ميساء ملاح رئيسة قسم اللّغة العربية بجامعة بومرداس

الأدب النّسوي توجّه معرفي مرتبط بالحرية والمساواة

حاورها: أسامة إفراح

على المبدعة امتلاك الأدوات الفنية اللاّزمة لتحقيق وجودها
أعمال النّاقدات بقيت حبيسة رفوف المكتبات الجامعية

الأستاذة ميساء ملاح رئيسة قسم اللغة العربية وآدابها جامعة بومرداس، وباحثة في الدراسات الأدبية والنقدية والمقارنة، خرّيجة جامعة الجزائر، اشتغلت على «الرواية والعنف في رواية المحنة الجزائرية» تحت إشراف الدكتور واسيني الأعرج، وهي عضو اللجنة العلمية لملتقى رشيد ميموني، وعضو مخبر البحث في الرواية الجزائرية والتجريب. تتطرق في هذا الحوار إلى الفرق بين مصطلحي «النسوي» و»النسائي»، وملاحظاتها حول مستوى كتابات الجزائريات، وسبل حضورهن أكثر في المشهد الأدبي والنقدي الجزائري.

 الشعب: ونحن نحتفل باليوم العالمي للمرأة..كيف تقيّمين حضورها في المشهد الإبداعي الجزائري؟
 ميساء ملاح: من خلال قراءاتي وملاحظاتي للمشهد الإبداعي الجزائري فإني أسجل حضورا متميزا للمرأة المبدعة سواء في الشعر أو في القصة والرواية أو السينما والمسرح وغيرها من مجالات الإبداع. فالمرأة استطاعت أن تكرس حضورها الإبداعي. والملاحظ هو أن المرأة لم تعد تخشى النشر، ففي السنوات الأخيرة قرأنا عدة تجارب روائية أولى لمبدعات قرّرن خوض غمار النشر وإن كان النشر على مستوى محدود، كما أن كثيرا من تلك التجارب لا ترقى إلى مستوى فني وجمالي وهي بحاجة لمزيد من التطور، فالرواية مثلا ليست مجرد رصّ للكلمات ولكنها حبكة إبداعية وبناء فني يدخل القارئ في متاهته وبصراحة كثير من الروايات الجديدة لم تستطع إثارة دهشتي كقارئة.
ولكن هذا لا يعني أن لا أشجع هؤلاء الكاتبات المبدعات على الإبداع أكثر.
وكما قلت لك نظرة بسيطة لبعض الأعمال المنشورة في السنوات الأخيرة تجعلنا نسجل في مذكرتنا أسماء مبدعات مثل منال مزهود، بشرى بوشارب، مليكة رافع، عائشة بنّور، سامية بن دريس، خولة حواسنية، كريمة عساس، وافية بن مسعود، مريم سبع، الكاتبة والسينمائية ريم الأعرج، ولتعذرني البقية اللواتي لم أذكر أسماءهن وهذا دون أن ننسى مبدعات كرّسن إنتاجهن في الأدب الجزائري كالأستاذة زينب الأعوج والأستاذة ربيعة جلطي والروائية مايسة باي وغيرهنّ.
فما يمكن قوله إن حضور المرأة المبدعة في الأدب الجزائري واضح ولا يمكن تجاهله.
 نجد مصطلحا متداولا كثيرا مؤخرا هو «الأدب النسوي أو النسائي»..ما مدى صحة وعلمية هذا المصطلح؟ وهل يمكن أن نفرق بين كتابة أدبية رجالية ونسائية؟
 فيما يخص الأدب النسوي / النسائي يجب التوضيح في البداية أنه هناك فرق بين المصطلحين، فالنسائية هي الفعاليات التي تقوم بها المرأة دون اعتبار للبعد الفكري والفلسفي لهذه الفعاليات، بل هي مجرد فعاليات تقوم بها النساء، بينما النسوية فتعبّر عن مضمون فلسفي فكري مقصود.
وقد ظهر هذا المصطلح ليعبّر عن ظاهرة أدبية ظهرت بالموزاة مع حركات تحرير المرأة في القرن العشرين، ولازال هذا الأدب على صلة وثيقة بالحركات النسوية المطالبة بالمساواة والحرية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وتعتبر فرجينيا وولف من رائدات هذا التيار بالإضافة إلى الفرنسية سيمون دي بوفوار التي تزعمت الحركة النسوية، وأصرت على أن المرأة هي آخر بالنسبة للرجل. وانطلاقا من هذا الأدب ظهر مصطلح النقد النسوي الذي يدرس الكتابات التي تعالج المرأة وقضيتها، وهذا