الخراب في الذهنيات وإعادة ترميم الذات الوطنية ضرورة قصوى
شاعر وقاص ومسرحي، صدرت له مجموعة شعرية “رقصة الحمأ المسنون” عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، سنة 2000، مسرحية “جلالة المتخم الثاني” عن الجاحظية سنة 2001، ومجموعة في القصة القصيرة جدا تحت الطبع “قليل من الماء لكي لا أمشي حافيا”، كما اشتغل إطارا في الحقل الثقافي ومديرا لدار الثقافة لولاية أدرار، ومحافظا للمهرجان الثقافي للفنون والثقافات الشعبية لذات الولاية، يشرف حاليا على دار الكلمة للنشر، ويكتب عمودا أسبوعيا بيومية الحياة الجزائرية. “الشعب” اقتربت من القاص والمبدع ينينة وكان معه هذا الحوار.
«الشعب”: “قليل من الماء لكي لا أمشي حافيا” هل لعنوان المجموعة القصصية علاقة بالتجربة الإبداعية لعبد الكريم ينينه
عبد الكريم ينينة: هي الكتابة غالبا ما تأخذك إلى تخوم وحدود أخرى، وبتعبير آخر هي الأرض الوحيدة التي لا تتطلب منك وثائق ثبوت الهوية أو رخصة لكي تتنقل في أرجائها، من يقرأ مجموعتي الشعرية “رقصة الحمأ المسنون” يجد أن كل قصيدة فيها هي قصة كذلك، فالحياة قصة نعيشها، ولكل منا قصته، نحن نختلف فقط في قوة وأشكال التعبير، وتجربتي الشخصية هي في ما ذكرت، فالأدب هو الصورة، سواء اللغوية أو الذهنية، شخصيا لا أرى طائلا من كتابة لا تنقلك من مكانك وزمنك إلى أمكنتها وأزمنتها.
من الكتابة الشعرية إلى الكتابة المسرحية في تجربة “جلالة المتخم الثاني” إلى القصة القصيرة جدا بتصورات جديدة، تنأى عن الغموض والشطحات الفلسفية المبهمة، إلى متعة اللغة والبحث عن بهر المفارقة وتعدّد الإحالات، وسوف تكون المجموعة إن شاء الله حاضرة في المعرض الدولي القادم للكتاب كتجربة شخصية خالصة، القصة القصيرة جدا هي اختزال جميل للحياة، لهذا قلت سابقا إن الإنسان وهو بصدد مغادرة هذا العالم سوف يتأكد أن ما أمضاه في هذه الدنيا لم يكن إلا ق.ق.ج.
- قضيتم مسارا معتبرا في المشهد الثقافي الجزائري متابعا ومهتما وإعلاميا وكاتبا وحتى موظفا في مكتب الجمعيات بوزارة الثقافة، ثم مديرا لدار الثقافة بأدرار. هل تعتبرون أن المشهد الثقافي أسّس لبنة البناء لرسالة الثقافة الوطنية؟
رغم أن المشهد الثقافي ظلّت تتنازعه الرؤى الأيديولوجية، فإن مجهود بناء ثقافة وطنية لا يمكن إخفاؤه، تخبرنا بذلك المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع، التي كانت تصدر وتوزع، وكذلك الفن السابع الجزائري الذي كان حاضرا على المستوى العالمي باستمرار، وهو الوحيد عربيا المتوج بالسعفة الذهبية، وتعلمون كيف كان مسرحنا وإنتاجه النوعي ذائعا على المستوى العربي، وكذلك البالي الوطني، والأدب والتشكيل، وكان البلد مفتوحا على ثقافات العالم لا يكاد يمر يوم إلا واستقبلنا ضيوفا في مختلف الفنون، كما كانت ثقافتنا تتنقل إلى الخارج باستمرار، ثم حدثت القطيعة مع الأزمة الدموية في بداية التسعينيات ولم يسلم أهل الفن والأدب من الاغتيال والتصفية، واشتدت الأزمة فصارت الأولوية للأمني، حتى إن المراكز الثقافية آنذاك سلمت للحرس البلدي كمقرات.
ثم انفرجت الأزمة تزامنا مع صعود أسعار البترول، فاستفاد قطاع الثقافة من غلاف مالي لم يشهد مثله قط، واستعدنا بعض ملامح المشهد السابق، غير أن الخراب في الأنفس والذهنيات جراء الإرهاب كان فظيعا، بحيث يتطلب منا إعادة ترميم الذات الوطنية، ثم الانطلاق من جديد، وهذا ما يجب أن نحشد له الخبراء والمختصين والميدانيين لوضع استراتيجية على أسس حقيقية.
- كيف تقيّمون المشهد الثقافي اليوم، وهل من اسقاطات ترونها ضرورية لتفعيله أكثر؟
المشهد الثقافي كما تعلم يخضع للقدرات الفكرية والابداعية والمالية، الأولان ظلا متوفرين في جميع الأجيال، ويبقى العامل المادي متأرجحا، فحين ترتفع أسعار البترول يتشكل المشهد إلى حدّ ما، ثم تتدهور الأسعار فينكمش المشهد وينكفئ على العاصمة وحدها، فلا مشهد دون غلاف مالي، لقد دخلنا مرحلة أخرى تحتم علينا إعادة النظر في بعض المفاصل في القطاع، إن المسارح في أوربا مؤسسات يسيرها الدعم الذاتي، فمداخيلها من عروضها، ومن مطبوعاتها الإعلامية ومجلاتها الفنية والنقدية الخاصة بالفن المسرحي وبعروضها، وكذلك بالنسبة لدور السينما، وأروقة الفن التشكيلي، ففي هذا الاتجاه يجب علينا أن نتحول ونمضي قدما، أما الكتابة فهي لا تحتاج إلا إلى صانع أو قريحة، وكما قال كاتب ياسين “إن الكاتب لا يحتاج إلى اتحاد الكتاب ليصبح كاتبا” الكاتب لا يحتاج سوى الإعلام، أقصد ذلك الذي يقوم عليه المحترفون، وليس ذلك القائم على النزوات أو الشللية، الإعلام الذي يخدم وطنه ولا يعتم عليه، الإعلام الذي يروج لأدبنا ولا يقف عازلا.
