دور النشر هم الذين يبحثون عن المؤلفين والمبدعين على غرار ما يجري في الدول المتقدمة، لكن مع الأسف العديد منهم، بسبب ضعف سوق القراءة وبيع الكتاب، ركنوا إلى الكتب التي يرونها مربحة. لذا نجد معظمهم يتهافتون وراء المؤلفين المعروفين لتسويق كتبهم دون أن يولوا أحيانا الاهتمام والعناية الكافية لنوعية محتواها. الكل يعلم أن وزارة الثقافة تخصص سنويا مبلغا من المال العام لدعم وتشجيع الإبداع في الجزائر، لكن الأمر الذي يعاب على هذا الجهد الجبار الذي تقوم به الوزارة  يكمن في كون أن القائمين على هذا القطاع لم يجتهدوا لإيجاد ووضع ميكانيزمات فعالة لإيصال هذا الدعم إلى مستحقيه.
- كيف ترى التحديات ما تعلق منها بالتكنولوجيات الحديثة والإصدار الالكتروني ؟
 في الحقيقة، المشهد الإبداعي يبحث على الارتياح وما ارتفاع أصوات المبدعين هنا وهناك بالتذمر والشكوى من الواقع الثقافي الذي خيمت عليه بعض المظاهر السلبية إلا تأكيد لذلك بما فيها غياب الدعم السالف الذكر والنقص الفادح للمكتبات في كل الولايات وكذا غزو الكتاب الإلكتروني للساحة الأدبية بشكل عجيب وفي ظرف زمني قصير، الأمر الذي أدخل الكتاب الورقي في دائرة الشك المقيت.
إن المثقف في ظل التحديات الجديدة وجد نفسه سجين بين تقلبات فرضها الوضع المتأزم، فلا هو مستسلم ولا قادر على تغيير ذات الوضع وفي هذا الصدد لقد أجاب محمود درويش على بعض الناشرين الذين تمادوا في نشر الرديء واصفا إياهم بعبارة « الإسهال»، عبارة  قد تبدو قاسية لكنه قالها عن وعي نقدي لتصحيح ما يجب تصحيحه والعودة بالكتاب إلى دوره ونسخ ما ينفع دون سواه.
أما عن الجدل الذي يدور حول الكتاب الرقمي والورقي،لا بد أن نؤكد قبل كل شيء أن الكتاب الرقمي وليد الكتاب الورقي وما جاء إلا ليتمم نقائصه واستجابة  لضرورة تكنولوجية من عصرنة الكتاب ومسايرة العصر بتطوير محتويات وشكليات الكتاب وإلا فلا جدوى للرقمي وأبعد من ذلك فقد تكون أضراره على المدى البعيد أكثر من منافعه ومنها أن الرقمي أفقد المصداقية للعديد من الكتاب لما فيه من تشويه وتغيير لمحتويات الكتب بينما الورقي يضفي على الكتاب ميزة المصداقية التي لابد أن تلازمه.
-  هل من إصدارات جديدة في الأفق ؟
 عن قريب إن شاء الله سوف يصدر لي كتاب تناولت فيه منطقة تيزي وزو باللغة الفرنسية وهو عبارة عن لوحة فنية وتاريخية عن المنطقة، هذا من جهة ومن جهة أخرى اتفقت مع دار النشر» سمر» على إعادة طبع كتابين الأول حول حياة العلامة الفضيل الورثلاني والثاني حول مشاهير الجزائر، كما إنني قدمت للمحافظة السامية للأمازيغية مجموعة قصص الأنبياء بالامازيغية. وحاليا أنا على وشك الانتهاء من اللمسات الأخيرة لرواية جديدة باللغة العربية وأخرى باللغة الفرنسية.
وخير ما أختم به هذه الدردشة الطبية وهذه الفرصة السانحة التي أتيحت لي هو أن أذكر أن العلماء هم ورثة الأنبياء وهذا يكفي ليتعظ به كل أديب أو كاتب ولا يمكن تصور أدب من أجل الأدب فقط، فعنوان الحياة الاجتماعية هو الأدب وشكرا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024