القاص والكـاتب منـير مـزليني لـ«الشعـب»

الكثـــير مـن التجـارب الروائيــة الشابـة فـرضت وجودهــا

نورالدين لعراجي

قدم الأديب والقاص منير مزليني رؤيته النقدية والأدبية تجاه المشهد الروائي الجزائري مقتصرة نظرته حول أهمية اللغة المعبر عنها في الكتابات حيث ذكر بأن: «إشكالية اللغة المعبر بها في الرواية الجزائرية بين المكتوبة باللغة العربية والمكتوبة باللغة الفرنسية، وانتشار هذه الأخيرة وتقدمها على حساب المكتوبة بالعربية في المنابر العالمية والجوائز الدولية الكبرى، تبقى قضية تجاذب بين النقاد والباحثين، وحوار متباين بين هادئ وحاد فيما بين المتلقين (قراء أو مبدعين).. إلا أن المسألة بدأت تأخذ مسارها التحاوري الهادئ في الفترة الأخيرة لاسيما بعدما تحول بعض كتاب الرواية باللغة الفرنسية إلى الكتابة باللغة العربية من جهة، ونجاح بعض كتاب الرواية المكتوبة بالعربية في الوصول إلى المنابر المهمة وحصد بعض الجوائز النفيسة وتحقيق شهرة لا يستهان بها على مستوى المحيط العربي والدولي .. وهناك صنف ثالث يلعب على الحبلين، ينتقل من العربية إلى الفرنسية حينا ومن الفرنسية إلى العربية حينا آخر، متصيدين الفرص ومنتهزين الظروف، يكتبون وفق رؤية تحايلية زئبقية لا مبدئية، تلمس من ورائها محاولة ارضائية لبعض الجهات أو الفئات المانحة أو الضاغطة أو المهيمنة، كل حسب الظروف، فحينما ينتقلون إلى الكتابة باللغة الفرنسية يكتبون برؤية استشراقية محضة،حول هذه الفئة يذكر منير مزليني بأن هذه النمطية من الاتجاه لا تمت للواقع الجزائري بصلة بل يحاولوا أن يلفقوا لهذا المجتمع بعض العادات والسلوكيات المتخلفة والمشينة أو المهجورة أصلا إرضاء لـ ( ... )، وحينما يتحولون إلى الكتابة باللغة العربية تجدهم يتحاذقون بالتفتح والمثاقفة والمواطنة وما إلى ذلك  . وعلّ هذا التناقض يظهر بشكل جلي وواضح في الفرق بين تصريحاتهم  وأرائهم التي يبدونها أمام القنوات والفضائيات الوطنية والأخرى التي يصرحون بها أمام القنوات والفضائيات الأجنبية (الفرنسية) !!

الرواية الجزائرية وإشكالاتها اللغوية
وبالتالي يمكن اعتبار مثل هذه السلوكيات عوامل فاعلة في أسبقية الرواية المعبرة بالفرنسية للصدارة والترشح للجوائز ألكبري والمهمة، لكنها ليست الوحيدة أو الكافية بل هناك عامل اللغة في حدّ ذاتها ومن يقف وراءها من لوبي فرانكفوني وفرانك فيلي  سواء كان في الداخل أو في الخارج، كما أن فرنسا تعتبر الدولة الراعية لأهم الجوائز الأدبية في العالم، والعمل على توسيع فضاء لغتها عامل إستراتيجي وجيو سياسي هام بالنسبة إليها، لكون اللغة بمنظورها ليست وعاء للأفكار فحسب بل هي كيات حي يحمل في طياته روح ثقافية خاصة وتاريخ خضاري متميز يمكن تفاعله لكن لا يمكن انصهاره وذوبانه لا سيما في عصر صراع الحضارات والثقافات والمغلف باسم (الحوار)، لا يمكنك أن تكون كاتبا جيدا بالفرنسية وأنت تفكر عربيا، فلا بد من أن يكون التفكير من جنس اللغة المفكر بها، حتى ولو كان المفكر فيه أجنبيا. وقد صرح الروائي الكبر عبد الرحمان مجيد الربيعي (العراقي ـ التونسي) صاحب رواية  (الوشم ) أن الروائيين الجزائريين المعاصرين الذين يكتبون بالفرنسية يكتبون لاستمالة القارئ الفرنسي وبمنظور يرضي المتلقي الغربي، وقد ذكر الأسماء على سبيل الحصر لا داعي من ذكرها الآن فهي تكاد تكون معروفة أو مكشوفة. إلا أن عامل اللغة وعامل الرؤية المتحيزة ليسا السببان الوحيدان لهده الظاهرة بل هناك عامل ثالث وليس الأخير يكمن في من يمتلك الوسائل الإعلامية والدعائية من ترجمة ونشر وتسويق وغيرها، ونحن رأينا كيف أن العديد من الأعمال الروائية التي لا تصلح حتى للقراءة ترجمت لأغلب لغات العالم وأهمها، ليس لشيء فقط للرؤية التي عبرت عنها واللغة التي كتبت بها، وجميعنا يعلم وعلى سبيل الذكر لا الحسر كيف أن التيار الشيوعي العالمي يطبع وينشر ويترجم أعمال منخرطيه من الكتاب في أغلب دول العالم المتواجد بها ويعمل على ترشيحها للجوائز العالمية، وقس على ذلك بقية التيارات والمنظمات واللوبيات الضاغطة والفاعلة في العالم . لكن كل هذا يمثل نصف العوامل أما النصف الثاني منها فيتحملها الكاتب نفسه المعبر باللغة العربية والذي يجب أن يتحلى بالوعي أكثر بهذه الأمور وبالعوامل الضاغطة وأن لا يقع في فخها فيقع له ما وقع للغراب، بل عليه أن يكتب بوعي وفق منظوره وفكره وثقافته ومشاعره، لا وفق ما وضع من شروط وخطوط .
منير مزليني وهو يتحدث عن بعض التجارب أراد آن يقول بأنه من التجارب الروائية الشابة  من استطاعت فعلا أن تفرض وجودها وكيانها روائيا وفق ثقافة أصيلة ورؤية شخصية متحررة، وقد لفت انتباهي في هذا السياق بعض التجارب الرائدة من تجربة الروائي (سمير قسيمي) والتي تحمل الكثير من الوعي والفكر الثقافي والحضاري الأصيل. مع العذر لبقية الأسماء التي لم أتمكن من ذكرها وهي تستحق.  

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024