- دخلتم عالم النشر والطباعة كم هو عمر تجربتكم؟
تجربتي كناشر مع “دار الكلمة” هي في بداياتها، غير أن تصوري الخاص للكتاب والكاتب قديم وثابت، بحيث أتصور علاقة لا يغلب عليها المنطق التجاري وحده، وإن كانت الدار هي مؤسسة تجارية ربحية، لكن حسب تصوري يجب الرفع من قيمة الكاتب، بحيث يجب النظر إليه خارج إطار الزبون، وأيضا بالنسبة للكتاب خارج إطار البضاعة.
- حظيت المجموعة القصصية للدكتورة حفيظة طعام وهو إصدار دار الكلمة للنشر بجائزة غسان كنفاني، كيف تمّ ذلك؟
من قناعاتنا في “دار الكلمة” هو خدمة الأدب الجزائري، ومن بين أساليب خدمة هذا الأدب هو أن نرشح من المنشورات الأدبية للدار ما نراه أهلا لذلك، لقد قمنا بسن هذه السابقة، ونتمنى أن يُقتدى بها، خدمة لأدبنا، فذلك من صلب مهامنا، وألا نكتفي بالنشر فقط.
تقدمنا بعملين لمسابقة غسان كنفاني للقصة، وفازت مجموعة “من مذكرات غرفتي” للقاصة حفيظة طعام بالجائزة الأولى، وهي جائزة مهمة في المشهد الأدبي العربي، وأعتقد أنه استحقاق مهم للإبداع الوطني لهذا العام، لكنه للأسف لم يلق الاحتفاء اللائق به إعلاميا، رغم أن اسم الجزائر كان حاضرا هناك بقوة في محفل حضرته شخصيات ثقافية مرموقة، وسياسيون وديبلوماسيون عرب، لقد كانت صحيفة “الشعب “ من ضمن الصحف القليلة التي شكلت الاستثناء، وقد اطلعتُ على الحوار الجميل لكم مع الكاتبة، أغلبية إعلامنا الثقافي لا أحد فيه سأل كيف هو طعم الجائزة، أقول هذا ككاتب أولا، وكناشر مسؤول عن الترويج للأعمال الصادرة عن الدار والاتصال بمختلف الجهات الإعلامية، فالاستفادة من الإعلام هو من الحقوق المكفولة للمواطن، ولا ينبغي للجزائري الأصيل إلا أن يفخر بمنجزات أخيه الجزائري ويثمنها.
- أين وصل رقم أعمالكم الصادرة، وهل هناك أرقام في المستقبل؟
دار الكلمة حاليا تتوخي الجودة في ما تنشر، وأيضا الاحترافية في الإنجاز، ولا ينبغي لها أن تحيد عن هذا الخط، وقد أصدرت لحد الآن أربعة عناوين في الإبداع الأدبي وفي تحقيق التراث وفي المذكرات، وللدار حاليا أزيد من عشرة مخطوطات منها ما هو تحت الطبع الآن.
- هل تستفيدون من صندوق دعم الإبداع؟
قدمنا بعض العناوين في الإبداع الأدبي، هي حاليا تنتظر مصادقة لجنة القراءة الخاصة بالصندوق.
- حاز الكثير من الأدباء الشباب على جوائز في مختلف الأجناس الأدبية، هل هي طفرة إبداعية أم ماذا؟
ذلك راجع إلى إمكانيات هؤلاء الشباب، أذكر في الإبداع فقط هاجر قويدري، إسماعيل يبرير، يوسف بعلوج، علاوة كوسة، سعيد خطيبي وغيرهم كثير، للأدب الجزائري روافده الإنسانية، وثراؤه الذي لا يوجد في غيره، يكفي على الإعلام الثقافي أن يعمل بقليل من الاحترافية ويُعرِّف به، هؤلاء الحائزون على الجوائز إنما قاموا بالتعريف بأدبنا الجزائري، وأثبتوا تفوقه، ومن بين أسباب جهل المشرق بأدبنا هو هذا التقصير من لدن إعلامنا الثقافي.
- ماذا عن الترجمة في اصداراتكم؟
الترجمة إبداع آخر، ومشروع قائم بذاته، سنهتم به مستقبلا حين تتوفر الإمكانات لذلك.
- كلمة أخيرة
أغتنم هذه المساحة لأدعو الكتاب والنقاد والمختصين لدعم إعلامنا الثقافي والتعامل معه، للوصول به إلى الاحترافية المطلوبة، خدمة للأدب الوطني والتعريف به، حتى لا تبقى هناك ذريعة لدى الآخر للقول إنه يجهل أدبنا، كما أشكركم شخصيا أخي نور الدين على هذا المجهود الذي تبذلونه بذكاء، وإخلاص للثقافة الوطنية، ومن خلالكم جريدة “الشعب” التي عرفناها صغارا يوم كانت الصحيفة المعربة الوحيدة في البلد، وكان يأتي بها والدي كل مساء، أذكر أنها كانت أوسع من ذراعي وأنا أفتحها.