النقد لا يتبع نظرية أو اجراءً نقديا محددا وإنما يتميّز بتعدد وجهات النظر ونقاط الانطلاق وتنوعها، كما يستفيد من النظرية السيكولوجية والماركسية ونظريات ما بعد البنوية وما بعد الحداثة، ورغم هذا التعدد إلا أنه يركز على مفاهيم معيّنة كمفهوم الجندر وعامل الاختلاف الجنسي في إنتاج الأعمال الأدبية وشكلها ومحتواها وتحليلها وتقييمها. وقد انفتح هذا النقد على النقد الثقافي وتمثل معطياته ومفاهيمه. وينطلق النقد النسوي من منطلق تحليل ومقاربة النصوص الأدبية من وجهة نظر المرأة، ويندرج هذا النقد في نطاق الحركة النسوية المطالبة بالمساواة والاشتغال على نصوص إبداعية للمرأة، كما يأتي هذا النقد ليعلن عن غايته المتمثلة في البحث عن خصوصية أدب المرأة وعلامات الأنوثة فيه.
فالأدب النسوي والنقد النسوي أحد التوجهات المعرفية التي توظف معطيات الوعي الحديث بقضية المرأة انطلاقا من مفاهيم فلسفية مرتبطة بالحرية والمساواة.
أما بخصوص الشق الثاني من السؤال، فحينما نتحدث عن الأدب وخطاب التأنيث يجب أن ننتبه إلى مسألة هامة، وهي أن التأنيث ليس فعلا محددا ومحصورا على المرأة. فالتأنيث مرتبط بالخطاب اللغوي، وهو نسق ثقافي يصدر عن الرجل كما يصدر عن المرأة، وكذلك التذكير هو أيضا نسق ثقافي يصدر عن المرأة كما يصدر عن الرجل.
وكم من امرأة عزّزت الخطاب الذكوري بأشعارها وكتاباتها، كما أن للرجل دورا في تأنيث الخطاب اللغوي الإبداعي.
فيمكن اعتبار خطاب التأنيث في الأدب كنسق ثقافي وإبداعي يمس الخطاب اللغوي وللثقافة - كما يقول عبد الله الغذامي - وسائلها الخاصة في الدفاع عن أنساقها.
 ما الذي على المرأة فعله لكي ترتقي أكثر بمشاركتها في الإبداع الفني عموما والأدبي خصوصا؟
 لكي ترتقي المرأة أكثر بمشاركتها في الإبداع الفني، فمن وجهة نظري يجب أن تمتلك جرأة أكثر في مواجهة كثير من العراقيل من أجل الاستمرارية، كما يجب على المرأة المبدعة أن تمتلك الأدوات الفنية اللازمة في أي مجال إبداعي حتى تحقق وجودها بإبداعها سواء في الشعر أو الرواية أو أي مجال آخر، بالإضافة إلى عدم التسرع وكذلك التراجع عن مكتسباتها والدفاع عنها في مختلف إبداعاتها.
 ماذا عن المرأة كناقدة وأكاديمية؟
 المرأة كناقدة وأكاديمية لها حضور بارز في الجامعة الجزائرية والمجال النقدي، وقد تحدثنا سابقا عن النقد النسوي الذي يرتكز على أطروحة أساسية ينتج عبرها توجهه النقدي، ملخصها أن النقد الأدبي بحكم ممارسة الرجال له أصبح مجالا للهيمنة الذكورية يعبر عن قيم الرجل وعقليته ويضعها موضع الصدارة في نظرته للأدب، الأمر الذي انعكس على التحليل والتفسير، كما انعكس على مختلف المناهج النقدية. ويتجلى الهدف الرئيسي للنقد الأدبي النسوي في تقديم تفسير نسوي للنصوص الأدبية وتوضيح المفاهيم المتعلقة بالمرأة في النقد الأدبي.
فالنقد الأدبي النسوي يسعى إلى إزالة الغموض عن كل التساؤلات والأجوبة الخفية التي تسترت عن العلاقة بين النص الأدبي ومنتجه باعتباره يحمل جنسا.
وقد استطاعت المرأة الناقدة تحقيق مكانة لها في الحقل النقدي، ويمكننا ذكر أسماء كثير من الأستاذات الناقدات، ولكن للأسف الشديد بقيت أعمالهن حبيسة رفوف المكتبات الجامعية، وقليل منهن استطعن مواجهة عراقيل النشر وحجزن مكانة لهن في الحقل النقدي، كالأستاذة حياة أم السعد والأستاذة آمنة بلعلى والأستاذة منى بشلم وغيرهن.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024